إسرائيل في مرمى العزلة: هل يتحوّل المشهد إلى انتحار أخلاقي لا سابق له؟


د. الحسـن اشباني
مقدمة مدير الموقع :
في زمنٍ تصاعدت فيه الأزمات وتكاثرت فيه التحديات على الأمة الإسلامية، وبينما يتابع العالم بحسرة وألم مشاهد الدم والدمار التي تحصد أرواح الأبرياء في غزة والضفة الغربية، كانت الأبصار شاخصة نحو مواقف النخب العربية والإسلامية التي لا تكاد تخرج عن التنديد المعتاد والدعوات المتكررة للمجتمع الدولي، وكأن دماء الفلسطينيين باتت خبرًا عابرًا على شاشات الأخبار. لكن الملفت هذه المرة، وربما لأول مرة منذ عقود، هو أن الصوت الآخر، ذاك الصوت الصادر من قلب الدولة العبرية، بدأ يعلو ليكشف الحقائق المرة ويعري زيف الروايات الرسمية. لقد بدا لافتًا في هذه الحرب الأخيرة، التي استمرت 600 يوم من الجحيم، أن أصواتًا إسرائيلية وازنة، من عسكريين بارزين إلى دبلوماسيين كبار، خرجت عن صمت طويل لترفع الصوت عاليًا، وتقول بلا مواربة إن ما يجري في غزة ليس إلا إبادة جماعية مكتملة الأركان. أصواتٌ كشفت الوجه القبيح للاحتلال، وفضحت الجرائم التي ترتكب بدم بارد بحق المدنيين العزّل، وأكدت أن قتل الأطفال وتجويعهم لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، ولا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة أخلاقية وإنسانية.
إن أهمية هذه الأصوات تنبع من كونها صادرة عن شخصيات عرفت بولائها لدولة الاحتلال، شخصيات خدمت مؤسساتها العسكرية والدبلوماسية لعقود، لكنها اليوم تجد نفسها في موقف حرج أمام ضميرها الإنساني. لقد رفض هؤلاء أن يكونوا شهود زور على حرب بلا أخلاق، حربٍ لا تفرّق بين حجر وبشر، بين مدني ومقاتل.
وفي هذا الحوار الاستثنائي الذي جمع نخبة من هؤلاء، نجد أنفسنا أمام شهادة من الداخل، تعيد صياغة الأسئلة الكبرى حول حقيقة ما يجري، وتفتح نافذة جديدة لفهم حجم الفاجعة، ليس من موقع الخصم أو العدو، بل من موقع الشاهد الذي لم يعد يحتمل الصمت. هذه الأصوات اليوم هي مرآة للضمير الإنساني، وهي التي تمنح هذا المقال قيمته الكبرى؛ لأنه ينقلنا من دائرة التنديد المعتادة إلى مساحة “الصدق الصارخ” الذي يفرض علينا جميعًا أن نعيد النظر في مواقفنا وخياراتنا تجاه ما يجري. هل تأخروا في الرد؟.. نعم، هل تعمدوا؟.. الكثير منهم، نعم. د. الحسن اشباني
=====================================
ملخص الحوار
يتناول الحوار المطول الذي أجرته قناة “سي سي سوار” بتاريخ 26 مايو 2025، حالة العزلة الدولية المتزايدة التي تواجهها إسرائيل في ضوء الحرب المستمرة في غزة، وما يرافقها من تداعيات إنسانية وأخلاقية وسياسية. افتُتحت الحلقة بتصريحات ليايير جولان، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، الذي أعرب عن صدمته من احتفال بعض المسؤولين الإسرائيليين بالمجاعة وموت الأطفال، محذرًا من أن إسرائيل تسير نحو عزلة شبيهة بما واجهته جنوب إفريقيا في زمن الفصل العنصري.
توالت مداخلات الضيوف لتعكس انقسامًا عميقًا داخل إسرائيل نفسها: إيلي بارنافي، المؤرخ والدبلوماسي الإسرائيلي السابق، عبّر عن إحساسه بالخزي كونه مواطنًا لدولة تحكمها حكومة متطرفة، معتبرًا أن إسرائيل اليوم غارقة في الفاشية والأصولية، مطالبًا المجتمع الدولي بالتفرقة بين الشعب والحكومة، وبالضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغيير سياساتها.
في المقابل، شدد جان بول شانيولو على مسؤولية أوروبا الأخلاقية تجاه ما يجري، داعيًا إلى الانتقال من الكلام إلى الأفعال عبر مواقف سياسية ضاغطة. أما جيرار بنسوسان فأشار إلى ضرورة التوازن في الضغط حتى لا يقوّى المتطرفون، وحذر من الخلط بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية.
ورأت ألكسندرا شوارزبروت أن المجتمع المدني الإسرائيلي قوي لكنه ضعيف في ظل أجواء الحرب، مشددة على أهمية دعم الأصوات المعارضة. وأكدت رينا بيسيس أن الإسرائيليين منقسمون داخليًا وأن ثقتهم بأوروبا ضعيفة، بينما حثّ الضيوف عمومًا على تمييز السياسات الحكومية عن الشعب الإسرائيلي. خلص النقاش إلى أن استمرار الحرب يهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة أخلاقيًا وسياسيًا إذا لم يتم تغيير المسار السياسي والعسكري فورًا.
الكلمات الافتتاحية : عزلة، أخلاق، حرب، وانهيار، “اسرائيل”، Isolation, morality, war, and collapse: Israel
==========================================

مقدم البرنامج : مساء الخير جميعًا، مرحبًا بكم في حلقة الليلة من برنامج “هذا المساء”، يائير جولان، أحد رموز اليسار الإسرائيلي، ونائب رئيس الأركان السابق، يُعدّ في إسرائيل أحد أبطال 7 أكتوبر. قال: «نحن بلد لا ينبغي أن يقتل الأطفال. وعندما أرى بعض الوزراء الإسرائيليين يهلّلون للمجاعة وموت الأطفال، علينا أن نقول لهم: لا». «مهمتنا أن نضمن أن يظل هذا البلد عادلاً أخلاقيًا، وأن لا يكون قتل الأطفال هواية أو سياسة». وأضاف: «خلاصة الأمر بالنسبة لي: إسرائيل في طريقها، وأقتبس هنا، لأن تصبح دولة منبوذة كما كانت جنوب أفريقيا في زمن الفصل العنصري».
