الصحة

هل مياه القنينات البلاستيكية صحية للشرب؟ الجزء الاول

د. الحسـن اشباني

كثيرا ما نحتاج الى شرب الماء لان جسمنا يحتاج الى ذلك باستمرار و بشدة وخصوصا في فصل الصيف (من لتر ونصف الى لتران او اكثر في اليوم), وكثيرا ما نتحدث عن اضرار استعمال المياه المخزنة في عبوات او قنينات بلاستيكية، ولكننا عمليا بدون جدوى، بحيث نستمر في نفس السلوك ولا نبالي، وهذا ما يجعل الكثيرين منا يصابون بلا سابق انذار بامراض وخصوصا منها المزمنة، فيبدا معها جحيم العذاب مع قلة ذات اليد و غياب المشافي العمومية المختصة وحتى التغطية الاجتماعية المناسبة.

من المعروف أن الشركات المنتجة للمياه تميل إلى نوعين من أنواع تعبئة وتخزين المياه، فإما أن تعبئها في عبوات زجاجيةو هذا قليل العمل به في بلداننا العربية، أو في عبوات بلاستيكية، وهو الاكثر انتشارا لانه الاقل تكلفة للشركات و الاكثر ربحا، وربما يكون ثمن الماء فيها مثل ثمن الحليب او اكثر. و بالطبع فإن العبوات الزجاجية هي الخيار الأكثر أمانا، ومع ذلك تتجه الغالبية العظمى إلى الخيار الأرخص والاكثر شيوعا. ولكن مقدار الأمان في المياه المعبأة في القنينات البلاستيكية مطروح بكثرة وعن امكانية تلوثه بجزئيات مصدرها الاساسي العبوات ذاتها. ونسبة التلوث فيها مختلف تتحكم فيه اكثر ظروف النقل من جهة و التخزين، وخصوصا داخل المحلات التي تعرض القنينات طوال اليوم امام متاجرها للشمس. و من جهة اخرى، نوع البلاستيك المستخدم..الخ.

الامر الذي لا يختلف فيها اثنان هو أن الزجاجات البلاستيكية التي تستخدم فقط لمرة واحدة تسبب تلوثًا كيميائيًا وتسمم مياه الشرب. فتعرض القنينات لأشعة الشمس والحرارة يؤدي الى إطلاق مواد كيميائية سامة في الماء. هذا يعني أن ترك زجاجات المياه في الأماكن المفتوحة قد يؤدي إلى تسخينها وقد يكون الماء غير آمن للشرب. فقد وجد العديد من الباحثين تلوثًا بالبلاستيك الدقيق عندما تُترك الزجاجات في الطقس الحار لفترة طويلة.

اما اعادة استعمالها كما هو ايضا مشاع لدى الكثيرين، فهو سلوك غير مقبول بالبثة وقد يودي ذلك الى تعرض الجسم لامراض مزمنة قاتلة.

في فرنسا مثلا، قد سبق لجمعبة “تحرك لاجل البيئة” Agir pour l’environnement ” ان نبهت المواطنين الفرنسيين بخطورة شرب الماء من القنينات البلاستيكية بقولها ” اننا نشرب البلاستيك“. وقد دفعها الى ذلك النتائج المخبرية لتحليلات طلبتها هي ذاتها لمختبر متخصص تهم تسع قنينات من المياه المعدنية من العلامات التجارية الأكثر استهلاكًا من قبل الفرنسيية. فقد ابانت التحاليل التي نشرت يوم الخميس 21 يوليو 2022، ان سبعة من المياه المختبرة تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة أي بنسبة 78بالمائة.

و من قبل، كانت منظمة الصحة العالمية تحدثت سنة 2019، عن وجود هذه الجسيمات الدقيقة، التي يتراوح حجمها بين 5 مليمترات وبضع مئات من النانومترات (1على مليار متر1/ 1e-9 =) في مياه الأنهار والبحر والصنبور وقنينة المياه. وبالرغم من أن الكميات المسجلة غالبًا ما تكون منخفضة، فإن الجمعية السالفة الذكر طالبت بالحاح في بيان صحفي لها، السلطات العمومية بضرورة التخلص من البلاستيك، مع إعطاء الأولوية لحظر القنينات البلاستيكية كما دعت أيضا الشركات المصنعة ان تلتزم بالشفافية بشأن مكونات القنينات.

