عيد الأضحى من البعد الديني إلى الإكراه المادي والمجتمعي.

عيد الأضحى بين الاستطاعة والإلزامية

عيد الأضحى من أهم المناسبات الدينية لدى جميع مسلمي العالم، فهو أفضل أعياد الدين الإسلامي، يحل كل سنة هجرية في العاشر من ذي الحجة، ويوصف بأنه يوم الحج الأكبر، إذ يقوم فيه المسلمون بأداء هذه الشعيرة المقدسة، ألا وهي ذبح أضحية العيد تقربا إلى الله عز وجل، حيث تغمر الفرحة والبهجة جميع المسلمين، وتتقوى روابط التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع الإسلامي. وقد ارتبط عيد الأضحى بقصة نبي الله إبراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام، إذ رآى في المنام رؤيا أمره الله فيها بالتضحية بابنه اسماعيل، وعندما هم بتطبيق هذه الرؤيا بذبحه، فداه الله بذبح عظيم . فعيد الأضحى يحمل في جوهره ماهو أبعد من بعده الديني والايماني، فحسب ماهو متوارث، فإن ثلث الأضحية فهو للعائلة، وثلث للأصدقاء والأقارب، والثلث الباقي للفقراء والمحتاجين، الشيء الذي يؤكد أن هناك بعدا اجتماعيا وتكافليا خالصا يرتكز عليه العيد بعاداته وتقاليده المتوارثة منذ عهود مضت.
“فأضحية العيد ليست غاية في ذاتها والتي في كثير من الأحيان يتم التعامل معها كمادة استهلاكية فقط دون استحضار للأبعاد السامية لهذه المناسبة“
لكن هل لازال الناس يحافظون على هذه العادات والتقاليد والقيم؟ الملاحظ أنه في السنوات الأخيرة أصبح عيد الأضحى بمثابة عبء اقتصادي يثقل كاهل شرائح واسعة من الأسر خاصة إذا مانظرنا الى الارتفاع المهول في الأسعار وبالخصوص الأضاحي. حيث تم تغييب الأبعاد الدينية والاجتماعية وطغى عليهما البعد الاقتصادي وهنا يمكن أن نتساءل : أين الجانب الديني من كل هذا؟ وهل هذه هي السنة النبوية ؟ فالمعروف دينيا أن حكم ذبح الأضحية يعد سنة مؤكدة تقوم على الاستطاعة، لكن الغالبية العظمى من الناس تعطي لهذه الشعيرة الدينية أهمية قصوى حتى عند من لا يؤدي الفرائض الدينية الاساسية، حيث تجد كل الناس، وحتى محدودي الدخل منهم، إن لم أقل حتى المعوزين، يتهافتون لاقتناء خروف العيد، وإن اقتضى الحال التكلف عبر اللجوء إلى الاقتراض من الأبناك، أو بيع الاثاث المنزلي بغرض شراء الاضحية، والمباهاة بها من خلال ارتفاع سعرها، وقرونها أمام الجيران، فيتحول بذلك العيد من مناسبة دينية، وفرح وصلة الرحم إلى وسيلة للتفاخر والتباهي. وهنا نكون قد ابتعدنا عن المقاصد السامية للعيد، فأضحية العيد ليست غاية في ذاتها والتي في كثير من الأحيان يتم التعامل معها كمادة استهلاكية فقط دون استحضار للأبعاد السامية لهذه المناسبة. فتصبح الأضحية كسلعة باهضة الثمن بدلا من رؤيتها كسلوك ديني يهدف للتكافل والترابط الاجتماعي، أو بمعنى آخر تصبح الأضحية مجرد علامة تجارية تستهلك مع غيرها من السلع، ولا تختلف عنهم، لكنها تكون بغطاء مناسباتي. أما عن المتوارث في قضية توزيع الأضحية إلى ثلاثة أقسام، فلم يعد له أثر عند أغلبية الأسر، بل يجدونها فرصة للتمتع بما لذ وطاب من المشوي ولمحمر إلى لخليع ولقديد …الخ.

