من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : التدريس إلتزام و مسؤولية


لن يبقى في هذه الحياة إلا ذلك الأثر الذي يرسمه كل إنسان كتوجه و ممارسة و قناعة، و حري بنا أن نلفت الجميع تلاميذ و أساتذة و نذكِّر بالرسالة التي تجمعنا بل و التي تنتظم ضمنها الدول في الآن و الهنا و في كل وقت وحين و في كل أقطار هذا العالم، حيث تتم العناية بإعداد شباب المستقل، و غني عن التعريف أن هذا الإلتزام هو مسؤولية يحاسب عليها كل من موقعة، سواء كان ذلك الحساب في العاجلة أو الآخرة.

إن التعاقد الذي أُبرمه – بوصفي أستاذ – في بداية كل موسم دراسي و أبينه في ديباجته الإفتتاحية التنظيمية التي أضع من خلالها ضوابط أخلاقية و عملية، و هي خطاطة عمل تقوم على مبدأ العقلانية و البراغماتية، لذلك تستوجب الإلتزام بها و هي الرهان الذي على ضوئه يمكن تتبع المقرر الدراسي و الوقوف على محاوره و حلقاته و دروسه النظرية و المنهجية. إن إحترام أو بالأحرى الإلتزام بقواعد اللعبة التربوية – التعليمية داخل الحصة الدراسية أثناء سير مجرياتها، يشكل الإطار الطبيعي و السليم الذي على ضوئه تتحقق أهداف الدرس الفلسفي، لكن عندما يخل أي عنصر من بين عموم التلاميذ بالإنتظام ؛ فإنه لا بد أن يكون في الحالات الشاذة و هي حالات الإمتناع عن الإنضباط الفوري، و بالنظر لمخرجات التعاقد التربوي – التعليمي تستدعي محاسبة أي سلوك يسيء لكل من المعلم و المتعلمين أثناء التحصيل المعرفي و كيفيات سير آلياته و طرق انبنائه، و هنا تحال القضية المشكلة إلى النظام / المؤسسة للنظر في شطط و تهور بعض المشوشين / المهرجين الضالين عن جادة الصواب و الخارجين عن الأخلاق الفاضلة التي يفترض أن يتحلى بها كل متعلم. و كان لزاما لرد الأمور إلى نصابها الحسم في الأمر بالتدرج في شأن كل نازلة من اليسر، و إذا تعذر الإصلاح، فإن الإرتقاء إلى مرتبة العسر حتمية و تتطور القضية إلى المجلس التأديبي حيث يأتي الحكم الفيصل بالإدماج المشروط أو الفصل.


“لكن عندما يخل أي عنصر من بين عموم التلاميذ بالإنتظام….كان لزاما لرد الأمور إلى نصابها الحسم في الأمر بالتدرج في شأن كل نازلة من اليسر، و إذا تعذر الإصلاح، فإن الإرتقاء إلى مرتبة العسر حتمية و تتطور القضية إلى المجلس التأديبي حيث يأتي الحكم الفيصل بالإدماج المشروط أو الفصل”.
ذ سليمان شاهي الدين
إن الإخلال بشروط التعاقد بين المدرس و التلاميذ يمثل تعطيلا للمصلحة العامة لعموم التلاميذ أو جماعة الفصل، و لذلك، فإن كل من يعيق سير العملية التعليمية ضمن الدرس الفلسفي الذي يتطلب مجهودا مضاعفا في الإنتباه و التركيز، فإن دوري كأستاذ ؛ يكمن في إزاحة أي عائق و الأمر يتعلق بالشغب و بطبيعة الحال، فإن اللجوء إلى الإدارة يعد الوسيط المؤسساتي بين التلاميذ و أوليائهم و التعاقد الملزم لمتابعة الدراسة، و أن أي إخلال بمقوماته يعرض صاحبه للمسائلة و المحاسبة. إن كل الذين انضبطوا و سايروا الخط الناظم للعملية التربوية التعليمية و أعرضوا عن الاستهتار بحياتهم و التشويش على الصف الدراسي و كانت لديهم الهمة العالية في متابعة الدراسة حققوا التقدم الملموس بفضل المثابرة و الجهود المتواصلة و الصبر لسنوات طويلة في التحصيل العلمي و التكوين المنهجي فأصبحوا دكاترة و مهندسين و أطباء و أساتذة و قضاة و معلمين و القائمة طويلة.


إن القيام بمهمة التدريس تعد بمثابة الإلتزام الذي بموجبه يجب إنجاز أعمال ذات طبيعة فكرية و نظرية و منهجية و تبيان ذلك من خلال القراءات التي تستنطق النصوص، و إن عمل من هذا القبيل يشكل المهارات المطلوبة التي يجب أن يكتسبها التلاميذ، و كل تعثر من قبيل التشويش و الشغب، يجب مكافحته بكل شجاعة و لا أتوانى في الوقوف مع الحق حيثما كان، و هذا من شأنه أن يجعل شخصية الأستاذ عند مستوى المسؤولية.
إن الذين يستسهلون الأمور العارضة في الفصل يعرقلون بكل تأكيد تحقيق أهداف الدرس و لهذا يضيع حق التلاميذ الآخرين الذين لا ذنب لهم من المعلومة و هدر الوقت في ما لا يفيد أحدًا.
يمكن القول أن الالتزام بالشروط التي يتأسس عليها الدرس من قبل المدرس و التلاميذ يشكل الرهان الذي بموجبه يمكن الإحاطة المعرفية و النظرية و المنهجية لأي مادة عامة و مادة الفلسفة و الفكر الإسلامي خاصة.
ليس الغرض من تقلد مسؤولية التدريس أن حظى بالمجاملات أو الإطراء، بل إن التنزيل العملي للمقاربة التعليمية بما تستدعيه من جهد و مكابدة و ابداع مستمر في العطاء و تمهيد الطريق لبناء العقول حتى تكون على بينة و استعداد لتستأنف طريق التفكير العميق القائم على الحس النقدي و التأطير المنهجي و التنظيم النسقي للفكر و القدرة على الكشف و إجلاء الخلفيات الفكرية التي تقوم عليها النظريات و الفلسفات و المذاهب، و هذا بالذات الهدف الأسمى الذي جندت له العُدّة اللازمة و قيدت له الكفاءات لإستخلاصه كتمرة و هدف و تبصم عليه المؤسسة التعليمية بشهادة الإستحقاق و التفوق الدراسي.
إن هذه المهمة ليست متاحة البتة إلا بمقدار الإلتزام بها نظريا و عمليا و العمل في ذات الوقت على مجابهة كل الأشكال المبتذلة سلوكا و تفكيرا و اعتقادا بما تقتضيه شروط التعاقد المبرم بين أطراف العملية التعليمية.
و الله غالب على أمره
ذ. سليمان شاهي الدين، استاذ الفلسفة سابق و باحث / كاتب / ناقد
لمزيد من كتابات ذ. سليمان شاهي الدين :
شاهي الدين : ملاحظات حول النجاح في الغرب-Dr-achbani.com
الاستاذ سليمان شاهي الدين : الوعي أفقًا للتحرر-dr-achbani.com
الاستاذ سليمان شاهي الدين:ما العمل من اجل اقلاع حقيقي لوطننا (dr-achbani.com)
الاستاذ سليمان شاهي الدين : مطارحات عقلانية للفكر الحر (dr-achbani.com)
مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : آفاق القراءة إلى أين ؟ (dr-achbani.com)