نحن بلد لا ينبغي أن يقتل الأطفال. وعندما أرى بعض الوزراء الإسرائيليين يهلّلون للمجاعة وموت الأطفال، علينا أن نقول لهم: لا. يائير جولان، أحد رموز اليسار الإسرائيلي، ونائب رئيس الأركان السابق

تصريحٌ صادمٌ أشعل الجدل السياسي في إسرائيل، في وقتٍ أعلنت فيه عدة دول أوروبية تأييدها لفرض عقوباتٍ على الدولة العبرية، بينما شهدت الأيام الأخيرة مجازر جديدة في غزة أودت بحياة عددٍ كبيرٍ من الأطفال.
سنناقش الليلة: هل نشهد، كما يقول البعض، انتحارًا أخلاقيًا لإسرائيل؟ هل يدفع حكومة نتنياهو الدولة العبرية نحو عزلة غير مسبوقة منذ إنشائها؟».
نحن نعيش في فقاعة من الرعب، وهو أمر لا يُحتمل لمواطن مثلي. كثيرون يغادرون البلاد. خسرنا ما بين 60 و80 ألف إسرائيلي، رحلوا لأنهم لم يعودوا قادرين على التحمّل. وهم ليسوا إسرائيليين عاديين، بل من النخبة، شباب، وأصحاب كفاءات، يحملون اقتصاد هذا البلد على أكتافهم، وقد قرروا أن يكفيهم ما يحدث. إيلي بارنافي
من بين الأصوات الإسرائيلية البارزة التي ترتفع لتدين ما يحدث في غزة، صوتك، إيلي بارنافي. مساء الخير وأهلًا بك، أنت مؤرخ ودبلوماسي إسرائيلي، وسفير سابق لإسرائيل في فرنسا. لقد كتبت نصًا لموقع بلجيكي اسمه “Regard”، نصًا لم يُنشر بعدُ في بلجيكا لكنك شاركته معنا. تسأل فيه: ما هي الحرب العادلة؟

وتستخدم كلمات قاسية؛ إذ تقول إن حربًا كانت في البداية عادلة، تحوّلت بسرعة، على حد قولك، إلى مجزرة بلا معنى. كما تحدّثت عن شعورك بالقرف من رؤية إسرائيل، وأقتبس هنا: “تغرق في الهمجية”. سنتحدث عن ذلك، وشكرًا لك على قبول الدعوة للمشاركة في النقاش الليلة.
لم أعش فترة كهذه من قبل، سواء كمواطن أو كأستاذ جامعي: وضع مأساوي بهذا الحجم مع هذا القدر من اللامبالاة من السياسيين والصحفيين. هذه الحلقة الليلة استثناء، لأنه منذ فترة قليلة فقط بدأنا نهتم أكثر، لكني لم أتخيل أن يكون هناك تطهير عرقي معلن، مع تدمير مجتمع بأكمله، وبقاء حوالي مليونين من الناس في حالة تشرد. جان بول شانيولو

معنا أيضًا جان بول شانيولو، مساء الخير وأهلًا بك. أستاذٌ فخريٌّ في العلوم السياسية، رئيس معهد الأبحاث والدراسات المتوسطية والشرق أوسطية، ومتخصص في القضية الفلسطينية.
على الرغم من تغير لهجة بعض الدول الأوروبية في الأيام الأخيرة، لا تزال أنتَ تدين تخاذلنا أمام حكومة نتنياهو. وعندما نتحدث عن العقوبات، تطالب، على ما أعتقد، بأن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال.
الدول الغربية، وربما أيضاً الدول العربية، بدأت تدرك أننا لم نعد أمام مجرد رد فعل على هجوم السابع من أكتوبر، بل أمام رغبة واضحة في تدمير غزة وجعلها غير صالحة للعيش. ألكسندرا شوارزبروت.
ومعنا أيضًا ألكسندرا شوارزبروت، مساء الخير وأهلًا بكِ. صحفية وروائية، نائبة رئيس تحرير صحيفة ليبراسيون، ومراسلة سابقة في المنطقة، ومؤلفة لعدة روايات تناولت المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني.

صحيفة ليبراسيون تنشر الليلة عريضة موقعة من 300 كاتب، بينهم حائزون على جائزة غونكور ونوبل. العريضة معنونة: “لم نعد نستطيع الاكتفاء بكلمة رعب، اليوم يجب تسمية ما يحدث بالإبادة الجماعية”، في غزة. سنتطرق لذلك أيضًا في هذه الحلقة.
هناك الكثير من الإسرائيليين يعتقدون أنه لا يمكن إطلاق سراح الرهائن ولا حل مشكلة غزة دون اتفاق، وهذا الاتفاق لن يأتي ما دامت هذه الحرب مستمرة. نتنياهو يعتقد أنه يجب الضغط عسكرياً على حماس كي تقبل بالاتفاق، لكن حتى الآن لم ينجح ذلك. والنتائج واضحة. رينا بيسيس

نرحب أيضًا برينا بيسيس، مساء الخير وأهلًا بكِ. دبلوماسية إسرائيلية سابقة (كنت أعتقد أن اللقب يبقى دائمًا)، اليوم أنتِ صحفية في موقع المونيتور الأمريكي، متخصصة في تغطية قضايا الشرق الأوسط، ومراسلة أيضًا لإذاعة “كان” العامة الإسرائيلية في باريس.
شكرًا لحضورك الليلة لتساعدينا على قياس ما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بات أكثر انقسامًا بسبب هذه الحرب المستمرة منذ 600 يوم.