“فعيد الأضحى في بعده الديني، يفترض أنه سنة، وأن هدفه أيضا التصدق على الفقراء، لكن المجتمع حوله إلى إكراه مادي ومجتمعي تعيشه معظم الفئات، وعلى الخصوص الأسر الفقيرة والمتوسطة”
وبهذا نكون قد خالفنا السنة عن وعي أو بدون وعي منا. وقد كان من الأولى والأجمل أن نناقش بهدوء علاقتنا ببعض العادات والتقاليد التي استلهمت من الدين، لكنها انحرفت عن هدفها الأصلي مثل عيد الأضحى. وكم سيكون مفيدا لو استطعنا مناقشتها بدون تشنج، حتى نبني مجتمعا متصالحا مع ذاته يقوم أفراده بممارسة دينية معينة، ويفعلون ذلك بهدوء روحي ديني، وليس بسبب إكراه مادي ومجتمعي. فعيد الأضحى في بعده الديني، يفترض أنه سنة، وأن هدفه أيضا التصدق على الفقراء، لكن المجتمع حوله إلى إكراه مادي ومجتمعي تعيشه معظم الفئات ، وعلى الخصوص الأسر الفقيرة والمتوسطة. فالمسلمون كانوا يحيون مناسبة عيد الأضحى باعتبارها مناسبة دينية محضة، تخطو خطوات الرسول الكريم في اختيار الذبيحة وطريقة ذبحها واستهلاكها، والتصدق منها مع سلوك معاملات اجتماعية تليق بها، فأصبحت اليوم بمثابة فريضة اجتماعية تفتح الباب على مصراعيه للتباهي بنوع الذبيحة وبثمنها ومصدرها، والتكلف في توفير ثمن اقتنائها، وهذا ماجعل عيد الأضحى يفقد بعده الديني، خاصة وأن عيد الأضحى يعتبر من أعظم الشعائر الاسلامية، فيشكر المسلمون الله على ما أنعم عليهم فيه، ويستشعرون فضله عليهم، ويعظمونه، ويظهرون الفرح والسرور، ويقومون بصلة الرحم مع الجيران والأقارب، ويؤدون صلاة العيد، بتزامنه كذلك بيوم عرفة هذا اليوم العظيم لدى جميع المسلمين. وبما أننا على أبواب عيد الأضحى لهذه السنة 1444هـ-2023م والذي يأتي في ظرفية خاصة يشهدها العالم بصفة عامة، والمغرب بصفة خاصة، حيث الأسعار عرفت ارتفاعا صاروخيا، وبما أن الحكومة تبرر هذه الارتفاعات بالظرفية المحلية المتسمة بالجفاف الذي ضرب البلاد، وإلى السياق الدولي العام المشحون بالحرب الروسية الاوكرانية، وتاثير جائحة كورونا، فلماذا لم تقم بإلغاء عيد الأضحى؟
“يعيش المغرب موجة غلاء لا مثيل لها، وقد تفوق الأزمات التي مرت بالمغرب وألغى فيها هذه الشعيرة الدينية أي عيد الأضحى. وقد تم ذلك في ثلاث مناسبات بقرارات ملكية، أجازت عدم نحر أضحية العيد، أولها كان عام 1963 حين عرف المغرب أزمة اقتصادية بعد اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر على خلفية مشاكل مرتبطة بالحدود. ثم في سنة 1981 حين شهدت البلاد أزمة جفاف حادة، دفعت من جديد العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني باعتباره أمير المؤمنين إلى إعلان ألغاء عيد الأضحى. وفي1996 تم إلغاؤه كذلك بسبب موجات الجفاف الشديد، والتي أعلنت الحكومة أنها سنة كارثة وطنية. فلماذا لم يتم إلغاؤه هذه السنة ؟“
مادام أنها سنة وليست فرضا، وهذه السنة تشترط الاستطاعة وتوفر الامكانيات المادية. هذه الأخيرة أي الامكانيات المادية،غير متوفرة حاليا كما تقر الحكومة نفسها بذلك. لأن جل المغاربة يعيشون ظروفا قاهرة، فموجة الغلاء عمت جميع السلع، وحتى علف الأغنام مما جعل ثمن الأغنام باهضا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تأثير موجة الجفاف حالت دون توفر المغرب على العدد الكافي من الاغنام، الشيء الذي دفع الحكومة إلى استيراد الأغنام من دول أجنبية. هذا الاستيراد الذي قيل فيه ويقال الشيء الكثير، لكن رغم علته فالحكومة لحد الآن لم تستطع استيراد الكافي من الأغنام، خصوصا وأن العيد على الأبواب، ولم تبق إلا أياما معدودة. ومما زاد في الطين بلة هو تصريحات المسؤولين الحكوميين المتناقضة، فهناك من صرح في البداية بأن المغرب يتوفر على الكافي من الأغنام، لكنه ثبت مؤخرا على أنه غير كاف، ليخرج آخر بتصريح يعلن فيه للشعب المغربي بأنهم سيقومون باستيراد الأغنام من بعض الدول بهدف بقاء أسعار الأضاحي مستقرة، ليخبرونا مهنيو القطاع أن المغرب سيقوم باستيراد مليون رأس من الأغنام بسبب النقص في القطيع. في الوقت الذي يخرج فيه رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك بتصريح يقول فيه أن متطلبات المغرب من رؤوس الأغنام مابين 5 و6 ملايين