حرب الأيام الاثني عشر: الخسائر المشتركة وفشل إسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق أهداف الحرب ضد إيران

د. الحسن اشباني مدير البحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي المغرب و خبير في تشخيص ومكافحة الامراض البكتيرية و الفطرية و صحفي مهني علمي
الملخص (بالعربية):
شهدت منطقة الشرق الأوسط في يونيو 2025 واحدة من أكثر الحروب كثافة بين إسرائيل ومحور إيران، استمرت 12 يومًا، وكشفت عن حجم التوترات والانكشافات العسكرية والاستراتيجية للطرفين، بدعم أميركي مباشر وغير مباشر.
رغم الأهداف الإسرائيلية المعلنة والمتمثلة في تحييد القدرات الإيرانية ووكلائها، واستعادة الردع، فإن المعركة انتهت دون تحقيق نصر حاسم، وسط خسائر بشرية واقتصادية كبيرة للطرفين، ودعم أميركي مالي وسياسي مباشر غير مسبوق.
بلغ عدد القتلى في إيران أكثر من ألف، فيما سقط عشرات القتلى المدنيين في إسرائيل، وتكبّد الطرفان مليارات الدولارات في الخسائر العسكرية والاقتصادية. أما الولايات المتحدة، ورغم عدم دخولها المباشر، فقد أنفقت مئات الملايين على الإمدادات العسكرية، وواجهت انتقادات داخلية وخارجية.
الحرب طرحت أسئلة قانونية حادة حول شرعية الضربات الاستباقية، وانتهاك سيادة دول من طرف اسرائيل وامريكا، وتجاهل القانون الدولي الإنساني، في ظل غطاء دبلوماسي أميركي حال دون صدور أي إدانة دولية.
ومع فشل تحقيق الأهداف الإسرائيلية، والامريكية وصمود إيران ووكلائها، باتت الحرب علامة فارقة على تراجع فعالية الردع التقليدي وصعود أنماط جديدة من المواجهات، تعيد تشكيل قواعد الاشتباك الإقليمي.
Summary (in English)
In June 2025, the Middle East witnessed one of the most intense wars in recent history—a 12-day conflict between Israel and the Iran-led axis, marked by direct and indirect American support.
Despite Israel’s declared objectives—neutralizing Iran’s capabilities, dismantling its proxy networks, and restoring deterrence—the war ended without a decisive victory. Both sides endured severe human and economic losses, while the U.S. provided unprecedented military and political backing.
Iran recorded over 1,000 deaths, including civilians and military leaders, while Israel suffered dozens of civilian casualties and widespread psychological trauma. The economic toll for both nations reached billions, and the U.S., though not directly engaged, spent hundreds of millions in military support and faced domestic and global criticism.
The war has sparked intense legal debate over the legitimacy of preemptive strikes and the repeated breaches of national sovereignty by both Israel and the United States. It has also highlighted how international humanitarian law is being increasingly ignored — all while American diplomatic backing has shielded these actions from any meaningful international condemnation.
Ultimately, the failure to achieve strategic objectives and the resilience of Iran and its allies revealed the limits of traditional deterrence. This conflict marks a turning point in the region, signaling the emergence of a new, more complex model of warfare that is reshaping the rules of engagement.
————————————————
سجل في هذا العرض جملة من الانتهاكات الصارخة التي مارستها إسرائيل بحق سيادة دول عربية وإسلامية خلال العقود الأخيرة، دون أن تواجه أي محاسبة قانونية أو سياسية تُذكر. والسبب في ذلك واضحٌ لكل ذي بصيرة: فحارس القانون الدولي نفسه، هو من يحجب العدالة ويُعطّل أدوات الردع، حتى غدا العالم في مفارقةٍ مُرّةٍ يتلخّص وصفها في القول الشعبي البليغ: “حاميها حراميها”.
1. المقدمة
منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخلت العلاقات بين طهران وتل أبيب نفقًا من العداء الإستراتيجي العميق، تجاوز البعد الديني أو الأيديولوجي، ليتحوّل إلى صراع جيوسياسي طويل الأمد. فإيران ما بعد الثورة تبنّت خطابًا رافضًا لوجود إسرائيل، داعمةً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، في مقابل مساعٍ إسرائيلية مستمرة لتحجيم النفوذ الإيراني إقليميًا، لاسيما في سوريا ولبنان وغزة.
طوال العقود الماضية، اتخذ هذا الصراع أشكالًا غير مباشرة، أبرزها الاغتيالات، والهجمات السيبرانية، وعمليات القصف الجوي في العمق السوري، فضلًا عن صراع استخباراتي واسع النطاق. ومع تقدم المشروع النووي الإيراني، تصاعدت المخاوف الإسرائيلية، وبدأت تل أبيب تضغط سياسيًا وعسكريًا لإيقاف هذا التقدم، بدعم من واشنطن.