رأيت الجنود الإسرائيليين وهم يهدمون الجامعات والمؤسسات العلمية. الأمر لم يبدأ بالأمس، بل منذ أشهر. المشهد صادم ويثير الذعر في داخلي كإنسان. لا أستطيع أن أتخيل أن هذا يحدث فعلاً. نحن أمام وضعية تجاوزت كل ما يمكن للعقل أن يتحمله. جيرار بنسوسان
ونرحب كذلك بجيرار بنسوسان، مساء الخير وأهلًا بك. فيلسوف، أستاذ فخري في جامعة ستراسبورغ، ومتخصص كبير في الفكر اليهودي، ومؤلف كتاب “الساديون ذوو القلوب الطيبة” الذي صدر حديثًا، وخصص فيه فصلًا بعنوان:

“كيف نفهم معاناة الفلسطينيين؟”، وهو فصل مهمٌ جدًا في ضوء تاريخ الشعب اليهودي. شكرًا لحضورك الليلة.

وأخيرًا، نرحب بآن صوفي سيبان-بيكاش، مساء الخير. أهلًا بكِ، دكتورة في الجغرافيا السياسية، عملتِ سابقًا في السفارة الفرنسية في إسرائيل وكذلك في الأمم المتحدة.
أنتِ الآن في اللجنة اليهودية الأمريكية في باريس، وهي أكبر منظمة يهودية عالمية. فهل تمثّل هذه العزلة الجيوسياسية لإسرائيل قطيعة تاريخية بالفعل؟ سنحاول الإجابة على هذا السؤال الليلة.
مساء الخير جميعاً، مرحباً بكم في حلقة الليلة من برنامج “هذا المساء”، يائير جولان، أحد رموز اليسار الإسرائيلي ونائب رئيس الأركان السابق، يُعتبر في إسرائيل أحد أبطال 7 أكتوبر، يقول: نحن بلد لا ينبغي له أن يقتل الأطفال، وعندما أرى بعض الوزراء الإسرائيليين يحتفون بالمجاعة وموت الأطفال، يجب أن نقول لهم: لا. مهمّتنا أن نضمن أن يكون هذا البلد عادلاً أخلاقياً، وأن لا يصبح قتل الأطفال تسلية أو سياسة. ويخلص يائير جولان إلى القول بأن إسرائيل بصدد أن تصبح، وأقتبس هنا، دولة منبوذة كما كانت جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري. تصريح صادم أشعل الجدل السياسي في إسرائيل في وقت تتحدّث فيه عدّة دول أوروبية عن دعم فرض عقوبات على الدولة العبرية، بينما عرفت عطلة نهاية الأسبوع والمستجدات الأخيرة مجازر جديدة حصدت أرواح عدد كبير من الأطفال في غزة. نتساءل الليلة: هل نحن بصدد انتحار أخلاقي لإسرائيل؟ وهل تدفع حكومة نتنياهو الدولة العبرية نحو عزلة غير مسبوقة منذ تأسيسها؟ ستمرّ هذا الأسبوع ستمئة يوم على وقوع -مجزرة -7 أكتوبر، وستمئة يوم من الأسر للمحتجزين لدى حماس، وستمئة يوم من الجحيم للفلسطينيين في غزة. فهل يمرّ إنهاء هذا الكابوس عبر عزل إسرائيل دبلوماسياً؟ وهل نشهد لحظة فاصلة في التاريخ؟ هذا المساء، أهلاً بكم

من بين الأصوات الإسرائيلية الكبيرة التي ترتفع للتنديد بما يجري في غزة، صوتك إيلي بارنافي، مساء الخير وأهلاً بك، أنت مؤرّخ ودبلوماسي إسرائيلي وسفير سابق لإسرائيل في فرنسا. لقد كتبت مقالاً لمنصة إعلامية بلجيكية اسمها Regard ، وهو نص لم يُنشر بعد هناك لكنك شاركته معنا، تتساءل فيه عن ماهية الحرب العادلة وتستخدم فيه عبارات قوية جداً، إذ تقول إن حرباً كانت في بدايتها عادلة تحوّلت بسرعة، حسب تعبيرك، إلى مجزرة عبثية. وتحدّثت أيضاً عن شعورك بالاشمئزاز لرؤية إسرائيل، وأقتبس هنا، تغرق في الهمجية. سنتحدّث عن هذا الموضوع، وشكراً جزيلاً لك على قبول الدعوة للنقاش الليلة. معنا أيضاً جان بول شانيولو، مساء الخير وأهلاً بك، أستاذ جامعي فخري في العلوم السياسية ورئيس معهد البحوث والدراسات المتوسطية والشرق أوسطية ومتخصّص في القضية الفلسطينية. رغم تغيّر لهجة بعض الدول الأوروبية في الأيام الأخيرة، لا تزال أنتَ تدين تواطؤنا وتخاذلنا أمام حكومة نتنياهو، وعندما نتحدّث عن العقوبات، أعتقد أنك تطالب بأن ننتقل أخيراً من الأقوال إلى الأفعال. ومعنا كذلك ألكسندرا شوارزبروت، مساء الخير وأهلاً بكِ، صحفية وروائية ونائبة مدير تحرير صحيفة ليبراسيون، ومراسلة سابقة في المنطقة ومؤلفة أيضاً لعدة روايات تتناول المجتمعات الإسرائيلية والفلسطينية. نشرت ليبراسيون الليلة عريضة موقعة من 300 كاتب، بينهم حاصلون على جائزة غونكور ونوبل، بعنوان: “لا يمكننا الاكتفاء بكلمة رعب، اليوم يجب أن نسمي ما يحدث إبادة جماعية” (بين مزدوجين) في غزة. سنتحدث أيضاً عن ذلك خلال هذه الحلقة. ونرحب كذلك برينا بيسيس، مساء الخير وأهلاً بكِ، دبلوماسية إسرائيلية سابقة (كنت أعتقد أن اللقب يبقى دائماً) والآن صحفية في الموقع الأمريكي Al Monitor ومتخصّصة في تغطية شؤون الشرق الأوسط ومراسلة أيضاً لإذاعة “كان” الإسرائيلية العامة في باريس. شكراً لحضورك الليلة لتساعدينا على فهم ما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يزداد انقساماً بسبب هذه الحرب التي استمرت 600 يوم. ونرحب أيضاً بجيرار بنسوسان، مساء الخير وأهلاً بك، فيلسوف وأستاذ جامعي فخري في جامعة ستراسبورغ ومتخصّص كبير في الفكر اليهودي ومؤلّف كتاب “الساديون ذوو القلوب الطيبة” الذي صدر حديثاً، ويتناول في أحد فصوله سؤال: كيف نتعامل مع معاناة الفلسطينيين؟ إنه سؤال عميق بالنظر إلى تاريخ الشعب اليهودي. شكراً مجدداً لحضورك الليلة. وأخيراً نرحب بآن صوفي سيبان-بيكاش، دكتورة في الجغرافيا السياسية، عملتِ سابقاً في السفارة الفرنسية في إسرائيل وكذلك في الأمم المتحدة، وتشغلين حالياً منصباً في اللجنة اليهودية الأمريكية في باريس، وهي أكبر منظمة يهودية في العالم. فهل يشكّل هذا العزل الجيوسياسي لإسرائيل فعلاً قطيعة تاريخية؟ سنحاول الليلة معاً الإجابة على هذا السؤال.