رأس، ولدينا منها 4 ملايين فقط. الحقيقة إنها كارثة عظمى، في الوقت الذي يعتبر فيه المغرب بلدا فلاحيا بالدرجة الأولى، حيث كان ينتج الحبوب، وكانت الماشية متوفرة بكثرة. إلا أن مايسمى بالمغرب الأخضر (الأسود) قد أتى على الأخضر واليابس، حيث اهتم بالفواكه المصدرة، وأهمل الزراعة المعاشية وتربية المواشي والتي كانت تغطي الأسواق المحلية، وها نحن أصبحنا نستورد الحبوب والمواشي، وهذا مايؤكد فشل المخطط الأخضر في تحقيق الامن الغذائي، حيث ركز على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية ، وتشجيعه لزراعات مستنزفة للمياه، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه، ويعيش عدد من القرى على وقع أزمة عطش. ونظرا لهذه الظروف الغير مواتية، ارتفعت أصوات عدة مطالبة بإلغاء عيد الاضحى، واكتسح هاشتاغ ” إلغاء عيد الأضحى ” شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب لإلغاء هذا الطقس الديني بعد الارتفاع الصاروخي في الأسعار، وعدم قدرة أغلبية الأسر المغربية على شراء أضحية العيد، خصوصا والمغرب يعيش موجة غلاء لا مثيل لها، وقد تفوق الأزمات التي مرت بالمغرب وألغى فيها هذه الشعيرة الدينية أي عيد الأضحى. وقد تم ذلك في ثلاث مناسبات بقرارات ملكية، أجازت عدم نحر أضحية العيد، أولها كان عام 1963 حين عرف المغرب أزمة اقتصادية بعد اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر على خلفية مشاكل مرتبطة بالحدود. ثم في سنة 1981 حين شهدت البلاد أزمة جفاف حادة، دفعت من جديد العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني باعتباره أمير المؤمنين إلى إعلان ألغاء عيد الأضحى. وفي1996 تم إلغاؤه كذلك بسبب موجات الجفاف الشديد، والتي أعلنت الحكومة أنها سنة كارثة وطنية. فلماذا لم يتم إلغاؤه هذه السنة ؟ والمغرب يعيش بالإضافة الى الجفاف غلاء فاحشا وارتفاعا مهولا في الأسعار. وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر قرارا يفرج كربة الأغلبية الساحقة من المغاربة، وخصوصا الفئات الهشة، يفاجئنا رئيس الحكومة بقرار صادم لجل المغاربة، مفاده أن الحكومة لن تلغي عيد الأضحى، بل ستعمل على ضبط الأسعار لتبقى في متناول المواطنين. فهل هذا ضحك على الذقون أم استهزاء بالمغاربة ؟.


كيف ستكون الأسعار في متناول المواطنين، وثمن الكيلوغرام من اللحم في السوق وصل إلى 100 درهم، وثمن خروف الأضحية في السوق تجاوز 50 درهما للكيلوغرام .؟ إن المغاربة قد اعتادوا وتعودوا على كذب الحكومة، مثل ما وقع سابقا مع الابقار، حيث وعدت الحكومة أنها ستقوم باستيراد الأبقار من أجل حل أزمة اللحوم بالمغرب، لكن رغم استيرادها لتلك الأبقار (الجاموس) ورغم علتها، لم تشهد أثمنة اللحوم أي تخفيض. وهذا ماجعل المغاربة يتخوفون من إعادة نفس السيناريو مع الأغنام كذلك، وإن كان الأمر يختلف، لأن المواطن يمكن أن يستغني عن اللحم لكن لايمكنه أن يستغني عن ذبيحة العيد، وهذا ما يجعل أغلبية الأسر المغربية تعاني من ضغوطات وتوترات نفسية كبيرة، ويعيشون في صراع إحجام إقدام، إحجام عن شراء الأضحية، لكن الواقع الاجتماعي لا يسمح بذلك خصوصا بالنسبة للأسر التي لها أطفال ومدى تأثير ذلك على نفسيتهم، وحرمانهم من فرحة العيد والتي لا تكتمل إلا بالأضحية حسب الموروث الشعبي. أو إقدام على شراء الأضحية لكن الإمكانيات المادية غير متوفرة ، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار بعض الأسر ، وخلق خصامات بين الأزواج ، قد تؤدي إلى الطلاق كما تكثر حوادث العنف والسرقة و……. وهذا ما يؤكد لنا أن عيد الأضحى قد تحول من سنة دينية إلى طقس اجتماعي شبه إلزامي. لكن كما يقال : ” مصائب قومة عند قوم فوائد ” فالمستفيد من كل مايحدث هم التجار الكبار والسماسرة والمضاربين، الذين يستغلون الفرص لمص دماء الشعب بدون رحمة ولا شفقة، خصوصا ونعن نعيش في عصر النيوليبرالية والتي تطورت عن الرأسمالية، هذه الأخيرة تغلغلت في العالم اليوم، وأطلقت العنان لطمع الإنسان وشجعه، وأعطت الضوء الأخضر للأفراد لتكديس ما يستطيعون تكديسه من ثروات، مما زاد في إفقار الشعب، وعدم الاكتراث بهمومه وأحزانه.