كما أظهرت التحاليل ان معظم اللدائن الدقيقة الموجودة في القنينات التي تمت دراستها هي مادة البولي بروبيلين (Polypropylène) والبولي إيثيلين (Polyéthylène) والبولي إيثيلين تيريفثاليت  (Polyéthylène Terephtalate) ، مما يشير إلى ان تلوث المياه مصدره اما غطاء القنينات او القنينات بنفسها. اما الكميات المتواجدة كما تظهر نتائج الدراسة فتختلف بشكل كبير.

من بين العلامات التجارية التي تمت دراستها، تحتوي علامة “Vittel Kids (0.33 لتر)” على معظم الجسيمات الدقيقة (121 جسيمًا دقيقًا لكل لتر)،  ثم تأتي العلامات  Cristalline و Vittel و Perrier و Evian و Badoit ، والتي تحتوي على واحد إلى سبع جسيمات دقيقة لكل لتر، في حين أن المياه الموجودة في زجاجات علامتي Volvic و Carrefour لا تحتوي عليها على الإطلاق كما جاء في بيانها.

فاذا اخدنا قنينة المياه للأطفال من ماركة Vittel ، التي ، كما تمت الإشارة اليه، تحتوي على 40 جسيمات دقيقة لكل 33 سنتيلتر، أو 121 لكل لتر وان الاستهلاك المتوسط  السنوي للطفل الرضيع  هو ​​131 لترًا من المياه المعبأة، فإنه اذن الطفل الرضيع يدخل الى جسمه 16000 جسيم دقيق من البلاستيك كل عام، الامر الذي يخيف وتتاسف له  جمعية “تحرك لاجل البيئة” ” Agir pour l’environnement”

هناك دراسات تعتني بالتأثير الصحي لتراكم اللدائن الدقيقة على جسم الإنسان،  وبشكل متزايد من قبل المجتمع العلمي، ولكنها لا تتم حتى الآن في نطاق واسع ومتعمق، خصوصا ان المخاطر التي تتعرض لها البيئة حقيقية وموثقة للغاية إضافة الى تسجيل انخفاض معدل إعادة التدوير لهذه القنينات البلاستيكية في بعض البلدان (مثل فرنسا)، كما حددتها كثير من الهيئات المدنية المكلفة بالبيئة على الصعيد العالمي و خصوصا المتقدم منه و التي تسمح قوانينه الصارمة بتتبع كل ما من شأنه يضر بالإنسان و الحيوان و البيئة.

أظهرت ايضا دراسة بريطانية، ولأول مرة، وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في رئتي الأحياء. يدعي المؤلف الرئيسي لهذه الأعمال أنه فوجئ بالعثور عليها هناك. فالآثار الصحية غير معروفة حاليا.

بعد أسبوعين من اكتشاف الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في دم الإنسان، توصل باحثون بريطانيون إلى اكتشاف جديد، اذ  من خلال تحليل عينات الأنسجة المأخوذة من 13 مريضًا يخضعون لعملية جراحية في الرئة، وجدوا في 11 منهم البلاستيك الدقيق. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على مثل هذا النوع من التلوث في رئات البشر الأحياء. كما تم العثور على 39 نوعًا من الجسيمات، فكان أكثرها شيوعًا هو البولي بروبلين، المستخدم في العبوات البلاستيكية والأنابيب، والبولي إيثيلين تيريفثاليت  (Polyéthylène Terephtalate)، المستخدم في القنينات. كما سبق من قبل في دراستين وجود مواد بلاستيكية دقيقة بمستويات عالية في أنسجة الرئة المأخوذة أثناء تشريح الجثث.

تقول لورا سادوفسكي من كلية هال يورك الطبية بالمملكة المتحدة ” Hull York Medical School, UK “، وهي المؤلفة الرئيسية للدراسة التي نشرت من قبل مجلة سانس اوف طوطال انفرمونتال ” Science of the Total Environment ” في مارس 2022، انه لا أحد يعتقد أن هذه الجسيمات يمكن أن تصل إلى هذا العمق في الرئة. كما تأكد من خلال هذا البحث إثبات أن هذه الجسيمات كانت قادرة على السفر في الجسم واستقرارها في الأعضاء.   وأضافت ان الشعب الهوائية الرئوية ضيقة للغاية، لذا لم يعتقد أحد أن هذه الجسيمات يمكن أن تصل إلى هذا العمق.

الجزء الثاني : نعرض فيه الاسباب بشكل مباشر التي ستدفعك مما لاشك فيه الى الامتناع من استعمال القنينات البلاستيكية في شرب المياه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE