المنبر الحر

هل سيكون هناك طوفان عربي بعد طوفان الأقصي: بودكاست الصحفي محمد جمال هلال مع د. محمد المنصف المرزوقي، الرئيس السابق لتونس -الجزء الثاني-

د. الحسن اشباني

في بودكاست الطريق ” الموسم الثاني”، أجرى الإعلامي محمد جمال هلال مقابلة شيقة مع الرئيس التونسي الأسبق د. المنصف المرزوقي في أول ظهور ه على البودكاست. في هذه الحلقة التي تحمل عنوان “قراءة في مراجعات وبدائل مشروع التحرر وثورات الربيع العربي بعد معركة طوفان الأقصى”، تناول الحوار العديد من القراءات، وبشكل خاص كتاب المراجعات والبدائل لضيف الحلقة. وهل سيكون هناك طوفان عربي بعد طوفان الاقصى؟

الملخص لما جاء في الحوار الجزء الاول

  • أن استقبالي لخالد مشعل وأبي العبد إسماعيل هنية في قرطاج كلَّفني كثيرًا، لأن السفارة الأمريكية لعبت دورًا كبيرًا في إقصائي من السلطة في ذلك الوقت.
  • لو كان الرئيس الشهيد محمد مرسي ما زال حاكمًا اليوم، لما تعاني غزة كما هي عليها اليوم.
  • اليوم، لا يوجد مكان أكثر خطورة على اليهود من إسرائيل.
  • ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله، الأمر الأهم بالنسبة لي هو تحطيم صورة إسرائيل نهائيًا وتفكيك سرديتها على الدوام.
  • أؤمن أن العقد القادم سيكون حافلاً بتغييرات جذرية، وربما يكون ما حدث اليوم في غزة هو الذي سيحسم الصراع على الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
  • النضال الديمقراطي السلمي، رغم تكلفته، هو الحل في كل الأوقات.
  • لا بد من تجديد الفكر الإسلامي السياسي.
  • أتذكر عندما حدث الانقلاب على الرئيس الشهيد، كان بجانبي رئيس فرنسا أثناء زيارتي الرسمية لفرنسا، فطلبت منه موقفه من هذا الانقلاب، رفض يومها أن يأخذ موقفًا واضحًا إما معي في السيارة أو حتى في المؤتمر الصحفي
  • إذا كنتم ترغبون في حياة بلا كرامة، فالله يعينكم… كان هذا ردي على سؤال المذيع حول مَن ينادي بضرورة التقارب بين التيارات الإسلامية والاعتراف بها والتعايش بسلام معها من أجل إعادة بناءها مرة أخرى.

ملخص للجزء الثاني

  • الحكم الفردي هو الذي أوجب تدهور هذه الأمة. فقد أدى حكم صدام حسين إلى دمار العراق، وحكم القذافي إلى دمار ليبيا، وبشار الأسد إلى دمار سوريا، وحكم السيسي إلى دمار مصر،
  • أنا لست قوميًا، بل وحدويًا عروبيًا، لأن القوميين استبداديون، وأنا ضد الاستبداد سواء كان بغلاف ديني أو قومي. فالأنظمة الأوروبية اتحدت بعد أن انتهت مع كل اشكال الاستبدادية،
  • بعد الثورة، كانت فكرتي الرئيسية هي بناء وحدة عربية تجمع بين النظام الليبي والتونسي والمصري، لتكون نواة لاتحاد الشعوب العربية. وكان ذلك ممكنًا لأن الجميع يمتلك نظامًا ديمقراطيًا مشتركًا، ونفتح الحدود كما في أوروبا، خاصةً وأن المساحة الجغرافية متصلة. ولكن، للأسف الشديد، لم يتحقق ذلك،
  • تخيل مثلاً لو كان هناك اتحاد عربي، يمكنك الذهاب من الدار البيضاء إلى الكويت عبر الطريق السريع، وسيكون هناك اندماج اقتصادي. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الديمقراطية،
  • نحن تاريخيًا أمام معركتين، المعركة الأولى هي التحرر من الاستبداد الخارجي، والثانية التحرر من الاستبداد الداخلي أي ما سُمي الاستقلال الثاني،
  • أنا متفائل كوننا، بشكل عام، حققنا الاستقلال الأول ونحن الآن في معركة الاستقلال الثاني، وسننتصر فيها طال الزمان أو قصر، وأهلنا في فلسطين هم أنفسهم يخوضون المرحلة الأولى في هذه المعركة،
  • المشروع إذا انطلق لا يتوقف. لان هذه ديناميكيتة ابتداء من اللحظة التي ينطلق فيها. والدليل الماثل الان امام اعيننا هو ما يقع عند اهلنا في فلسطين، بحيث أن مشروع التحرر انطلق في 1923 و الان وبعد قرن مازال متواصلا رغم الهزائم ورغم كل الاحداث الأليمة التي عرفتها كل هذه المدة، ولن يتوقف الا عندما ينتهي بالتحرر،
  • التشدد قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، لكن إذا استخدم في حالات تتطلب التفاوض فهو عيب، والتفاوض بحد ذاته ليس عيبًا، ولكن إذا تم في سياق يسوده الخوف أو عدم تحمل المسؤولية، فإنه قد يكون ضارًا للغاية،
  • أعتقد أن جميع هذه الأنظمة الاستبدادية ليست شريفة، وبالتالي يجب أن نواصل النضال السلمي الديمقراطي ضدها، لأن هذه الأنظمة لا تعيش إلا بالعنف وتجرّك نحوه،
  • ثمة مشكلة أساسية مع هؤلاء الحكام المستبدين، إنهم لا يتصوّرُون أنفسهم خارجَ السلطة، وحتى لو جلسوا معك، فإنهم في النهاية يريدون ضمان بقائهم في السلطة،
  • بعد 7 أكتوبر، كل شيء مختلف تمامًا. فالسردية الإسرائيلية قد انتهت، وكل تصوراتهم انهارت، بالإضافة إلى فقدان هيبتهم ونهاية حكاية “الجيش الذي لا يُقهر” و”الاستخبارات التي تعرف كل شيء”.