إيلي بارنافي، كما قلت لك في المقدمة، كلماتك قوية جداً، تتحدث عن شعورك بالاشمئزاز، عن رعبك، تقول: “أشعر بالرعب من أن أضطر، أنا اليهودي الصهيوني، إلى الاعتراف بأنني أشعر بالخزي من بلدي”. أتخيل كم هو مؤلم وصعب أن تقول هذا الكلام علناً. فممَّ تشعر بالخزي بالتحديد اليوم؟
إيلي بارنافي: أشعر بالخزي والإهانة كوني مواطناً لدولة يحكمها مثل هذا الحكومة. إنه شعور يصعب عليّ التعبير عنه. لم أكن معتاداً على ذلك، كنت دائماً على خلاف مع بعض الحكومات أو الوزراء، لكن الأمر الآن مختلف تماماً. نحن نتعامل مع أشخاص يجب أن يُزَجّوا في السجون لو كانوا في فرنسا. إنهم مجموعة من المتطرفين العنصريين، والفاشيين، والأصوليين الدينيين، كلهم معاً. طوال العام الماضي، وتحديداً خلال ما يسمونه إصلاح القضاء، قضينا حياتنا في التظاهر ضد هذا الإصلاح، حتى قبل 7 أكتوبر. كانوا يهددوننا بتحويلنا إلى هنغاريا. لكن الوضع الآن أسوأ، مع المتطرفين الدينيين، أصبحنا أقرب إلى إيران من هنغاريا. المسألة إذن ليست فقط فيما يقولونه، بل فيما يفعلونه ويبرّرونه. نحن نعيش في فقاعة من الرعب، وهو أمر لا يُحتمل لمواطن مثلي. كثيرون يغادرون البلاد. خسرنا ما بين 60 و80 ألف إسرائيلي، رحلوا لأنهم لم يعودوا قادرين على التحمّل. وهم ليسوا إسرائيليين عاديين، بل من النخبة، شباب، وأصحاب كفاءات، يحملون اقتصاد هذا البلد على أكتافهم، وقد قرروا أن يكفيهم ما يحدث. هناك نكتة ساخرة عن مضيفة طيران في طائرة العال تسأل: هل هناك طبيب على متن الطائرة؟ فيرفع جميع الركاب أيديهم! إنها مزحة مرة لكنها حقيقية. الناس يصوّتون بأقدامهم.
مقدم البرنامج : هل من الصعب عليك أن تتحدث علناً هكذا؟
إيلي بارنافي: نعم، وبصراحة كتبت ذلك أيضاً، لأنني أعلم أن ما أقوله يمكن أن يستغلّه أعداء إسرائيل، لكنهم لا يحتاجون إليّ، هؤلاء الذين يكرهون إسرائيل يكرهونها. كلامي موجّه لأناس عاديين، لأصدقاء، لأناس لم يكونوا أبداً معادين لإسرائيل، وبالتأكيد ليسوا كذلك الآن. أخاطب هؤلاء لأقول لهم: نحن بحاجة إليكم لمساعدتنا على الخروج من هذا المأزق.
مقدم البرنامج : وماذا تعني بمساعدتنا اليوم؟
إيلي بارنافي: يعني أن يُحمِّلوا حكومة إسرائيل والشعب الإسرائيلي مسؤولياتهم، ويقولوا لهم: هذا ما قد يحصل لكم إذا واصلتم هذا الطريق. الإسرائيليون ليسوا كوريا الشمالية، لا يمكننا العيش وحدنا. أوروبا، وهي شريكنا التجاري والعلمي والسياحي الأول، ليست بعيدة مثل أمريكا. أوروبا قريبة جداً. لو أرادت أوروبا، لكن عليها أولاً أن تكون موجودة فعلاً.
