من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : وهم الأبطال



لقد إتضح بما لا يدعو لأي شك على أن جميع أشكال التباري البطولي المرتبط بمختلف الإهتمامات الإنسانية الإبداعية منها و الفنية و العلمية و الرياضية يخضع للتقويم القيمي الذي تبلور في أفق الإنبناء الفكري و الفلسفي للحضارة الغربية ؛ و هو ذلك الصرح الذي لم يفتأ مند بدايات الإهتمام المتزايد بإستلهام الثرات الحضاري الإنساني عامة و مقومات الحضارة الإسلامية خاصة – و ما واكبه من إنبعاث روح الجدة الحضارية – يروم إستئناف إستنفاذ أقصى الطاقات الذاتية في بلورة رؤية علمية تهتم أكثر من ذي قبل بتكثيف قصارى جهودها في سبر و فهم الطبيعة و تسخيرها ؛ و في إحكام منطق السيطرة و الغلبة التاريخية التي تغذيها عبر اللاشعور الجمعي و الزخم المتراكم للحملات العسكرية الصليبية و التي نجد لها أساسا عميقا في تكوين الشخصية الغربية عامة و الشخصية الأوربية خاصة ، و يتجلى هذا المنحى السلوكي العدائي الواعي في ترجمته إلى مجموعة من الإجراءات من قبيل إهتمام الفكر الإستشراقي بالعمل في ذات الوقت على فهم و رصد كل مقومات الحضارة الإسلامية و العمل على تقويض أسسها و إضعافها إقتصاديا و سياسيا و إجتماعيا و ثقافيا و بالتالي عرقلة تنامي كل المؤشرات التي يمكن أن تمنحها القدرة على أن تشكل نداً و منافسا قويا حول الريادة و الصدارة العالمية ، و هذا هو الخط العام للخلفية السياسية و الفكرية و الثقافية للحضارة الغربية و السائرة المفعول في الحاضر ؛ بل و تؤطر كل المخططات المستقبلية التي يتبين على أنها تعتبر الخصم المناوئ للأمة الإسلامية بلا هوادة و بإمتياز منقطع النظير ، و هو النهج العملي الذي يشتغل لترسيخ قيم الصراع و المعاداة من خلال التربية و التعليم و التنشئة الإجتماعية و تأصيل قيم الإعتزاز بالإختلاف الثقافي و الفكري و الفلسفي و بالتالي تأسيس وعي الصراع و العداء و إعطاء حق مشروعية الغزو للآخر على جميع الأصعدة و لو إقتضى الحال حتى الإبادة الجماعية لأي جماعة و ثقافة إجتماعية مغايرة ، و يتم تثبيت هذه الثوابت على الصعيد النفسي و الإجتماعي و العقدي و مما يرسخ هذه الرؤية و يدعمها هو العمل على صقل الذات وفقا للتوجه الغربي المتشبت عمليا بإحراز التفوق العلمي و ما رافقه من لفت الإنتباه لجدوى التطور و جاذبية الحظوة الإجتماعية التي يحققها روح الإبتكار في مجال البحث العلمي و تطوير منجزاته إلى أقصى حد ممكن ؛ و بالتالي إعمال العقل وبذل قصارى فعاليته من حيث يمثل قمة التمثل و الذكاء و القدرة الهائلة على خلق تصورات حول عوالم إفتراضية ممكنة يتم بلورتها في أفق سد الثغرات التي تكتنف الثرات الإنساني العام ، و الذي يراد إستكماله و إدراك صورته الشبه نهائية أو المثالية في أفق إحكام السيطرة على العالم و تسخيره لخدمة كل القوميات الأوربية و الغربية فحسب .