الجزء الثاني: نص الحوار بعد تصحيحه ليكون مقروءا

أنا لست قوميًا، بل وحدويًا عروبيًا، لأن القوميين استبداديون، وأنا ضد الاستبداد سواء كان بغلاف ديني أو قومي. فالأنظمة الأوروبية اتحدت بعد أن انتهت مع الاستبدادية الفاشية والنازية ونظام فرانكو، لأن الاتحاد لا يمكن أن يبنى إلا بين أنظمة مشابهة.

محمد جمال هلال:

في كتاب “مراجعات” تحدثت عن الديمقراطية وقد قدمت لها تقييمًا ووضعت مراجعات عديدة. سؤالي هو: هل الديمقراطية، كما ذكرت، ستأتي بالخير مهما كانت الظروف؟ حتى وإن لم يؤمن بها الناس وحتى وإن كانت هناك تجارب فاشلة؟ عندما يفشل مشروع الديمقراطية في منطقة ما، لا يعني ذلك أنها فاشلة، بل الذين أقاموا هذا المشروع هم الذين فشلوا أو أن أعداءهم أفشلوهم. فما هو الأهم؟ هل الديمقراطية أم التحرر أم كليهما؟

د. المنصف المرزوقي :

في هذا السياق، يبرز بوضوح سبب تفضيل العرب للديمقراطية على الاستبداد. هناك ثلاثة أسباب تجعلني أفضل نظام المجالس على الدكتاتورية. أولاً، الحكم الفردي هو الذي أوجب تدهور هذه الأمة. فقد أدى حكم صدام حسين إلى دمار العراق، وحكم القذافي إلى دمار ليبيا، وبشار الأسد إلى دمار سوريا، وحكم السيسي إلى دمار مصر، وهكذا. دائماً ما يُعتبر الحكم الفردي مصدر المصائب، حيث لا يوجد شعب يملك الحد الأدنى من الدفاع عن الذات، يجعل مصيره معلقاً بقرار شخص واحد. ولو حكمت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بنظام فردي، لشهدنا هناك انفجارًا منذ البداية وحروبًا أهلية وما إلى ذلك، وهذا يجعل الحكم المجالسي يبقى، رغم صعوبته، الأهم لأنه يحفظ الناس من الحكم الفردي.

بعد الثورة، كانت فكرتي الرئيسية هي بناء وحدة عربية تجمع بين النظام الليبي والتونسي والمصري، لتكون نواة لاتحاد الشعوب العربية. وكان ذلك ممكنًا لأن الجميع يمتلك نظامًا ديمقراطيًا مشتركًا، ونفتح الحدود كما في أوروبا، خاصةً وأن المساحة الجغرافية متصلة. ولكن، للأسف الشديد، لم يتحقق ذلك.