مقدم البرنامج : رينا بيسيس، أنتِ أيضاً مواطنة إسرائيلية، كيف تَسمعين ما يقوله إيلي بارنافي، وما هو شعورك اليوم؟
رينا بيسيس: سأحاول الإجابة على مستويين: أولاً كمواطنة إسرائيلية، ثم حول موضوع أوروبا وفرنسا. كمواطنة، أنا حذرة جداً في كلامي، وأتحدث أكثر كصحفية، لأنني لم أكن في إسرائيل صباح 7 أكتوبر، كنت نائمة هنا، ابني لم يُخطف، أخي وأختي لم يُقتلا، أسرتي لم تُجبر على النزوح، أطفالي لم يخدموا في غزة كجنود، لذا أتحدث بحذر من الخارج. أما في الداخل، فالمجتمع الإسرائيلي منقسم بشدة، وهذا ليس جديداً، فمنذ 8 أكتوبر تشهد إسرائيل مظاهرات ضد سياسات نتنياهو. هناك الكثير من الإسرائيليين يعتقدون أنه لا يمكن إطلاق سراح الرهائن ولا حل مشكلة غزة دون اتفاق، وهذا الاتفاق لن يأتي ما دامت هذه الحرب مستمرة. نتنياهو يعتقد أنه يجب الضغط عسكرياً على حماس كي تقبل بالاتفاق، لكن حتى الآن لم ينجح ذلك. والنتائج واضحة. بالنسبة لفرنسا وأوروبا، أريد أن أقول شيئاً: كنت دبلوماسية منذ سنوات طويلة، وشهدت المرحلة التي تلت اتفاقيات أوسلو، وخلال 30 أو 40 عاماً، كانت أوروبا تحاول لعب دور ما، لكن في إسرائيل لم يصدّق أحد أبداً بحسن نوايا الأوروبيين، باستثناء ربما فترة قصيرة خلال أوسلو. لم يصدق أحد أبداً أن أوروبا أو فرنسا يمكن أن تساهم بشيء إيجابي. أعتقد أن هذه المشاعر باقية حتى اليوم. فالضغط الأوروبي أو الفرنسي على نتنياهو لا يغيّر شيئاً.
مقدم البرنامج : سنعود لمسألة أوروبا وضغوطها بعد قليل، ولكن دعيني أنتقل إلى جان بول شانيولو، لأن الجيوسياسي دومينيك موازي وصف ما يحدث بأنه “انتحار أخلاقي لإسرائيل”. جان بول شانيولو، كيف تفهم هذه العبارة؟ وكيف ترى ما يقوله إيلي بارنافي والآخرون الليلة الذين يشعرون بالقلق على مستقبل إسرائيل؟
جان بول شانيولو: أنا لست إسرائيلياً، لكنني أعرف الكثير من الإسرائيليين وأعرف إيلي بارنافي منذ وقت طويل، وأعلم أن ما يقوله ثقيل جداً عليهم. لكنني أتحدث هنا كأوروبي، ولدينا نحن الأوروبيين نصيب من المسؤولية. لم أعش فترة كهذه من قبل، سواء كمواطن أو كأستاذ جامعي: وضع مأساوي بهذا الحجم مع هذا القدر من اللامبالاة من السياسيين والصحفيين. هذه الحلقة الليلة استثناء، لأنه منذ فترة قليلة فقط بدأنا نهتم أكثر، لكني لم أتخيل أن يكون هناك تطهير عرقي معلن، مع تدمير مجتمع بأكمله، وبقاء حوالي مليونين من الناس في حالة تشرد، وهو ما حدث في مراحل معينة من التاريخ ولم نفهم وقتها كيف كان ذلك ممكناً. الآن أفهم كيف كان ذلك ممكناً، ولماذا يمكن أن يتكرر، وهذا ما يفزعني بشدة: أن أرى هذا القدر من اللامبالاة. علاقتنا بإسرائيل كما هي، وإسرائيل دولة أوروبية بشكل ما، لذلك لم نأخذ مسافة كافية منذ شهور. بدأنا الآن فقط نحاول ذلك، لكن الوضع طارئ، ولا أفهم لماذا لا نتحرك فوراً. عندما أقول فوراً، أقصد أن الأوروبيين ضعفاء جداً أمام ما يحدث، الآن بدأوا يتحركون قليلاً، لكن ببطء شديد وببيروقراطية لا تطاق. نحن أمام شيء، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل ربما مؤشر على انهيار نظام عالمي، حيث تُداس أبسط قواعد القانون الإنساني التي استغرقنا عقوداً في بنائها. وأضيف: نحن في زمن يشهد أزمات في أوكرانيا وأفريقيا، وننسى جوهر العلاقة بين القانون الإنساني والإنسانية نفسها. نحن نعيش إنكاراً تاماً للإنسانية، ولا نرد بالسرعة والقوة اللازمتين اليوم.

جيرار بنسوسان: أود أن أعلّق أولاً على ما قاله المتحدث السابق، فأنا لا أشاطره الرأي ذاته، فنحن لا نعيش في نفس البلد ربما، لكنني لا أعتقد أنه يمكننا الحديث بجدية عن لا مبالاة في فرنسا أو في الدول الأوروبية أو حتى في أمريكا الشمالية تجاه ما يحدث للشعب الفلسطيني في غزة. ربما يجب أن نفرّق بين مواقف الحكومات وما يشعر به الناس منذ ستمئة يوم. بالنسبة لي، هذه اللامبالاة التي أشار إليها، أنا لا أراها، بل على العكس، أرى حساسية مفرطة تدفع الناس للتضامن مع معاناة الفلسطينيين. سأعطي مثالاً صغيراً: أنتم عرضتم قبل قليل مقتطفاً من تصريحات يائير جولان، وهو شخصية عامة إسرائيلية محترمة، لكنه عندما يقول إن الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال للمتعة، فهذا يصدمني؛ لأنه يثير في الأذهان سلسلة من السرديات الثقافية والإيديولوجية حول التركيز المفرط على معاناة الفلسطينيين. نعم، أنا متألم لمعاناة الفلسطينيين، وقد كرّست فصلاً كاملاً من كتابي لهذا الموضوع، لذلك لا أريد أن يُساء فهمي هنا. لكن يجب أن نفكر أيضاً في مسألة معاداة السامية التي لا تزال قائمة بقوة، حتى في الغرب، ولا يمكننا تجاهلها. يجب أن نتذكّر أن هذه الذاكرة الطويلة لمعاداة السامية موجودة، وأن بعض الصور حول علاقة الإسرائيليين بالأطفال الفلسطينيين تعيد إلى الأذهان أسطورة قتل الأطفال لتحضير الفطائر. لقد ناقشت ذلك منذ أكثر من اثني عشر عاماً مع طالب لي في ستراسبورغ، كان يدرس الفلسفة، ولم يكن متطرفاً، لكنه كان مقتنعاً تماماً بأن الجيش الإسرائيلي يضم وحدات خاصة لقتل الأطفال خلال المظاهرات. حاولت مناقشته بهدوء، لكنه ظل متمسكاً بفكرته. أشعر أنني عالق بين مأساة غزة وهذه الخرافات التي تخيفني.