وقد ظلت الحرب الشاملة بين الطرفين خيارًا مستبعدًا لسنوات، بسبب حسابات الردع المتبادل، وتعقيد التوازنات الدولية. غير أن تحوّلات كبرى شهدتها المنطقة والعالم، خصوصًا بعد حرب غزة في أكتوبر 2023، وتصاعد التوترات في الخليج، وتغيّر الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، مهدت الطريق لانفجار المواجهة المباشرة الاخيرة التي سنتحدث عنها لاحقا بعد التذكير ايجازا لأهم المحطات التي مهّدت لهذه الحرب المباشرة، مع التركيز على الأحداث المفصلية التي ساهمت في تراكم التوترات حتى لحظة الانفجار في يونيو 2025:
جدول زمني لأهم محطات التصعيد الإسرائيلي -الايراني
| السنة / التاريخ | الحدث | التوضيح |
|---|---|---|
| نوفمبر 2020 | اغتيال محسن فخري زاده | اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين بالقرب من طهران، في عملية نُسبت للموساد الإسرائيلي. مثّل ضربة قاسية للبرنامج النووي الإيراني وتصعيدًا خطيرًا في الحرب الاستخباراتية. |
| أبريل 2021 | هجوم نطنز | هجوم سيبراني تسبب في تعطيل منشأة نطنز النووية، إحدى الركائز الأساسية للمشروع النووي الإيراني، واتُهمت إسرائيل بتنفيذه. |
| مايو 2021 | معركة سيف القدس | مواجهة عسكرية بين فصائل المقاومة في غزة وإسرائيل، عززت من مكانة “محور المقاومة” في السردية الإقليمية، وأظهرت ضعف القبة الحديدية أمام الصواريخ الكثيفة. |
| 2022–2023 | تصاعد الضربات الإسرائيلية في سوريا | إسرائيل تكثف غاراتها على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في الأراضي السورية، في إطار ما سمّته “معركة بين الحروب”. |
| أكتوبر 2023 | حرب غزة الكبرى (الطوفان) | هجوم مباغت شنّته حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر، أدى إلى ردّ إسرائيلي شامل. تخلله دخول حزب الله على خط التوتر دون تصعيد واسع. دعمت إيران إعلامياً ولوجستياً. |
| أواخر 2024 | تسريبات عن قرب امتلاك إيران قدرة نووية عسكرية | تقارير استخباراتية غربية تفيد بأن إيران أصبحت على بعد أسابيع من صنع سلاح نووي. زادت الضغوط الأميركية والإسرائيلية. |
| يناير 2025 | انسحاب تدريجي للقوات الأميركية من بعض قواعد الخليج | اعتبرته طهران مؤشراً على تراجع الانخراط الأميركي، مما شجعها على اتخاذ خطوات أكثر جرأة إقليميًا. |
| مايو 2025 | قصف إيراني لمنشآت استخباراتية إسرائيلية في أربيل | تم بصواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، كرسالة ردع. وردّت إسرائيل بتهديدات مباشرة. |
| 12 يونيو 2025 | بداية الحرب المباشرة | شنت إسرائيل هجمات خاطفة على مواقع نووية وصاروخية إيرانية، وردّت طهران بسلسلة ضربات دقيقة، لتبدأ الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً. |
في يونيو من عام 2025، اندلعت مواجهة عسكرية غير مسبوقة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية، استمرّت اثني عشر يوماً، واعتُبرت أول حرب مباشرة ومعلنة بين الطرفين منذ عقود من الصراع غير المعلن. وقد جاءت هذه الحرب لتضع حداً مؤقتاً لحالة “الحروب بالوكالة” التي سادت المنطقة لسنوات، حيث لم تشارك الأذرع الإقليمية لإيران – مثل حزب الله في لبنان أو أنصار الله في اليمن – في هذه الجولة، خلافًا لما كان عليه الحال خلال حرب غزة في أكتوبر 2023. لقد كانت مواجهة ثنائية واضحة، خاضتها إسرائيل بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، وبتأييدٍ سياسي من أغلب القوى الغربية، تحت ذريعة “تحجيم الخطر الإيراني” و”منع الطموحات النووية” لطهران.
وبالرغم من قصر مدّتها، فقد اتسمت هذه الحرب بكثافة نارية عالية وتكنولوجيا عسكرية متطورة، شملت هجمات بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، وعمليات سيبرانية، وضربات استباقية استهدفت مواقع حساسة داخل العمق الإيراني. وقد طالت آثارها أيضاً البنى التحتية الحيوية، والمنشآت النووية، ومراكز القيادة والسيطرة، ما جعلها تمثّل نقلة نوعية في شكل المواجهة بين القوتين.
وعلى الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الظاهري، كشفت المواجهة حدود “الردع الإسرائيلي”، وأظهرت قدرة إيران على امتصاص الضربة وتوجيه ردود انتقائية أحرجت إسرائيل وحليفتها واشنطن، التي وجدت نفسها متورطة في تفاصيل العمليات العسكرية، سواء عبر الإمدادات أو الاستخبارات أو الغطاء الدبلوماسي.
أعلنت إسرائيل أهدافاً استراتيجية كبرى: إنهاك قدرات إيران العسكرية، كبح تقدمها النووي، وتوجيه رسالة حاسمة إلى خصومها في المنطقة. لكن بعد اثني عشر يوماً من القتال، بدا أن النتائج لم تكن متناسبة مع الطموحات، إذ واجهت تل أبيب خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتداعيات قانونية وسياسية بسبب استهداف أراضٍ سيادية، ووقعت في مأزق عدم تحقيق الأهداف كاملة، بل وتعميق حالة الاستنزاف الإقليمي.
في هذا المقال، نستعرض أبرز الخسائر المعلنة وغير المعلنة التي تكبدتها إسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة، كما نقارب السياق القانوني الدولي للحرب، ونحلل آثارها الاستراتيجية على معادلات القوة والردع في الشرق الأوسط، في ضوء عدم تحقق الأهداف الإسرائيلية المعلنة، والتغير المتسارع في توازنات القوى العالمية.
2. الخسائر البشرية
إسرائيل تكبّدت ما بين 28 و29 قتيلًا، معظمهم من المدنيين جرّاء الهجمات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب جندي واحد، في حين تم نقل أكثر من 3,200 شخص إلى المستشفيات، بعضهم نتيجة القصف، وآخرون بسبب نوبات هلع وإصابات طفيفة إلى متوسطة (Times of Israel). أما إيران، فقد بلغت خسائرها البشرية ما بين 935 و1,060 قتيلًا، وفق تصريحات رسمية، بعدما كانت وزارة الصحة قد قدّرت عدد القتلى بداية بـ610. وتشمل هذه الحصيلة أطفالًا ونساء، إلى جانب قادة كبار في الحرس الثوري وخبراء نوويين، في إطار ما يُعتقد أنه استراتيجية “قطع الرأس” التي استهدفت بنية القيادة العسكرية (Reuters). في المقابل، لم تُسجل الولايات المتحدة أي خسائر بشرية، رغم استهداف قواعدها في قطر، إذ كانت القوات الأميركية على علم مسبق بالهجمات واتخذت التدابير اللازمة لتفادي الإصابات (Axios).