السبب الثاني هو أن الديمقراطية تمكن من تصريف التناقضات الموجودة داخل المجتمع بشكل سلمي. انظر إلى الاستبداد في مصر، كيف يزج بالإسلاميين في السجون مع كل أشكال العذاب التي يتعرضون لها، وما هي نتيجة هذا الاستقرار المزيف؟ قمع الحريات وغيرها. بينما في ظل المجتمع الديمقراطي، لا يوجد سجناء سياسيين، لأنه يصرف تناقضاته بشكل سلمي، ونحترم بعضنا البعض، ونحترم التعدد الفكري والسياسي والعقائدي، ونحل الخلافات بصناديق الانتخابات، مما يعني تصريف العنف الموجود داخل المجتمع بشكل سلمي. فمجتمعاتنا كلها مجتمعات عنيفة، وعنف الدولة يقابله عنف ردة فعل للآخر، وهذا ما يجعل تكلفة الاستبداد باهظة في المجتمعات. أنا لست قوميًا، بل وحدويًا عروبيًا، لأن القوميين استبداديون، وأنا ضد الاستبداد سواء كان بغلاف ديني أو قومي. فالأنظمة الأوروبية اتحدت بعد أن انتهت مع الاستبدادية الفاشية والنازية ونظام فرانكو، لأن الاتحاد لا يمكن أن يبنى إلا بين أنظمة مشابهة.

في هذا الموقف، يظهر بوضوح خطأ القوميين الذين أملوا في بناء وحدة عربية عبر الاستبداد، لكنهم لم يفهموا أن المستبدين ببساطة لا يمكنهم التوحدُّ والتوافق. من وجهة نظري، هذه الأمة مشتتة ومفرقة بسبب حكم الاستبداد، ولكن إذا حانت الديمقراطية، فإن الاتحاد قد يصبح وشيكًا. بعد الثورة، كانت فكرتي الرئيسية هي بناء وحدة عربية تجمع بين النظام الليبي والتونسي والمصري، لتكون نواة لاتحاد الشعوب العربية. وكان ذلك ممكنًا لأن الجميع يمتلك نظامًا ديمقراطيًا مشتركًا، ونفتح الحدود كما في أوروبا، خاصةً وأن المساحة الجغرافية متصلة. ولكن، للأسف الشديد، لم يتحقق ذلك. ومع ذلك، في بعض الأحيان، عندما تصبح دولنا ديمقراطية وتقترب من بعضها البعض، يمكن أن نرى بناء اتحاد للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. تخيل مثلاً لو كان هناك اتحاد عربي، يمكنك الذهاب من الدار البيضاء إلى الكويت عبر الطريق السريع، وسيكون هناك اندماج اقتصادي. وهذا لن يتحقق إلا من خلال الديمقراطية. إن هذه هي الأسباب الثلاث التي تجعلني مؤمنًا بأهمية الديمقراطية ومقتنعًا بها حتى النخاع.

الإعلامي محمد جمال هلال في حوار شيق مع الرئيس التونسي الأسبق د. المنصف المرزوقي

محمد جمال هلال:

 هل الديمقراطية أولاً أم التحرر؟ أم كلاهما؟ نتكلم بالطبع عن التحرر، ونستحضر هنا معركة طوفان الأقصى، أي بصيغة أخرى، لن تتحرر فلسطين إلا إذا كانت هذه الشعوب كلها شعوبا حرة؟

د. المنصف المرزوقي :

كتبت سنة 1996 كتابًا عنونته “الاستقلال الثاني” حيث تحدثت عن عدم تحقيقنا للتحرر الكامل من ربقة الاستعمار الخارجي. نحن تاريخيًا أمام معركتين، المعركة الأولى هي التحرر من الاستبداد الخارجي، والثانية التحرر من الاستبداد الداخلي أي ما سُمي الاستقلال الثاني. فالمعركة متواصلة. أما إخوتنا في فلسطين، فهم الشعب العربي الوحيد الذي لم يحقق استقلاله الأول من الدولة المحتلة، وبطبيعة الحال، التكلفة التي يدفعونها باهظة، لأنه تحالفت ضدهم ظروف تاريخية تكون فيها “إسرائيل” آخر حلقة من الاستعمار الغربي.