إن المسار التأسيسي للوعي الذاتي و مقوماته المعرفية و العلمية و العمل على تشكيل طراز خاص للفرد كما أسسه رينيه ديكارت من خلال الكوجيطو أو وعي الذات و تعقلها لذاتها من خلال فعالية الفكر و النظر العقلي للذات و تمتعها بالإستقلال و تحقيق مسافة مع الواقع الخارجي الموضوعي بما فيه من ذوات عاقلة أخرى ، و هذا هو بالذات نوع الإنسان الذي قامت كل الفلسفات الأوربية اللاحقة لإستكمال قسماته و تخريج رؤية و تصور عن شخصيتة كفرد ينعم بروح الفردانية
و يتجلى ذلك في إبراز أهمية تمجيده و العناية بتمايزه بغض النظر عن الخلفيات الفكرية و الفلسفية التي تعلي من شأنه كفرد و كل خياراته و مهما كانت معادية أو كونها في صالح الإنسانية لأن هنالك مبرر وجودها ؛ و هذا هو مسوغ و منطق إستمراره كفاعل تاريخي ، و إن هذا الطراز من الأفراد هم بالذات ثمرة التاريخ الطويل للمجتمعات الغربية و الذي يتم السعي لأن يمتد و يخترق معظم الأوطان و الأمصار و الثقافات بغية السيطرة على الحاضر مع إستهداف التحكم في المستقبل من خلال الإعداد لمدخلات محددة من شأنها أن تسفر عن مخرجات تتوقعها الدراسات المستقبلية التي تروم إنجاز خرائط سياسية و إقتصادية و فكرية تحت الطلب .


إن هذا النموذج للشخصية الإنسانية هو الذي تسعى المجتمعات الغربية لإعداده في أفق القيادة العامة للمجتمع و الدولة و النخب البورجوازية و السياسية و الفكرية و الثقافية ، ولذلك نجد أن التباري البطولي الصميمي على مستوى الريادة و التحكم و المنافحة على السياسات الداعمة للقوميات الغربية عامة و الأوربية خاصة ، يعتبر أحد الوجوه التي تتمظهر به كل المؤسسات التي تشرف و تقدم الجوائز و تشيد بالأبطال الجدد في شتى المجالات معلنة اللوائح الجديدة بشأنهم ؛ وهو ذاته نفس الشيء الذي تقوم به مؤسسة جائزة نوبل حيث أنها خصصت جائزة السلام مناصفة بين بنك غرامين و الدكتور محمد يونس سنة 2006 م ، و يرجع هذا الإختيار إلى مجموعة من القامات السياسية و الفكرية العالمية الغربية الملحة في عدة مناسبات على أن الرجل يستحق التنويه و التكريم مند سنوات طويلة ؛
بوصفه قدم جهودا جبارة في محاربة الفقر في بنغلادش و تكللت تجربته بالنجاح المنقطع النظير ، وذلك عن طريق مساعدة المعوزين بقروض صغيرة جدا و بدون ضمان – و بالرغم من السخرية اللادغة التي لقيها من قبل الدوائر المالية العالمية ، بالنظر إلى إعتقادهم بأن هذا الطرح يتسم بالطابع الطوباوي و أن العملية التجاربة الربوية ليست مضمونة بدون ضمان عقاري أو أصل تجاري ذو قيمة مالية تفوق القرض أو تعادله – لكن مع ذلك إستطاع محمد يونس أن يبرهن على جدوى مقاربته الإجرائية للتغلب على الفقر ، و لقد أسس بنك غرامين لينهض بمهمة محاربة الفقر المدقع و تخصص في إستثمار القروض الصغيرة بفوائد رمزية رائدة ، غير أن هذه الجهود تدخل في إطار المقاربات الإقتصادبة التي تهدف إلى خلق فرص الشغل و توظيف القوى الشابة و اليد العاملة في تقعيد إقتصاد ذاتي مثمر ، و لكن مع ذلك فإن الجائزة التي ثم إحرازها ترتبط بالسلام