الجدول التقديري للخسائر حسب الدولة
| الدولة | عدد القتلى | عدد الجرحى | ملاحظات |
|---|---|---|---|
| إسرائيل | حوالي 28–29 (غالبيتهم مدنيون) | أكثر من 3,238 إصابة | بينهم جندي واحد، وحالة وفاة إثر نوبة قلبية خلال الهجمات الجوية (Reuters, Times of Israel, Wikipedia) |
| إيران | 935 إلى 1,060 (مدنيون وعسكريون) | نحو 4,700 إلى 4,800+ | من بينهم 38 طفلًا، و132 امرأة، وعدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين |
| الولايات المتحدة | 0 | 0 | لم تُسجل أي إصابات أو وفيات في صفوف القوات الأمريكية (حتى في قاعدة قطر) |
تكشف هذه البيانات تفاوتًا لافتًا في حجم الخسائر البشرية بين الأطراف. فبينما فشلت إسرائيل في تجنّب سقوط قتلى مدنيين رغم امتلاكها لأنظمة دفاع جوي متطورة، كانت الخسائر الإيرانية أوسع نطاقًا وتشمل المدنيين والقيادات، مما يشير إلى تركيز الهجمات الإسرائيلية على المراكز الحساسة للأمن العسكري والعلمي. أما الولايات المتحدة، فقد لعبت دورًا داعمًا دون أن تنخرط ميدانيًا في القتال بشكل يعرّض جنودها للخطر المباشر.
3. الخسائر المادية والعسكرية
اسرائيل
1. الخسائر الاقتصادية المباشرة
- 12 مليار دولار خسائر مباشرة خلال 12 يومًا من القتال، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية وتقارير اقتصادية The Times of India+11The New Arab+11Al Jazeera+11Anadolu Ajansı+8PressTV+8The New Arab+8:
- 22 مليار شيكل (~6.5 مليار دولار) مبانٍ وبنية تحتية Al Jazeera.
- تعويضات للشركات والعمال والمنازل تقدر بحوالى 5 مليار شيكل (~1.5 مليار دولار) The New Arab.
- أضرار أخرى تقدر بـ 5 مليار شيكل (~1.5 مليار دولار) على مرافق حيوية مثل مصفاة حيفا والمعاهد البحثية Al Jazeera+1The New Arab+1.

2. تكلفة العمليات العسكرية وأنظمة الدفاع
- النفقات المباشرة للعمليات العسكرية:
- نحو 725 مليون دولار يوميًا (استخدام الصواريخ، الطائرات، تعبئة الاحتياط…) AP News+5FFWD.com.cy+5The Economic Times+5.
- نفقات الطائرات:
- يُضاف إلى ذلك تكلفة تشغيل أنظمة مثل الدفاع الجوي:
- 285 مليون دولار يوميًا فقط لاعتراض الصواريخ اقتصاد الشرق.
- تكلفة صاروخ واحد من منظومات Arrow قد تصل إلى 3–4 ملايين دولار .
- كساعات طيران: F‑35 حوالي 10 000 دولار/ساعة، F‑16 نحو 14.2 مليون في المهمات اليومية.

3. خسائر بشرية وإثر اجتماعي
- 28–29 قتيل إسرائيلي، وأكثر من 1 300 جريح، منهم نحو 345 إصابة لأطفال Wikipédia.
- نزوح نحو 100 000 شخص وتقديم آلاف طلبات تعويض وإقامة بديلة .
- إغلاق تام للمدارس والشركات وإيقاف مطار بن غوريون وتأثر قطاع النقل والدومين الاقتصادي Al Jazeera+1Al Jazeera+1.

ايران
1. خسائر الصادرات والنفط
- انهيار الصادرات النفطية إلى 94% خلال الحرب، بتكلفة تقارب 1.4 مليار دولار نتيجة تراجع الشحن من ميناء خارك وتوقف إنتاج الغاز بعد استهداف حقول حيوية .
- توقف صادرات الغاز من حقل «ساوث بارس» – الأكبر عالميًا – إثر غارات إسرائيلية .
2. تكلفة الصواريخ والدفاع

- أطلقت 591 صاروخًا باليستيًا من قبل الحرس الثوري بنفقات تتراوح بين 250 ألف إلى 8 ملايين دولار للصاروخ الواحد، ما يوازي 1.5–4.7 مليار دولار الكلفة الإجمالية للرصاص IranWire.
- أما الدفاع الجوي، فرغم اعتراض معظم الصواريخ، إلا أن تشغيل الأنظمة الثقيلة كلف مليارات إضافية.

3. أضرار البنى التحتية
- استهدف القصف الإسرائيلي منشآت مدنية وعسكرية في 21 محافظة، منها مطارات ومواقع نووية، بخسائر فادحة قد تصل إلى عشرات مليارات الدولارات لإعادة البناء .
- تعرض 400,000 مبنى مدني لأضرار، بلغت تكلفتها نحو 46 مليون دولار فقط للأضرار المباشرة Anadolu Ajansı.
4. الخسائر البشرية والاجتماعية
- ارتفع عدد القتلى بين 1,060 إلى 1,190 شخصًا، مع نحو 4,475 جريحًا، يشمل مدنيين وأفراد أمن AP News.
- آثار الحرب خلفت أكثر من 100,000 نازح إضافة لتأثر الخدمات الأساسية وانقطاع التيار وركود اقتصادي كبير en.wikipedia.org.