فالمشروع إذا انطلق لا يتوقف، مثال انطلاق مشروع الحمل عند المرأة، لا يتوقف الى ان تصل الولادة، اللهم اذا أصيب المسار بكارثة اجهاضه. وكذلك مشروع تحرر الشعوب

محمد جمال هلال:

هل سيقف الغرب إلى آخر لحظة مع هذه الحلقة الأخيرة التي تعني مشروع الأمبريالية الاستعمارية؟ فهم مسيطرون على كل الحكومات، فوجود هذه الدولة يعني استمرار الهيمنة؟

د. المنصف المرزوقي :

طبعًا، إذا نظرت إلى التحالف بين النظام المصري والنظام الإماراتي وإسرائيل والنظام السعودي، ستفهم كل شيء، فهذه الأنظمة ربطت مصيرها بمصير إسرائيل. أنا متفائل كوننا، بشكل عام، حققنا الاستقلال الأول ونحن الآن في معركة الاستقلال الثاني، وسننتصر فيها طال الزمان أو قصر، وأهلنا في فلسطين هم أنفسهم يخوضون المرحلة الأولى في هذه المعركة.

محمد جمال هلال: ما هذه الثقة العمياء؟

د. المنصف المرزوقي :

ليست ثقة عمياء، فالربح آت لا محالة منذ اللحظة التي ينطلق فيها مشروع ما، فالمشروع إذا انطلق لا يتوقف، مثال انطلاق مشروع الحمل عند المرأة، لا يتوقف الى ان تصل الولادة، اللهم اذا أصيب المسار بكارثة اجهاضه. وكذلك مشروع التحرر في تونس الذي انطلق في 1881 واستمر لمدة تقريبية 80 سنة، أي حتى سنة 1956، وتخلل المدة هزائم وكل ما رافق ذلك من تعذيب واضطهاد الخ.. فالمشروع إذا انطلق لا يتوقف. لان هذه ديناميكيتة ابتداء من اللحظة التي ينطلق فيها. والدليل الماثل الان امام اعيننا هو ما يقع عند اهلنا في فلسطين، بحيث أن مشروع التحرر انطلق في 1923 و الان وبعد قرن مازال متواصلا رغم الهزائم ورغم كل الاحداث الأليمة التي عرفتها كل هذه المدة، ولن يتوقف الا عندما ينتهي بالتحرر..

محمد جمال هلال:

دعني أرجع لبعض ما جاء في كتابك “المراجعات والبدائل” وأحب أن أنوه للجمهور بأن الكتاب متاح على موقع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي لمن يرغب في الحصول على نسخة منه بصيغة الـ PDF، وأعتقد أنه كتاب قيم يتحدث عن التيارات والأيديولوجيا والسياسات وكثيرا من المراجعات. في الفصل الأول منه، في التقييم، أعتقد أنه كان تقييمًا موضوعيًا بشكل كبير. دعني أقف في جزئية تتحدث عن الديمقراطية والليبرالية والأيديولوجيا الدينية.

سؤالي يتعلق بهذه الأخيرة، بحيث ظهرت بعد الثورات الربيع العربية مدرسة، ينظر إليها منظرون حتى من غير الإسلاميين، أننا أمام موجة من العنف تلتقي بموجة عنف من الثورات المضادة، كما في فرنسا ومناطق أخرى. في حين اختار الديمقراطيون الطريق والنضال السلميين، ويرى البعض الآن أن هذا الاختيار منطقي، كما هو الشأن مع جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، التي تدعو إلى التقارب مع الأنظمة والتعايش معها لإخراج المعتقلين وإعادة البناء، اليس هذا الموقف منطقيا؟

ثمة مشكلة أساسية مع هؤلاء الحكام المستبدين، إنهم لا يتصوّرُون أنفسهم خارجَ السلطة، وحتى لو جلسوا معك، فإنهم في النهاية يريدون ضمان بقائهم في السلطة.

