مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -20- و -21-



– 20 –
مرآة لإصلاح الحال.(89).
أكادير في 23 دجنبر 2022
إن مفهوم الإصلاح، عندما يغدو مسكونا بالميل إلى المبارزة والصدام، وتتسرب إليه الرغبة في إظهار شأن الذات على حساب الأغيار، حتى مِن غير شعور، بذلك، ينفع فيه الإدراك بالاستبطان؛ لا يلبث أن يوقع، بين الفاعلين، فقدانَ التناغم والانسجام، اللذين يرتبطان بدوام تحيين واستحضار الهدف المشترك العام، فتنبت بينهم بذورُ التضارب إلى درجة التعاكس والتنازع والميل إلى التشظي والانفصال، وقد تتجلى هذه الظاهرة في مظاهرَ هي ضروب وأشكال، تتدرج في التمدد والاستفحال، مثل داء السرطان، إلى مستوى أصغر خلية، حتى لا يكاد يسلم منه، في الجسم، مكان.

ذلك أن ألفاظ اللغة، بدون فقه للاصلاح يساعدنا على التبصر والإبصار، قد توفر لعاطفة الأنا، في سياق السباق مع الأغيار، لباسا يشع بالاحترام، لكنه قد يحجب عنا واقع ضعفنا وحقيقة حاجتنا، في أي إصلاح نُقدِم عليه، إلى التواضع والتفاهم والتعايش والتضامن مع الأغيار، ويدفعنا إلى أن نتوقّع من أنفسنا وقوع ما ليس له إمكان الوقوع إلا في عالم الأوهام.

ولا شك أنّ عِلْمَ الإصلاح، إن تحقق له الاستقلال، سيقتطع له من مجال عِلم التاريخ مساحةً يبني عليها مختبره العام، لتمحيص النظريات والأفكار، كي يبث في صلاحية الفرضيات، بالاختبار، حيث أُُقدِّر أن ينطلق في المنهج، عكسا، من النتيجة إلى المنطلق أو المقدمات، عبر المسار، فيقرر نسبة علميتها، بمقدار ما ينتظم تأكيدها عند التكرار. وانظر، في هذا، كمثال، إلى ما انتهى إليه أمر الخوارج في صدر الإسلام، حيث وجدوا في لفظة “الحُكم”، بعبارة “لا حكم إلا لله”، للانتقال من مجرد مستوى تَخْطيءِ اجتهادٍ سياسي إلى مستوى يجازف بسلامة الاعتقاد. وذلك بتكفير سواد أهل الإيمان، واستحلال دماءٍ جعَلها الله من أعظم الحرام.

– 21 –
مرآة لإصلاح الحال.(90).
أكادير في 24 دجنبر 2022
وانظر- في إطار ما قد تنصبه اللغة واللسان، مِن مصائد وحبال، للأيقاع بمفهوم الإصلاح في التلبس بمعانٍ تحيل على المقاطعة والصدام، في مثال ثانٍ- إلى ما انتهى إليه الحال، لدى أشقائنا الأفغان، من خلال استعمال لفظة “الجهاد” في اللسان، وتكييفها مع وضع مشحون بعاطفة إسلامية محكومة بمجرد ردود الأفعال، بعيدا عن التبصر فيما يمكن أن يكون في اتخاذ أي قرار من عاقبة أو مآل، وكيف تم تسخيرها، في أخبث استغلال، لإسقاط دولة السوفيات من طرف الأمريكان، واتهام وشيطنة الأمة، وإلصاق تهمة الإرهاب، بدين الإسلام، بعد أن عَلَّقت على “مسمى الجهاد” هناك، كلَّ الآمال، في إصلاح الحال، ودعمته بالمال والرجال.
إن الجهاد، هو ذروة سنام الإسلام، لكنه، في أساسه، هو من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله العدل الديان. ولا يصح منه إلا إذا تجرد فيه من جميع أهواء النفس وردود الأفعال، وكان فيه إخلاص النية وتحرير القصد لإعلاء كلمة الله، وما يتجسد فيه ذلك، مِن دفعٍ للعدوان على الديار، في التزام تام بما يقتضيه الميزان، ومِن فتحٍ لقلوب الأنام، وتفتيح للبصائر والأبصار، على نور الإيمان.
ذ. ابراهيم أعبيدي


ثم إن ذلك الشكل من الجهاد، آل إلى ما آل إليه من تقتيل وخراب ودمار، ومِن تشظي وتناحر، بين “المجاهدين” أنفسهم، واقتتال، وما تلا ذلك من حماقات الاستبشار بمجيء حركة طالبان، وبمصادرتها لحريات الأفراد، ومحاولة فرضها بالقوة للالتزام، في سلوك الأفراد، بمظاهر الإسلام. في اعتماد منطق ليس له من مآل، غير إفساح المجال لتطرف يقابله، في التفسخ والانحلال. وفي مقابله ظل يتمدد تطرُّف يتناسل أمثال حركة بوكو حرام، وما آل إليه الحال من تعاطٍ لجرائم الإرهاب، تحت شعار إصلاح الحال، وباسم نصرة الإسلام.
“بوكو حرام”.. الإخوان ينشرون الخراب في نيجيريا – كيو بوست (qposts.com)


نعم، إن الجهاد، هو ذروة سنام الإسلام، لكنه، في أساسه، هو من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله العدل الديان. ولا يصح منه إلا إذا تجرد فيه من جميع أهواء النفس وردود الأفعال، وكان فيه إخلاص النية وتحرير القصد لإعلاء كلمة الله، وما يتجسد فيه ذلك، مِن دفعٍ للعدوان على الديار، في التزام تام بما يقتضيه الميزان، ومِن فتحٍ لقلوب الأنام، وتفتيح للبصائر والأبصار، على نور الإيمان. فهو موجه إلى النفس من حيث هو مجاهدة وتضحية واختبار، قبل أن يكون موجها للأغيار، إضافة إلى ما يلزمها فيه من إعداد بالتفوق في القوة على مستوى كل ميدان، لتكون في مستوى مكانة وأمانة الشهادة على الناس، من خلال السمو بها في معراج المعاملة برحمة وأخلاق الإسلام، والقيام على إحقاق العدل في العالمين وحفظ السلام، بلا علو في الأرض ولا فساد ولا استكبار.
ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق
مقالات الكاتب السابقة :
مذ ابراهيم أعبيدي حول طبيعة الإصلاح -19- dr-achbani.com
مع ذ ابراهيم أعبيدي طبيعة الإصلاح -17- و -18- Dr-achbani.com
-براهيم أعبيدي-حول طبيعة الإصلاح -15-16 dr-achbani.com
مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح 13 و14- dr-achbani