الولايات المتحدة (المشاركة الغير المباشرة)
1. تكلفة أنظمة الدفاع الجوية (THAAD)

- نشرت واشنطن بطارية THAAD في إسرائيل لاستخدامها لحماية الحلفاء.
- تم إطلاق ما يُقدَّر بـ 60–80 صاروخ THAAD، أي نحو 15–20% من ترسانة النظام، بتكلفة تتراوح بين 810 مليون إلى 1.215 مليار دولار Congrès des États-Unis+5The Guardian+5Reuters+5NDTV+1Wikipédia+1.
- هذا الإنفاق الضخم ضمّن أيضًا إعادة تعبئة المخزون لاحقًا.

2. تعزيز منظومات Patriot والدفاع الجوي
- أنظمة Patriot قُدّمت لإسرائيل، وتحللتها أبرز التقديرات ضمن التجميد المؤقت للشحنات لأوكرانيا.
- شملت الحزمة أكثر من 30 صاروخ Patriot و8,500 قذيفة عيار 155 مم و250 صاروخ GMLRS بالإضافة إلى 142 صاروخ HellfireNew York Post+2Reuters+2Reuters+2.
- هذه الأنظمة تحتاج إلى إعادة تعبئة من خزائن الولايات المتحدة، مما خلق ضغطًا على سلسلة التوريد والدفاع.

3. أثر ذلك على دعم أوكرانيا
أوقفت الولايات المتحدة مؤقتًا شحنات الأسلحة المخصصة لأوكرانيا، والتي شملت صواريخ Patriot الاعتراضية، وقذائف 155 ملم، وصواريخ GMLRS الموجهة، إضافة إلى صواريخ Hellfire. وجاء هذا التوقف نتيجة نفاد جزئي في المخزون الأميركي، ووجود تنافس حاد على الموارد العسكرية بسبب تعدد الجبهات التي تتطلب إمدادات عاجلة، خصوصًا بعد الحرب بين إسرائيل وإيران. وفي أعقاب هذه الأزمة، تدخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شخصيًا للضغط باتجاه استئناف الشحنات إلى أوكرانيا، وهو ما تحقق جزئيًا. غير أن هذا الحدث كشف بوضوح ضعف الجاهزية الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة، والحاجة الملحة إلى رفع وتيرة الإنتاج الدفاعي لتلبية الالتزامات المتزايدة على أكثر من صعيد دولي.
4. الضغط على المكدسات الدفاعية العالمية
- وفقًا لقائد قوات الأدميرال Sam Paparo (القائد الأعلى للقوات الأميركية في منطقة Indo-Pacific، وهي المنطقة التي تشمل الصين وكوريا واليابان وبحر الصين الجنوبي، وتُعتبر الآن أهم جبهة استراتيجية لأمريكا). في تصريحاته أمام الكونغرس والصحف العسكرية الأميركية (مثل Military Times وDefense News)، أوضح ما يلي:
⚠️ “الحرب في أوكرانيا، وكذلك الحرب بين إيران وإسرائيل، تستهلك بشكل متزايد مخزون الأسلحة والذخائر الأميركية، مثل الصواريخ الدفاعية (Patriot, THAAD) والذخائر المدفعية (155mm shells) والصواريخ الموجهة (GMLRS وJavelin وغيرها).”
⚠️ “هذا الاستهلاك يؤثر سلبًا على جاهزية الولايات المتحدة للرد على تهديدات محتملة في مناطق أخرى، خصوصًا في المحيطين الهندي والهادئ (Indo-Pacific)، حيث تتصاعد المخاطر المرتبطة بتوسع الصين العسكري وتوترات تايوان.” Congrès des États-Unis+3euronews.com+3euronews.com+3apnews.com+11militarytimes.com+11economictimes.indiatimes.com+11timesunion.com+2Defense News+2militarytimes.com+2. - الحرب كشفت عن “فجوة ليبمان” (Lippmann gap) (فجوة ليبمان” مستوحاة من المفكر السياسي الأميركي Walter Lippmann، وقد أصبحت مصطلحًا يستخدمه القادة العسكريون لوصف هذه الظاهرة أي الفجوة بين التزامات الدولة الدولية (العسكرية والسياسية) وبين قدراتها الفعلية (الصناعية، اللوجستية، العسكرية) على تلبية هذه الالتزامات في وقت واحد).حيث تجاوز الالتزامات الدفاعية للولايات المتحدة طاقتها الصناعية واللوجستية . في الحالة الأميركية الراهنة، تجد الولايات المتحدة نفسها منخرطة ميدانيًا في ثلاث ساحات ساخنة متزامنة: دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتأمين الدعم الدفاعي لإسرائيل في مواجهتها مع إيران وأذرعها الإقليمية، إلى جانب المحافظة على جاهزية استراتيجية لردع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. غير أن هذا التعدد في الالتزامات العسكرية يفوق قدرة الولايات المتحدة الصناعية واللوجستية على المواكبة، إذ إن المصانع الأميركية لا تنتج ما يكفي من الذخائر والصواريخ لتعويض الكميات الكبيرة التي تُستهلك يوميًا في هذه الجبهات. ونتيجة لذلك، بات المخزون الدفاعي الأميركي مهددًا بالاستنزاف، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الجاهزية التكتيكية، خصوصًا في حال اندلاع مواجهة محتملة مع الصين.