د. المنصف المرزوقي :

التشدد قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، لكن إذا استخدم في حالات تتطلب التفاوض فهو عيب، والتفاوض بحد ذاته ليس عيبًا، ولكن إذا تم في سياق يسوده الخوف أو عدم تحمل المسؤولية، فإنه قد يكون ضارًا للغاية. الأهم هو مواجهة طرف يرغب حقًا في إخراج البلاد من أزمة سياسية واقتصادية عميقة ويظهر استعدادًا حقيقيًا للتفاوض. ومع ذلك، فإن التجربة كثيرًا ما تكون مختلفة، حيث يتلاعب الطرف الاستبدادي ويخادع، وهو غير موثوق به، فهو مثل الثعبان الذي يغير جلده ولكن لا يغير طبيعته، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه. مرة أخرى، لست معارضًا للجلوس مع الخصم والتفاوض معه، لكن هل الخصم شريف؟ وهل هو خصم حقيقي أم لا؟ أعتقد أن جميع هذه الأنظمة الاستبدادية ليست شريفة، وبالتالي يجب أن نواصل النضال ضدها، فالنضال السلمي الديمقراطي هو الوسيلة الأفضل، لأن هذه الأنظمة لا تعيش إلا بالعنف وتجرّك نحوه. وإذا لم تكن عنيفًا، فإنها ستخلق حركات مسلحة عنيفة لتستأصلك، وهذا ما قام به النظام السوري، الذي أطلق المتشددين الذين كانوا في السجون ليحملوا السلاح، وليستطيع أن يدعي أنه يحارب الإرهابيين، ويخلق ذريعة لجمع الدعم الدولي. هذا فخ يجب ألا نقع فيه، لذا النضال الديمقراطي السلمي، على الرغم من تكلفته وطوله، هو الحل.

محمد جمال هلال:

أليس من النضال السلمي أن نعود خطوة للوراء ونسأل، ما المشكلة في أن نتعاون مع السيسي أو نعترف بشرعيته الآن من أجل تخفيف معاناة وآلام المعتقلين السياسيين أو الشارع المصري؟

د. المنصف المرزوقي :

قلتُ لكَ، ان موزين القوة هي التي تحكم. السيسي لن يجلس على طاولة المفاوضات إلا إذا كان هناك تحول في الموازين وأصبحت القوى الديمقراطية والثورية هي التي تتحكم، أو على الأقل تستطيع تحريك الشارع. وفي الوقت الحاضر، هذا ليس موجودًا. وثمة مشكلة أساسية مع هؤلاء الحكام المستبدين، إنهم لا يتصوّرُون أنفسهم خارجَ السلطة، وحتى لو جلسوا معك، فإنهم في النهاية يريدون ضمان بقائهم في السلطة. ولكننا نريد نهاية الاستبداد ونهاية حكم الفرد، نريد التقدم بمجتمعاتنا نحو نظام مجالس، نحو الديمقراطية. لذا، يجب أن نستمر في النضال وألا نخطئ في الهدف الذي نسعى إليه، وهو إنهاء الاستبداد وليس فقط الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، مع تعاطفي التام معهم في مأساويهم وآلامهم.

انظمة الاستبداد التي سقطت

محمد جمال هلال:

دعني أتحدث عن قراءة لقوانين ابن خلدون في ظل معركة طوفان الآن، ولم أسألك بعد عن طوفان الأقصى الذي سنتحدث عنه لاحقًا. هل هذه القوانين مناسبة لهذا الزمن؟

د. المنصف المرزوقي يخاطب الاتحاد الوروبي

د. المنصف المرزوقي :

بالطبع، هذه القوانين تاريخية وثابتة والصراع مستمر، وفي النهاية سيؤدي إلى واقع جديد. هذه القوانين لا تتغير مع تغير الأمم، لذا يجب استثمارها لتوجيه التيار نحو الهدف المطلوب، وإلا فإن الفوضى ستسيطر.

محمد جمال هلال:

لنعد إلى منطقة الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى، والتحديات التي تواجه المنطقة العربية بعد هذه المعركة. نتحدث الآن عن واقع يريد الولايات المتحدة الأمريكية فرضه، مثل مسألة التهجير والقضاء على المقاومة وأي مشروع سياسي فلسطيني. حتى حل الدولتين لم يعد مطروحًا كما يقول بنيامين نتنياهو. ما هي التحديات والفرص؟

بعد 7 أكتوبر، كل شيء مختلف تمامًا. فالسردية الإسرائيلية قد انتهت، وكل تصوراتهم انهارت، بالإضافة إلى فقدان هيبتهم ونهاية حكاية “الجيش الذي لا يُقهر” و”الاستخبارات التي تعرف كل شيء”.