مقدم البرنامج : ألكسندرا شوارزبروت، ما تعليقك على ما قيل الآن، خصوصاً فيما يخص أثر العواطف على طريقة تفكيرنا في هذا الوضع؟
ألكسندرا شوارزبروت: نعم، أعتقد أن ما قيل يفسر لماذا يجد الكثيرون صعوبة في التعبير عن آرائهم. البعض يخاف أن ينزلق في تصريح يتجاوز الخطوط الحمراء مثلما فعل يائير جولان عندما تكلم عن الأطفال. وقد وضح جولان لاحقاً أنه كان يقصد السياسيين وليس الجيش. وأذكّر أيضاً أنه كان نائب رئيس الأركان. أعتقد أننا في لحظة حرجة تتطلب منّا جميعاً مواجهة هذه المأساة دون تردّد. الدول الغربية، وربما أيضاً الدول العربية، بدأت تدرك أننا لم نعد أمام مجرد رد فعل على هجوم السابع من أكتوبر، بل أمام رغبة واضحة في تدمير غزة وجعلها غير صالحة للعيش. اليوم لم يعد هناك شيء: لا ماء، لا أرض قابلة للزراعة. أعتقد أن القادة الأوروبيين بدأوا يدركون أن هذا غير مقبول. حتى المستشار الألماني نفسه، الذي كان من أكبر الداعمين لإسرائيل، قال اليوم: “كفى”، وأكد أن الأمر تجاوز مجرد محاربة حماس. وهذا بحد ذاته مؤشر مهم.
مقدم البرنامج : المستشار الألماني كان من أقوى داعمي إسرائيل، وأيضاً من أكبر مزوديها بالسلاح.
ألكسندرا شوارزبروت: نعم، لذلك ما يقوله الآن يعني أن هناك تحولاً كبيراً يحدث، ويجب أن نغتنم هذه اللحظة، لنجعل أوروبا والدول العربية توحّد جهودها لإيقاف هذا النزيف وإعادة إعمار غزة. هذه فرصة مهمة، لأن الشعوب أيضاً لم تعد تحتمل هذه الصور. أخشى أن يؤدي هذا الوضع إلى أزمة عالمية بسبب ما يحدث في غزة.
مقدم البرنامج : آن صوفي سيبان-بيكاش، هذا يفتح الباب لسؤال آخر: هل يمكن أن تتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة؟
آن صوفي سيبان-بيكاش: لا أعتقد أن هذا سيحدث بهذه السهولة. ما سمعته الليلة يعكس الكثير من العاطفة، وهذا طبيعي لأن الوضع كارثي في غزة. لكن بالنسبة لعزل إسرائيل، فهو يظل نسبياً؛ لأن الدول الأوروبية ما زالت منقسمة. ما يدهشني هو التناقض بين حرارة النقاش هنا وبين البرودة التي ألمسها لدى الدبلوماسيين الأوروبيين والعرب وحتى في إسرائيل نفسها، حيث يناقشون الأمر بعقلانية أكبر.
مقدم البرنامج :هل تجدين هذا النقاش عاطفياً الليلة؟
آن صوفي سيبان-بيكاش: نعم، بالتأكيد. ففي الدوائر الدبلوماسية، تتركز المناقشات على كيفية إدارة هذه الحرب، وعلى الخلافات مع حكومة نتنياهو، وعلى الضغوط الأوروبية لإدخال المساعدات الإنسانية. كل هذا يحدث بوتيرته الخاصة.
مقدم البرنامج : وهل العاطفة لا مكان لها في الدبلوماسية؟
آن صوفي سيبان-بيكاش: هناك أيضاً الرأي العام، وهو يتداخل أحياناً بشكل مفرط مع السياسة، وهذا يثير تساؤلات. هذا العزل الذي نتحدث عنه مرتبط أساساً بما يحدث الآن. علينا أن نفهم أن هذه الحرب طويلة ومعقدة، وأن الإسرائيليين أنفسهم منقسمون. استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن 70% من الإسرائيليين يرفضون حكومة نتنياهو. هناك أسباب كثيرة لذلك: الأزمة القضائية، استمرار الحرب، النقاش حول اليوم التالي. بعض المعارضين يرون حلاً عبر مبادرة عربية مصرية، لكن هذا يثير أيضاً أسئلة استراتيجية حول مصير غزة بعد الحرب.
مقدم البرنامج : إيلي بارنافي، ما رأيك في حديث العاطفة الذي تحدثت عنه آن صوفي سيبان-بيكاش؟
إيلي بارنافي: نحن نتجاوز العاطفة هنا. نحن نتحدث عن مجزرة يجب وقفها فوراً. الحرب في غزة انتهت منذ ثلاثة أشهر، لكننا ما زلنا نشهد إبادة ممنهجة. ليس هناك حرب، بل هجوم أحادي الجانب على سكان عزّل. حماس لم تعد موجودة بنفس المعنى. إذا لم نخلق بديلاً لحماس، فستظل تطل برأسها. المطلوب هو إيجاد بديل، لأن الانتصار الكامل الذي يعد به نتنياهو مستحيل. التاريخ يقول إن لا مقاومة مسلحة هُزمت إلا إذا وُجد بديل لها. ما يريده نتنياهو الآن هو تحويل غزة إلى مستوطنات.
مقدم البرنامج : لكن كيف تعرف نوايا رئيس الوزراء إذا كان يقول عكس ذلك؟
إيلي بارنافي: لدينا تصريحاته، ولدينا أفعاله.