أمثلة على هذه الفجوة:
| البند | الوضع الحالي |
|---|---|
| إنتاج قذائف 155 ملم | غير كافٍ لتغطية أوكرانيا + إسرائيل + تدريب قوات الحلفاء |
| منظومات THAAD وPatriot | أكثر من 20% منها استُخدم في حرب إسرائيل الأخيرة |
| الوقت اللازم لإعادة تعبئة المخزون | قد يتطلب سنتين إلى ثلاث سنوات حسب التقديرات |
| إنتاج الأسلحة الدقيقة (GMLRS, Hellfire…) | غير قادر على دعم ثلاث جبهات فاعلة |
امريكا (الهجوم المباشر)
الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية: قراءة قانونية واستراتيجية مزدوجة
في سياق تصعيد خطير شهده الشرق الأوسط خلال يونيو 2025، أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ ضربة عسكرية جوية استهدفت ثلاث منشآت نووية داخل إيران، ضمن ما سُمّي بـ”عملية المطرقة الليلية”. وتوزعت الأهداف على منشأة فوردو (Fordow) المدفونة تحت جبل، ومنشأة نطنز (Natanz) الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، ومركز تحويل اليورانيوم في أصفهان. استخدمت القوات الأميركية قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU‑57 تُلقَى من طائرات B‑2، إضافة إلى صواريخ توماهوك من غواصات في الخليج.

وبينما رُوّج للضربة على أنها ناجحة و”حاسمة” في القضاء على القدرات النووية الإيرانية، فإن تقييمات عديدة، قانونية واستخباراتية، تُظهر أنها لم تحقق الأهداف المرجوة بشكل كامل، وأثارت تساؤلات خطيرة حول مشروعيتها القانونية.
1. متى وأين؟ : نفّذت الولايات المتحدة غارات على ثلاثة مواقع نووية إيرانية في 21–22 يونيو 2025، ضمن عملية “Midnight Hammer” The Sun+7Wikipédia+7The Iran Primer+7. وكانت الأهداف كانت:
2. المعدات والأسلحة المستعملة : 14 قنبلة GBU‑57 “Massive Ordnance Penetrator” (قنابر نفذية ضخمة، 13.6 طن)، أُطلقت من سبع طائرات B‑2 Spirit، وأكثر من 24 صاروخ Tomahawk أُطلقت من غواصات أميركية قريبة، وشملت العملية ما يقرب من 125 طائرة ومواعيد تنفيذ دقيقة لتفادي الاكتشاف والتدخل الجوي الإيراني .
3. الأضرار الفعلية حسب امريكا :
Natanz: تدمير ~70% من القاعة الرئيسية وتحطيم نحو 5,000 طرد مركّز. Fordow: فُتح لها فوهات ارتطام متعددة، لكن المنشآت الأساسية تحت الأرض لم تُخترق بالكامل. Isfahan: دمرت منشآت تحويل اليورانيوم والمعامل، وانهيار أنفاقٍ تؤدي للمنشآت السفلية. تشير تقديرات وكالات مثل الـIAEA إلى “أضرار هائلة”، رغم تحذيرات من احتمالات تسرب إشعاعي محتملة

4. التكاليف المالية والاقتصادية حسب امريكا :
- تكلفة القنابل والطائرات:
- كل قنبلة GBU‑57 تُكلف نحو 0.5–1 مليون دولار؛ المجموع الإجمالي يُقدر بـ 7–14 مليون دولار فقط لأسلحة نفذ الهجوم.
- تشغيل طائرات B‑2 وتكاليف تشغيلية تُضاف لتصل إلى 100–200 مليون دولار إجمالاً.
- تكاليف إعادة البناء:
- يتطلب ترميم المرافق النووية المتضررة بذخائر متخصصة وملايين عناصر فنية مما قد يصل إلى عشرات مليارات الدولارات .
- تأثير على الاقتصاد الإيراني:
- إبطاء البرنامج النووي لمدة 1–2 سنة يشل استثمارات ثم يعود الكلفة الإضافية عند توظيف القوى الفنية والصناعية .

5. الرأي المقابل: فاعلية محدودة وهجوم غير قانوني
الضربة لم تحقق أهدافها بالكامل وفق تقديرات وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA)، الهجوم حد فقط من القدرات النووية الإيرانية لعدة أشهر، ولم يُدمّر البرنامج بالكامل، فقد اشارت وكالة الطاقة الذرية (IAEA) إلى أن “أضرار هائلة” وُجدت، لكن إيران ما تزال تحتفظ بإمكانات لتجديد النشاط النووي بمجرد استئناف التفتيش. في حين أن تقارير استخباراتية إسرائيلية اعترفت بأن بعض مخازن اليورانيوم المخصّب ظلّت سليمة، وأن إيران ربما نقلت كميات مسبقًا . خلاصة القول فبالرغم من الدعاية الأمريكية–الإسرائيلية بأن الهجوم قضى على البرنامج النووي، فإن تقييمًا أكثر حيادية يرى أنه أرخى تأجيلًا محدودًا وربما أعطى إيران الوقت لتدارك الأضرار.
6. التقييم القانوني: ضربة أحادية أم دفاع شرعي؟
القانون الدولي، وفقًا للمادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة، يُحرّم استخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة. ولا يُستثنى من ذلك سوى حالتي الدفاع عن النفس ضد هجوم وشيك، أو صدور تفويض أممي عبر مجلس الأمن.في هذه الحالة: لم يكن هناك دليل على هجوم إيراني وشيك، ولم يتم الحصول على تفويض من مجلس الأمن، ولم يصدر الكونغرس الأميركي موافقة صريحة، ما يُخالف قانون صلاحيات الحرب الأميركي (War Powers Resolution). وقد وصف خبراء في القانون الدولي من جامعة هارفارد ومؤسسات مثل Chatham House وCFR الضربة بأنها “سابقة خطيرة تهدد شرعية النظام القانوني الدولي”.