د. المنصف المرزوقي :

 دعونا نبدأ بالفرص. بعد 7 أكتوبر، لن يكون الأمر كما كان من قبل. بالنسبة لي، الأمر الأهم هو تحطيم صورة إسرائيل و سرديتها نهائيا و القضاء بكيفية رهيبة على المشروع الصهيوني، الذي هو بناء دولة في الشرق الاوسط التي ستوفر الامان والاطمئنان لليهود. لقد فشلت دولة إسرائيل في مشروعها الاستيطاني بشكل مدمر. إنها دولة تواجه الآن مشروعًا انتحاريًا، وهذا ما يثير الخطر. اليوم، اليهود مهددون سواء داخل إسرائيل أو في أي مكان آخر، لان ما فعلوه في غزة من جرائم مروعة عرتهم امام الراي العام الدولي بكيفية رهيبة.  

نعم، هذه الدولة فشلت بشكل كبير في مشروع الاستيطان، والمشروع الذي يسعى خلفه هو مشروع محكوم بالفشل، لأنه عندما يعلن بنيامين نتنياهو – هذا القائد الخطير والغبي – رفضه لحل الدولتين، يرفض بالفعل الفرصة الوحيدة التي أُعطيت لإسرائيل لتظل مقبولة تقريبًا في التسعينيات. لكنهم لم يستفيدوا منها، واستمروا في الاستيطان في الضفة الغربية، وحاصروا غزة، ويواصلون ذلك. إنهم الآن في مواجهة حرب لا تنتهي، والتي ستؤدي إلى تدمير المنطقة وتدميرهم أيضًا، وهذا ما أخشاه بشدة. ومثلما قلت من قبل، بعد 7 أكتوبر، كل شيء مختلف تمامًا. فالسردية الإسرائيلية قد انتهت، وكل تصوراتهم انهارت، بالإضافة إلى فقدان هيبتهم ونهاية حكاية “الجيش الذي لا يُقهر” و”الاستخبارات التي تعرف كل شيء”. كل هذا تغير نهائيًا من الناحية النفسية والسياسية، مما سيجبر الدول المطبعة، التي تنوي القيام بذلك، على إعادة النظر في مواقفها وحساباتها بشأن التطبيع. انتهى الأمر بالتطبيع، حتى الإمارات بدأت تظهر نوعًا من الانفصال، لأنه من الصعب عليها الآن الاستمرار في التطبيع مع نظام دمر غزة، والذي لم يعد قوة إقليمية محترمة كما كانوا يتخيلون، حتى الأن.

يتبع-

د. الحسن اشباني مدير بحث سابق بالمعهد الوطني للبحث الزراعي و صحفي مهني

المقالات ذات الصلة :

هل نجح طوفان الأقصى في الإجهاز استراتيجيا على “الحل الصهيوني” ل”المسألة اليهودية” من المسافة الصفر؟ الجزء الاول

مع الاستاذ وضاح خنفر: الحرب على غزة أحدثت ثورة في الوعي الجمعي للأمة -الجزء الاول-

مع الاستاذ وضاح خنفر: الحرب على غزة أحدثت ثورة في الوعي الجمعي للأمة -الجزء الثاني-