يعتبر باراك أوباما أحد الحاصلين على جائزة نوبل للسلام رغم أنه لم يستغرق في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية آنداك إلا زهاء تسعة أشهر ، و يمكن القول أن الرجل لم يقدم إنجازا في مسار تحقيق السلام و الجيوش الأمريكية لاتزال ترابض في كل مكان تقتل الابرياء الاطفال و النساء
و ليس الإقتصاد و هذا يدل على أن التقييم لأعمال الرجل الفذ و بنك غرامين لم يكن موضوعيا لأن المساعي المبذولة كانت كلها تصب في إحياء حياة الرخاء من خلال صناعة إقتصاد متنامي و مبني على تعاونيات تشاركية أو “مجموعات التضامن” التي تشتغل وفقا للتعاون على العمل و أداء أقساط القروض ، و بالتالي إحياء قيم التآزر و التعاضد و المساندة العملية بين الطبقات الفقيرة الهشة ؛ و من شأن هذه القيم الإنسانية للتكافل الإجتماعي أن يساهم في تغيير حياة الملايين من الفقراء في كل من بانغلادش و بعض البلدان الأخرى المجاورة التي خاضت نفس التجربة ؛ الشيء الذي أدى إلى تغيير أوضاع الفقراء عن طريق الأموال المستثمرة في القروض الصغيرة .

يعتبر باراك أوباما أحد الحاصلين على جائزة نوبل للسلام رغم أنه لم يستغرق في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية آنداك إلا زهاء تسعة أشهر ، و يمكن القول أن الرجل لم يقدم إنجازا في مسار تحقيق السلام و الجيوش الأمريكية لاتزال ترابض في كل من العراق و أفغانستان و الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال يسقطون و أرواحهم ضلت تحت رحمة طائرات الدرون و مقاتلات الشبح بإسم تتبع الإرهاب و مكافحته ، كما أنه لم يفلح في الثبات على دعوته في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط للرجوع إلى حدود 1967م كمبدأ راسخ يفاوض على أساسه ، إلا أن المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي سرعان ما جعلته ينكس على عقبيه ، و يتراجع تحت طائلة قوة اللوبي الصهيوني المتحكم في السياسات الداخلية والخارجية للكونگريس الأمريكي و بالضغط الإسرائيلي المتواصل خاصة أن إسرائيل تعد الحليف الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ، مما جعله يدعن للأمر الواقع و من شأن هذا القرار أن يسفر عن إزدياد وثيرة الإستيطان في فلسطين و إخراج الفلسطينيين من ديارهم و أراضيهم بقوة السلاح و


الترخيص لعقوبة مصادرة الأملاك العقارية من الأهالي الفلسطينيين المحاديين للأراضي المغتصبة عند مجرد حدوث أي مقاومة للستعمر أو ورود شبهة إستخباراتية عن المقاومة ، لتجند الجرافات التي تعمل تحت تغطية عسكرية مدججة بالسلاح مشرفة على هدم المساكن الفلسطينية و عدسات الكاميرا تنقل مباشرة على القنوات العالمية هذا الظلم وهذه البشاعة و الغطرسة و العدوان الدموي على أنظار العالم ، وفي غضون ظرف وجيز تقام على هذه الأراضي المغتصبة مستوطنات جديدة ؛ و السيد الرئيس أوباما لا يحرك ساكنا و لا نسمع له همسا في الأمم المتحدة ، بل و توالت الإعتداءات المتكررة على غزة عبر السنوات الأخيرة المتتالية ، و كان الجرم فضيعا ذلك أن العدوان هو مجرد قصف بالطائرات و لقد أدى ذلك إلى قتل آلاف الأبرياء المدنيين من الرجال و النساء و الأطفال ؛ مع هدم أكثر من مائة ألف منزل أو شقة هذا مع إستمرار فرض الحصار على قطاع غزة ؛ و حتى الحيلولة دون وصول الإغاثة الإنسانية لغزة و بالتالي قصف السفينة السلمية التركية مرمرة .