الجدول التحليلي للمواقف:
| البند | الرأي الرسمي الأميركي/الإسرائيلي | الرأي المعارض والمتوازن |
|---|---|---|
| الهدف العسكري | دمر البرنامج النووي بالكامل → “محو” التهديد | تأخير محدود (شهور)، قدرات مخفية لم تُفقد بالكامل |
| المدى الزمني | تحييد دائم وإضعاف إستراتيجي | استعادة سريعة (شهور) للبرنامج |
| تكلفة الهجوم | منخفضة نسبيًا (مئات الملايين) | بعيدة عن التكلفة مقابل نتائج الحقيقية |
| القانون الدولي | دعم ضمن التزامات الدفاع عن إسرائيل | هجوم أحادي، ناقص للتفويض القضائي والقانوني |
| الآثار الإستراتيجية | إعلان قوة أميركية وتهديد رادع | إضعاف دور الرقابة الدولية وتعزيز نزعة الانعزال |
ردود فعل إيران ودول أخرى:
- إيران: وصفت الهجوم بأنه “عدوان غير مسبوق” وانتهاك للسيادة الوطنية، وطالبت بجلسة عاجلة في مجلس الأمن. كما أعلنت استئناف التخصيب بنسبة 94% كخطوة احتجاجية.
- روسيا والصين: دانتا الهجوم بشدة، واعتبرتاه خروجًا خطيرًا عن الأعراف الدولية. حذّرتا من تهديد الاستقرار الإقليمي وتداعيات على الاتفاقيات النووية.
- الاتحاد الأوروبي: رغم تحفظه على البرنامج النووي الإيراني، عبّر عن قلقه من تصعيد غير منسّق خارج إطار القانون الدولي.
- منظمات أممية: أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قلقها من احتمال تعطل آليات التفتيش وتقويض التعاون مع إيران.
الجدول التقديري للخسائر العسكرية :
| الدولة / الطرف | المعدات المستهدفة أو المستعملة | القواعد / المواقع المتضررة | التكلفة التقريبية والتقدير الإجمالي |
|---|---|---|---|
| 🇮🇱 إسرائيل | إسقاط عدة طائرات مسيرة (Hermes 450/900)، تعطيل طائرات استطلاع، استهلاك كبير في الذخائر الجوية (F‑35, F‑16) | استهداف مباشر لمجمع وزارة الدفاع، مصفاة حيفا، منشآت لوجستية وأحياء سكنية في تل أبيب وأشدود | * تضرر بنية تحتية بـ 1.5–2 مليار دولار * تكاليف الدفاع الجوي (Iron Dome, David’s Sling, Arrow) تجاوزت 3.5–4 مليار دولار * إجمالي خسائر عسكرية + مدنية تقارب 6–7 مليار دولار |
| 🇮🇷 إيران | تدمير 8 مروحيات AH‑1، طائرتي F‑14A، طائرة دعم KC‑707، 2 درونات شاهد على الأرض، خسائر في منظومات “باور 373” الدفاعية | قواعد مهرآباد، كرمنشاه، أصفهان، نطنز، منشآت نووية، مركز تطوير صواريخ بكرج، ميناء بندر عباس | * تدمير واسع للمنشآت العسكرية والنووية * تكلفة إعادة الإعمار والتسليح تتجاوز 12–15 مليار دولار * خسائر في الذخائر الباليستية تُقدَّر بـ 1.5–4.7 مليار دولار |
| 🇺🇸 الولايات المتحدة | استهلاك كبير لمنظومات THAAD، Patriot، وصواريخ دفاعية متقدمة؛ دون تضرر مباشر لمعدات ميدانية | نشاط مكثف من قواعد في قطر، الأردن، العراق، البحرين، والبحر الأحمر (المدمرات البحرية)؛ قاعدة العديد تحديدًا كانت هدفًا دون وقوع خسائر | * استهلاك نحو 20% من مخزون THAAD (تكلفة تُقدَّر بـ 800 مليون – 1.2 مليار دولار) * كلفة دعم لوجستي وتشغيلي عبر الشرق الأوسط تُقارب 1.5 مليار دولار * إجمالي تقريبي للخسائر اللوجستية والدفاعية: 2.3 – 3 مليار دولار * تكلفة القنابل والطائرات في الحرب المباشرة: المجموع الإجمالي يُقدر بـ 7–14 مليون دولار فقط لأسلحة نفذ الهجوم (قنابل GBU‑57). تشغيل طائرات B‑2 وتكاليف تشغيلية أخرى تُضاف لتصل إلى 100–200 مليون دولار إجمالاً |
4. المنظور القانوني الدولي لأفعال اسرائيل
هل انتهكت إسرائيل القانون الدولي؟ : وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وتحديدًا المادة (2) الفقرة 4، “يمتنع جميع أعضاء الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.” وبناءً عليه، فإن استهداف إسرائيل لأراضٍ داخل إيران، وسوريا، والعراق، دون تفويض من مجلس الأمن أو وقوع عدوان مباشر من تلك الأراضي، يمثل خرقًا صريحًا لهذا المبدأ.
تأطير قانوني للهجوم الإسرائيلي : تمت الهجمات الإسرائيلية على منشآت نووية وعسكرية في إيران بصورة استباقية وليست ردًا مباشرًا على عدوان، مما يُضعف شرعيتها القانونية. علاوة على ذلك، لا توجد قرارات صادرة عن مجلس الأمن تبرر هذا الاستخدام للقوة ضد دولة ذات سيادة. كما أن استهداف المدنيين والبنى التحتية الحيوية (مطارات مدنية، محطات كهرباء) يندرج ضمن انتهاكات محتملة للقانون الدولي الإنساني.
هل يحق لإيران الرد قانونيًا؟ : جاء الرد الإيراني في سياق الدفاع عن النفس، بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتيح للدول الدفاع عن نفسها في حال وقوع عدوان. دور مجلس الأمن والمجتمع الدولي : كشفت الحرب ثغرات عميقة في فعالية النظام القانوني الدولي، حيث غابت المساءلة، وغلبت الحسابات السياسية.فخلال فترة النزاع، فشلت جلسات مجلس الأمن في إصدار بيان إدانة أو وقف إطلاق النار، نتيجة الفيتو الأمريكي، مما أثار انتقادات من دول مثل الصين وروسيا، وأطراف في حركة دول عدم الانحياز. من جهة أخرى طالبت عدة منظمات حقوقية (مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية) بفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات المحتملة ضد المدنيين، إلا أن الاستجابة الدولية بقيت خجولة وضعيفة.