مقدم البرنامج : وإن كانت الحرب ليست حلاً، فما البديل المطروح اليوم؟
إيلي بارنافي: هناك خيارات كثيرة، لكن المشكلة أن الحكومة الحالية لا تريد أي خيار. كانوا يرفضون حتى الحديث عن “اليوم التالي”. لا توجد حرب دون خطة لليوم التالي.
مقدم البرنامج : قد يكون هناك وقف لإطلاق النار في الأيام المقبلة، مع احتمال إطلاق سراح عشرة رهائن مقابل هدنة لسبعين يوماً.
إيلي بارنافي: هذا جيد، لكني أريد أن أؤكد شيئاً مهماً: الرأي العام واعٍ جداً لهذه المأساة. كنت ألقي محاضرات في أنحاء أوروبا، وألمس تعاطفاً كبيراً. لكن حين ألتقي سياسيين أو دبلوماسيين، كنت أجد حتى وقت قريب تردداً غير مفهوم رغم خطورة الوضع. واليوم، كما قلت، لسنا في حرب ذات أهداف سياسية، نحن أمام عملية تدمير. الجيش الإسرائيلي دمّر رفح بشكل كامل، وخان يونس أيضاً، وغزة على الأرجح كذلك. شاهدت صور تدمير الجامعات، وهناك وحدات خاصة لهدم الجامعات. رأيت الجنود الإسرائيليين…
جيرار بنسوسان: رأيت الجنود الإسرائيليين وهم يهدمون الجامعات والمؤسسات العلمية. الأمر لم يبدأ بالأمس، بل منذ أشهر. المشهد صادم ويثير الذعر في داخلي كإنسان. لا أستطيع أن أتخيل أن هذا يحدث فعلاً. نحن أمام وضعية تجاوزت كل ما يمكن للعقل أن يتحمله.
مقدم البرنامج : وأعود إليك يا ألكسندرا شوارزبروت، هل تعتقدين أن ما يحدث اليوم يمثل لحظة فاصلة في العلاقة بين إسرائيل والعالم؟
ألكسندرا شوارزبروت: أعتقد أننا نعيش لحظة تاريخية بالفعل. لم يعد بإمكان أوروبا أن تتجاهل ما يحدث. الصور التي تصلنا صادمة. تدمير المستشفيات والمدارس والبنية التحتية يجعل غزة غير قابلة للحياة. الرأي العام لم يعد يحتمل ذلك. أعتقد أن الضغوط الأوروبية والأمريكية بدأت تتبلور، لكننا نحتاج إلى أن نفعل أكثر. علينا أن نفرّق بين دعم إسرائيل كشعب وبين دعم حكومة متطرفة كهذه.
مقدم البرنامج : وإيلي بارنافي، أختم معك هذا النقاش: إذا كنت تطالب بوقف المجزرة، فما الذي تريده من المجتمع الدولي بالتحديد؟
إيلي بارنافي: أريد أن يوجّه المجتمع الدولي رسالة واضحة: إذا واصلتم في هذا الطريق، فستصبحون دولة منبوذة. ليس لأننا نكرهكم، بل لأنكم تخالفون كل المبادئ الإنسانية والقانونية. أقول للأوروبيين: ساعدونا. مساعدة إسرائيل اليوم لا تعني دعم حكومة نتنياهو. يجب أن نُفرق بين الحكومة والشعب. إذا أردتم فعلاً أن تساعدونا، فعليكم أن تضعوا حداً لهذا الانجراف نحو الفاشية والانعزال. هذا هو الخيار الوحيد المتاح لنا كي لا نسقط في الهاوية.
مقدم البرنامج : رينا بيسيس، هل توافقين على ما قاله إيلي بارنافي بأن المجتمع الدولي يجب أن يتحرك بهذه القوة؟
رينا بيسيس: أعتقد أن الوضع صعب ومعقّد. هناك بالفعل ضغوط دولية على حكومة نتنياهو، لكن هذه الضغوط لم تحقق الكثير حتى الآن. المشكلة في إسرائيل أن هناك أزمة ثقة عميقة بين جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي وبين الأوروبيين. منذ أوسلو، لم يعد الإسرائيليون يثقون في أوروبا، ويعتبرونها منحازة ضدهم. لذلك، أعتقد أن التأثير الأوروبي محدود جداً. هناك أزمة داخلية في إسرائيل، المجتمع نفسه منقسم بشدة. الناس غاضبون ومتعبون. هناك من يرفض الحرب، وهناك من يطالب باستمرارها حتى القضاء على حماس. وهذا الانقسام يجعل الحل السياسي صعباً جداً.
مقدم البرنامج : جان بول شانيولو، هل يمكن لأوروبا أن تلعب دوراً أكبر في حل هذه الأزمة؟
جان بول شانيولو: نعم، ولكن بشرط أن تخرج أوروبا من موقف المتفرّج. يجب أن يكون هناك موقف موحّد وواضح يضغط على حكومة نتنياهو. لا يمكن الاستمرار في إدانة ما يحدث بالكلام فقط. يجب أن تكون هناك إجراءات ملموسة، مثل تعليق بعض الاتفاقيات أو فرض عقوبات. لا أتحدث هنا عن معاقبة الشعب الإسرائيلي، بل عن إرسال رسالة واضحة إلى حكومته بأن هذا النهج غير مقبول. أوروبا لها مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه ما يحدث، وعليها أن تتحمّل هذه المسؤولية.
مقدم البرنامج : جيرار بنسوسان، ما رأيك في فكرة فرض العقوبات على إسرائيل؟
جيرار بنسوسان: أعتقد أن العقوبات وحدها لن تكون كافية، وربما تكون لها آثار عكسية إذا لم ترافقها جهود سياسية ودبلوماسية حقيقية. نحن بحاجة إلى حوار مع كل الأطراف، بما في ذلك أطراف داخل إسرائيل، لدفع نحو تغيير حقيقي. إسرائيل ليست دولة منعزلة بالكامل، لديها مجتمع مدني قوي وصحافة حرة ونقاشات داخلية حادة. علينا أن نعزز هذه الأصوات وأن نتواصل معها. فرض العقوبات وحده قد يقوي المتطرفين. لذلك يجب أن يكون الضغط متوازناً مع دعم للتيارات الديمقراطية داخل إسرائيل.