لقد إتضح من خلال النماذج التي قدمناها حول الأبطال الذين تمنح لهم جائزة نوبل أن معيار هذا العطاء لا بد له أن ينسجم مع السياسة العالمية العامة للنظام العالمي الجديد ؛ لذلك نجد أن كل من أنور السادات و مناحيم بيجن قد حصلا بدورهما على جائزة نوبل للسلام مناصفة ؛ و هو بكل تأكيد أمر فيه من التحيز للجانب الإسرائيلي خاصة أن مناحيم بيجن يعتبر مجرم حرب أباد الأبرياء في مذبحة دير ياسين على يد الجماعة الإرهابية الصهيونية أرجون التي أسسها ، كما أنه هو الذي عمد على إحتلال جنوب لبنان سنة 1982م مما أدى إلى الإقدام مرة أخرى على مذبحة صبرا و شاتيلا من طرف كل من الجيش الإسرائيلي و جيش حزب الكتائب الجنوبي و جيش جنوب لبنان و هم الذين قتلوا فيها ما يزيد عن 3500 من الأبرياء الفلسطينيين العزل دون رحمة و شفقة ، أما و قد تبث على بيجن أنه مجرم حرب بحق على التوالي ؛ فإن السادات أسس للتطبيع مع إسرائيل مما أدى إلى إجهاض و ثيرة الصراع العربي الإسرائيلي و بالتالي إعطاء فرصة إستفراد إسرائيل بتكثيف وثيرة الإستيطان عن طريق مصادرة أراضي فلسطينية جديدة ، هذا فضلا على تضيق الخناق على قطاعي الضفة و غزة المبثورين .


بأي معنى سنتحدث عن هؤلاء الذين أحرزوا على جائزة نوبل للسلام ؛ علما أن بعضهم إن لم يكونوا مجرمي حرب فإنهم مشاركين على الأقل – إلى هذا الحد أو ذاك – في تعميق معاناة آلاف الأسر الوديعة و إزهاق أرواح عدد هائل من الأبرياء ، و إذا إستثنينا الدكتور محمد يونس بوصفه الإنسان الجذير بحق أن يكون بطلا هازما للنظريات الإقتصادية الربوية و إنتشاله لأكثر من سبعة ملايين معوز و فقير من براثن الفقر المدقع إلى سعة الحياة و رحابتها و قدرتها على العطاء و تحصيل الوفرة المادية ، فإن الآخرين تسقط عنهم صفة البطولة و نصرة الإنسانية و تثبت في حقهم خذلان الحق و الدود على كرامة الإنسان ؛ و بالتالي فإن القيمة المادية للجائزة خسارة في حقهم لأنهم لا يستحقونها أصلا ، و عليه يمكن إعادة النظر ليس فقط في مؤسسة نوبل بل كل المؤسسات التي تقوم بتقديم الجوائز و صناعة الأبطال الوهميين في الأغلب الأعم من الأحيان ؟
يتبع
الكاتب و المفكر ذ. سليمان شاهي الدين فاتح مارس ٢٠١٦
ملحقات
مصرف غرامين (بالبنغالية: গ্রামীণ ব্যাংক) هو مؤسسة للتمويل الصغير وتنمية المجتمع تأسس في بنغلاديش. يهدف المصرف إلى تقديم قروض صغيرة للفقراء دون الحاجة إلى ضمانات مالية. يعود أصل اسم “غرامين” إلى الكلمة البنغالية “غرام” أو “قرية”، مما يعني “مصرف القرية”. تمت بداية فكرة المصرف في عام 1967 عندما كان البروفيسور محمد يونس يعمل على مشروع بحثي لتصميم نظام ائتماني يخدم الفقراء في المناطق الريفية. استجابة للنجاحات المحققة، قام البروفيسور محمد يونس بتأسيس المصرف في أكتوبر عام 1983، وحصل على ترخيص رسمي كمصرف مستقل. في عام 2006، حصل محمد يونس ومصرف غرامين على جائزة نوبل للسلام نظير جهودهما في مجال تمكين الفقراء وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
مقالات للكاتب ذ سليمان شاهي الدين