تمثل التحركات الإسرائيلية في العقود الأخيرة سلسلة من الانتهاكات الممنهجة لسيادة الدول، متجاوزة بذلك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ورغم تعدد المسوغات الأمنية التي تروج لها إسرائيل، إلا أن الطابع غير القانوني لتلك العمليات يظل واضحًا، خاصة في ظل غياب أي تفويض دولي أو تهديد وشيك يبررها. إن استمرار هذا السلوك في ظل صمت دولي وانتقائية في تطبيق القانون، لا يهدد فقط استقرار الشرق الأوسط، بل يُضعف من شرعية النظام القانوني الدولي ككل، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العدالة في العلاقات الدولية.
5. الانتهاكات الإسرائيلية لسيادة الدول: قراءة قانونية في تحركات العقود الأخيرة
منذ تأسيسها عام 1948، وخصوصًا في العقود الأخيرة، تنتهج إسرائيل سياسة خارجية تعتمد على استخدام القوة خارج حدودها، تحت مبررات أمنية أو استباقية. إلا أن هذه التحركات – في معظمها – تُعد خرقًا مباشرًا للقانون الدولي، لا سيما لمبدأ احترام سيادة الدول، ومبدأ عدم استعمال القوة المنصوص عليه في المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة. هذا المقال يرصد أبرز هذه الانتهاكات، ويحللها ضمن الإطار القانوني الدولي، مع تسليط الضوء على الصمت الدولي الانتقائي الذي غالبًا ما يرافقها، مقارنة بردود أفعال صارمة في حالات أخرى كغزو العراق للكويت.
أولًا: الإطار القانوني الدولي المنظّم للعلاقات بين الدول
ينص ميثاق الأمم المتحدة، في مادته الثانية الفقرة الرابعة، على حظر “التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة”. ويُعتبر هذا المبدأ من القواعد الآمرة (Jus Cogens) في القانون الدولي، أي قواعد قانونية دولية عليا لا يجوز انتهاكها أو الاتفاق على مخالفتها بين الدول، حتى بموجب معاهدات. وتشمل القواعد الآمرة أيضًا تحريم التعذيب، والعبودية، والإبادة الجماعية، وحق الشعوب في تقرير المصير.
ثانيًا: سجلّ التحركات الإسرائيلية المنتهِكة للسيادة
سجل في هذا العرض جملة من الانتهاكات الصارخة التي مارستها إسرائيل بحق سيادة دول عربية وإسلامية خلال العقود الأخيرة، دون أن تواجه أي محاسبة قانونية أو سياسية تُذكر. والسبب في ذلك واضحٌ لكل ذي بصيرة: فحارس القانون الدولي نفسه، هو من يحجب العدالة ويُعطّل أدوات الردع، حتى غدا العالم في مفارقةٍ مُرّةٍ يتلخّص وصفها في القول الشعبي البليغ: “حاميها حراميها”.
1. الهجوم على إيران (2024 – 2025): العدوان الأخير
في أبريل 2024، شنّت إسرائيل غارات جوية وصاروخية على منشآت إيرانية داخل أراضي الجمهورية الإسلامية، بزعم الرد على هجوم سابق. هذا السلوك يُعد انتهاكًا صريحًا لسيادة إيران، إذ لم يصدر أي تفويض من مجلس الأمن، كما لم تكن هناك حالة “دفاع عن النفس الفوري” كما يشترطها القانون الدولي. وقد أدانت العديد من الدول هذا التصعيد، محذرة من تداعياته على استقرار الإقليم.
2. الغارات الجوية المتكررة على سوريا (منذ 2012)
نفّذت إسرائيل مئات الغارات داخل الأراضي السورية خلال العقد الأخير، تحت ذريعة استهداف قواعد إيرانية أو أذرع لحزب الله. هذه العمليات، التي تتم بدون موافقة الدولة السورية أو تفويض دولي، تُعد خرقًا سافرًا لمبدأ السيادة، ومثالًا واضحًا على سياسة الضربات الوقائية التي يرفضها القانون الدولي إلا في أضيق الحدود.
3. اغتيال المبحوح في دبي (2010): الاستخفاف بالسيادة والهوية
قامت وحدة “الموساد” الإسرائيلي باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح داخل فندق في دبي، مستخدمة جوازات سفر مزورة لدول أوروبية. هذا العمل مثّل ليس فقط خرقًا لسيادة دولة الإمارات، بل أيضًا تهديدًا للنظام العالمي في ما يخص وثائق السفر وحصانة الأفراد داخل الدول ذات السيادة.
4. العدوان على لبنان (2006) والاغتيالات المتكررة
شنّت إسرائيل حربًا واسعة على لبنان عام 2006، كما نفّذت اغتيالات متعددة داخل أراضيه ضد شخصيات تعتبرها “أهدافًا معادية”. كل هذه العمليات تمّت دون غطاء أممي، في خرق واضح للمادتين (2/4) و(51) من ميثاق الأمم المتحدة، اللتين تنظمان استعمال القوة والدفاع الشرعي.
5. تدمير المفاعل النووي العراقي (1981): ضربة استباقية مدانة دوليًا
في عملية عُرفت باسم “عملية أوبرا”، دمّرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي في “تموز” عبر غارة جوية مفاجئة. وقد أدان مجلس الأمن هذا الهجوم بالإجماع في القرار رقم 487 لسنة 1981، مؤكدًا على ضرورة احترام السيادة العراقية، ومطالبًا إسرائيل بعدم تكرار مثل هذه الأعمال.