مقدم البرنامج : ألكسندرا شوارزبروت، هل تعتقدين أن المجتمع المدني الإسرائيلي قادر فعلاً على التأثير في سياسة حكومته الحالية؟
ألكسندرا شوارزبروت: المجتمع المدني في إسرائيل قوي فعلاً، وقد أثبت ذلك في معركته ضد الإصلاح القضائي. هناك مظاهرات حاشدة شارك فيها مئات الآلاف. لكن عندما نتحدث عن الحرب في غزة، الوضع مختلف. الحرب خلقت مناخاً من الخوف والكراهية، وهذا يضعف صوت المعارضة. مع ذلك، لا يزال هناك ناشطون وصحفيون وأكاديميون يرفعون الصوت. يجب أن ندعم هؤلاء بكل الوسائل الممكنة.
مقدم البرنامج : جيرار بنسوسان، في ضوء ما تفضلتم به، كيف تقرأ مستقبل العلاقات بين إسرائيل وأوروبا في ظل كل هذه الأزمات؟
جيرار بنسوسان: أعتقد أن العلاقات الأوروبية الإسرائيلية تمر اليوم بمنعطف حساس جداً. من ناحية، هناك روابط قوية وتاريخية تجعل أوروبا تتردد كثيراً في الضغط بقوة على إسرائيل، لكن من ناحية أخرى، هناك ضغط شعبي متزايد، وصور المآسي التي تصل إلى الرأي العام تجعل من الصعب تجاهل الأمر. أظن أن الحكومات الأوروبية ستكون مضطرة عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة النظر في سياساتها، ربما ليس بالضرورة من خلال القطيعة التامة، ولكن من خلال إعادة التوازن في مواقفها لتكون أكثر وضوحاً في إدانة السياسات الإسرائيلية الحالية في غزة.
مقدم البرنامج : رينا بيسيس، باعتبارك مطّلعة على الشؤون الأوروبية، هل ترين أن هناك فعلاً نية أوروبية حقيقية لإحداث تغيير ملموس؟
رينا بيسيس: بصراحة، لا أرى حتى الآن مؤشرات قوية على رغبة أوروبية في اتخاذ خطوات كبيرة. هناك خطابات وتصريحات، نعم، لكن عندما نصل إلى مرحلة اتخاذ القرارات، تظهر التباينات بين الدول الأوروبية. هناك دول متحمسة للضغط، وهناك دول تخشى على علاقاتها الاستراتيجية والتجارية مع إسرائيل. أعتقد أن الموضوع سيظل محل تجاذب داخل الاتحاد الأوروبي.
مقدم البرنامج : إيلي بارنافي، في ظل هذا الجمود، ما الذي يمكن أن يفعله المجتمع المدني الأوروبي لدعم الشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي، في آن معاً؟
إيلي بارنافي: المجتمع المدني الأوروبي يجب أن يواصل الضغط على حكوماته لكي تتحرك، ولكن أيضاً يجب أن يمد يده إلى المجتمع المدني الإسرائيلي، وإلى الفلسطينيين أيضاً. نحن بحاجة إلى تضامن حقيقي، ليس فقط بالكلمات، بل بالمشاريع المشتركة، والتبادل الثقافي، والدعم الإعلامي، وكل ما يعزز أصوات العقل والسلام. لا بد أن نفهم أن دعم إسرائيل لا يعني دعم نتنياهو، وأن معارضة سياسات حكومته لا تعني معاداة السامية. هذا التمييز ضروري جداً.
مقدم البرنامج : جان بول شانيولو، هل ترى فعلاً أن هناك استعداداً داخل أوروبا لدعم هذه الدينامية المدنية؟
جان بول شانيولو: نعم، ولكن للأسف، الأوروبيون يخلطون أحياناً بين الدفاع عن حقوق الإنسان والخوف من اتهامهم بمعاداة السامية، وهذا الخوف يشل حركتهم. علينا أن نؤكد دائماً أن الدفاع عن الفلسطينيين لا يعني معاداة إسرائيل، وأن انتقاد الحكومة الإسرائيلية لا يعني معاداة اليهود. أوروبا يجب أن تتجاوز هذا الخوف، وأن تتحرك بشكل حاسم لدعم حل سياسي عادل، وإلا فإن الوضع سيتدهور أكثر.
مقدم البرنامج : جيرار بنسوسان، في ختام هذا النقاش، كيف تلخص الوضع باختصار؟
جيرار بنسوسان: للأسف، نحن في لحظة مظلمة. هناك مأساة إنسانية في غزة، وهناك أيضاً انقسام عميق داخل المجتمع الإسرائيلي. أوروبا مطالبة بأن تكون واضحة وصريحة، وأن تقول للطرفين: كفى. نحن بحاجة إلى السلام، والعدالة، وإلى أن نعيد الأمل للناس.
مقدم البرنامج : شكراً لكم جميعاً على هذه المداخلات القوية. أعتقد أننا جميعاً نشعر بثقل اللحظة التاريخية التي نعيشها. أشكركم جزيل الشكر وأتمنى أن يكون هذا النقاش خطوة صغيرة نحو مزيد من الوعي والعمل من أجل السلام.
—————————-
حرصتُ على تحويل هذا الحوار الاستثنائي من صوت وصورة إلى نص مكتوب بأسلوب علمي وأدبي أنيق، حرصًا على توثيق الأفكار الهامة التي تضمّنها ونشرها ليستفيد منها الجميع. د. الحسن اشباني، مدير البحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالمغرب و صحفي مهني علمي
====================================
المقالات ذات الصلة :
https://dr-achbani.com/تحليل-وضاح-خنفر-لموازين-القوى-الدولية
https://dr-achbani.com/لأستاذ-وضاح-خنفر-التغيرات-والتحولات-ف
https://dr-achbani.com/حوار-رائع-مع-د-محمد-المختار-الشنقيطي-اي