6. الاغتيالات داخل إيران (2010–2020): التصعيد السري
اغتالت إسرائيل عددًا من العلماء النوويين الإيرانيين، من أبرزهم العالم فخري زاده. وقد تم تنفيذ هذه العمليات داخل الأراضي الإيرانية دون أي إعلان حرب أو تفويض قانوني. هذه الأعمال تشكّل انتهاكًا مباشرًا للسيادة، وتهديدًا للاستقرار الداخلي في بلد لم يكن في حالة حرب مباشرة مع إسرائيل.
7. التحركات السرية في السودان، تونس، اليمن
- في السودان، شنّت إسرائيل غارات جوية على قوافل يُشتبه في أنها تهرّب سلاحًا إلى غزة (2009 و2012).
- في تونس، اغتالت المهندس محمد الزواري في مدينة صفاقس عام 2016.
- في اليمن، تنفذ إسرائيل عمليات رصد وتجسس بطائرات مسيّرة في مناطق نفوذ جماعات موالية لإيران.
كل هذه العمليات تمت خارج أي إطار قانوني، وبدون موافقة الحكومات المعنية.
ثالثًا: الردع في القانون الدولي… ولماذا لا يُردَع المعتدي دائمًا؟
آليات الردع القانونية المتاحة
- مجلس الأمن الدولي: الجهة المخولة قانونًا باتخاذ إجراءات ضد الدولة المعتدية عبر قرارات ملزمة أو التفويض باستخدام القوة.
- المحاكم الدولية: كـمحكمة العدل الدولية والمحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
- العقوبات الجماعية والفردية: دبلوماسية، اقتصادية، أو عبر تحالفات إقليمية.
المثال النموذجي: غزو العراق للكويت
عندما غزا العراقُ الكويتَ عام 1990:
- أصدر مجلس الأمن قرارات متتالية (أهمها القرار 678) طالب فيها العراق بالانسحاب الفوري.
- شكّل المجتمع الدولي تحالفًا عسكريًا بقيادة أمريكا، شنّ حربًا أعادت الكويت بالقوة في يناير 1991.
- تم تطبيق القانون الدولي تحت الفصل السابع، كردّ حاسم على خرق سيادة دولة.
فلماذا لا تُطبق نفس الآلية على إسرائيل؟
- الفيتو الأمريكي: الولايات المتحدة تمنع غالبًا صدور أي قرار ملزم ضد إسرائيل.
- ازدواجية المعايير: انتقائية واضحة في تطبيق القانون الدولي.
- ضعف الدول المستهدفة سياسيًا: مثل سوريا أو لبنان أو السودان.
- استخدام ذريعة “الحق في الدفاع” بشكل فضفاض: دون رقابة قانونية حقيقية.
——————————————————
المراجع :
المراجع القانونية والأممية
- United Nations. (1945). Charter of the United Nations. Articles 2(4) and 51. https://www.un.org/en/about-us/un-charter
- United Nations Security Council. (1981). Resolution 487.
- United Nations Security Council. (1990). Resolution 678.
- United Nations. (n.d.). UN Security Council Resolutions Archive. https://www.un.org/securitycouncil/
🔹 المراجع الأكاديمية
- Dinstein, Y. (2020). The Conduct of Hostilities under the Law of International Armed Conflict (3rd ed.). Oxford University Press.
- Shaw, M. N. (2021). International Law (9th ed.). Cambridge University Press.
🔹 المراجع الصحفية والاقتصادية
- Reuters. (2025, June 27). Israel killed 30 Iranian security chiefs and 11 nuclear scientists, Israeli official says. https://www.reuters.com
- Reuters. (2025, July). Israelis hope for potential economic ‘peace dividend’ after war with Iran. https://www.reuters.com
- AP News. (2025, July). Iran’s government says at least 1,060 people were killed in the war with Israel. https://apnews.com
- AP News. (2025). A battered Iran faces an uncertain future after its grinding war with Israel. https://apnews.com
- Al Jazeera Investigations. (2025). War Costs and Strategic Fallout. https://www.aljazeera.com
- The Guardian. (2025, July). US THAAD stock depleted in support of Israel. https://www.theguardian.com
- The Times of India. (2025, July). ‘$12 billion a month’: The cost of Israel’s daily strikes and defence against Iran. https://timesofindia.indiatimes.com
- Financial Times. (2025, July). Military briefing: Israel and Iran size up war damage. https://www.ft.com
- The Intercept. (2025). US-Israel intelligence cooperation during war escalation. https://theintercept.com
- IranWire. (2025, July). Iran missile strikes cost billions of dollars in 12-day war. https://iranwire.com
- Euronews. (2025). US Indo-Pacific readiness threatened by Middle East war. https://euronews.com
- Military Times. (2025). Pentagon says Ukraine weapons shipments paused amid Israel support. https://militarytimes.com
- Defense News. (2025). US arms stockpiles strained by multi-front conflicts. https://defensenews.com
الاضافات :
- Time – تقرير: How Bombing Iran May Have Made Nuclear Diplomacy Much Harderreuters.com+7time.com+7politico.com+7cfr.org.
- Politico – تحليل: Trump’s boldest claims on Iran are tough to prove politico.com.
- Council on Foreign Relations (CFR) – دراسة: Does Trump Have the Authority to Strike Iran? cfr.org.
د. الحسن اشباني مدير البحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي المغرب و خبير في تشخيص ومكافحة الامراض البكتيرية و الفطرية و صحفي مهني علمي
المقالات ذات الصلة :
https://dr-achbani.com/لأستاذ-وضاح-خنفر-التغيرات-والتحولات-ف
https://dr-achbani.com/مع-الاستاذ-وضاح-خنفر-الحرب-على-غزة-أحدث