ملحقات

  • محمد المنصف المرزوقي : ولد في 7 يوليو 1945 في قرمبالية (ولاية نابل)، هو رئيس الجمهورية التونسية الرابع، وهو أول رئيس في الوطن العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطيا ويسلم السلطة ديمقراطيا إلى المعارض المنافس بعد انتهاء مدة ولايته، وقد اتصل هاتفيا بمنافسه وهنأه بفوزه. وهو مفكر وسياسي تونسي ومعارض سابق لنظام زين العابدين بن علي ومدافع عن حقوق الإنسان، ويحمل شهادة الدكتوراه في الطب، ويكتب في الحقوق والسياسة والفكر. هو مؤسس ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منذ تأسيسه حتى 13 ديسمبر 2011 تاريخ استلامه رئاسة الجمهورية التونسية، ورئيسه الشرفي بعد ذلك. كما أنه رئيس سابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وبعد خسارته الانتخابات الرئاسية التونسية 2014، أسس في نهاية 2014 حراك شعب المواطنين الذي انضوى فيه عدة أحزاب منهم المؤتمر. ثم أسس في 20 ديسمبر 2015 حزب حراك تونس الإرادة. كما أسس مع عدة شخصيات عربية المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية في يوليو 2014 وترأسه. شارك في أسطول الحرية 3 الذي غادر اليونان في 25 يونيو 2015 قاصدًا فك الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وعند اقترابه من المياه الإقليمية للقطاع ألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليه مع مرافقيه في الأسطول واقتادتهم إلى ميناء أشدود. بعد التحقيق معه، قامت إسرائيل بترحيل المرزوقي إلى باريس ثم عاد بعدها إلى تونس في 1 يوليو حيث استقبله المئات من مناصريه. اختارته مجلة التايم الأمريكية في 2013 من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم. وكذلك اختارته المجلة الأمريكية فورين بوليسي من بين أفضل 100 مفكر عالمي لسنتي 2012 و2013 وجاء في المرتبة الثانية في كل منهما. زوجته هي طبيبة فرنسية السيدة «بياتريس راين» التي حملت لقب سيدة تونس الأولى. وتنحدر عائلته من الجنوب التونسي (من قبيلة المرازيق من دوز في ولاية قبلي). والده هو محمد البدوي المرزوقي ووالدته عزيزة بنت كريم، وله أربعة أشقاء وسبعة أخوة غير أشقاء. نشأ في تونس والتحق من عام 1957 حتى 1961 بالمدرسة الصادقية بالعاصمة تونس. وفي سنة 1961 غادر تونس للالتحاق بوالده، الذي عمل وعاش في المغرب مدة 33 سنة وتزوج من امرأة مغربية ورزق بسبعة أبناء هم إخوة غير أشقاء للمنصف المرزوقي. درس منصف المرزوقي بطنجة حتى عام 1964، حصل خلالها على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) قبل السفر إلى فرنسا ليدرس في جامعة ستراسبورغ في كلية العلوم الإنسانية. في عام 1970 شارك المرزوقي في مسابقة عالمية للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، فازت مشاركة المنصف ليحل ضيفاً على الحكومة الهندية لمدة شهر ويتجول فيها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. في سنة 1975 سافر إلى الصين ضمن وفد لمعاينة تجربة الطب في خدمة الشعب هناك. عاد بعد ذلك المرزوقي إلى تونس عام 1979، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. شارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس قبل وقف المشروع. اعتقل في مارس 1994 ثم أطلق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا ورئيس جنوب أفريقيا آنذاك. ثم أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات بتونس في 10 ديسمبر 1998 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان بين 1997 و2000. أسس سنة 2001 حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وأعلنه «حزب مقاومة لا حزب معارضة»، وطالب بإسقاط نظام بن علي بدلا عن السعي لإصلاحه لأنه «نظام فاسد غير قابل للإصلاح»، فصدر ضده حكم بالسجن لمدة عام قوبل بضغوط دولية. ثم غادر إراديًا إلى المنفى في ديسمبر 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس. حيث بقي هناك حتى عاد سنة 2006 إلى تونس دون إذن السلطة، ودعا إلى عصيان مدني لإسقاط نظام بن علي، ولكن من شدة المضايقات سرعان ما غادر في نفس السنة إلى فرنسا ومن هناك واصل نضاله الحقوقي ومعارضته بالكتابة والمحاضرات والندوات والمداخلات التلفزيونية في تصريحات وبرامج حوارية. في مداخلة له على قناة الجزيرة في أكتوبر 2006 حول الوضع الراهن في تونس آنذاك، شدّد المرزوقي إلى اعتماد كافة أساليب المقاومة السلمية لفرض الحقوق واستعادة الحرية. ثم أعلن عن عقده العزم على العودة إلى تونس يوم 21 أكتوبر، وذلك لمشاركة التونسيين في نضالهم. وعاد إلى تونس في ال 18 يناير من سنة 2011 بعد اندلاع الثورة التونسية ورحيل بن علي عن البلاد. ثم شارك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 ممثلا عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حيث حاز على المركز الثاني ب 29 مقعدا بعد حركة النهضة التونسية، وقد حصل الدكتور المنصف المرزوقي على مقعد في دائرة نابل 2. انتخب رئيساً مؤقتاً لتونس في 12 ديسمبر 2011 بواسطة المجلس الوطني التأسيسي بعد حصوله على أغلبية 153 صوتاً مقابل ثلاثة أصوات معارضة وامتناع اثنين و44 بطاقة بيضاء يمثلون 202 عضو من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 217.
  • قائمة كتب الدكتور المنصف المرزوقي : لم يتم تحيين الموقع منذ 2014 ليشمل اصداراته الاخيرة مثل كتاب المراجعات والبدائل: أي أسس لفكر سياسي مجدّد؟ (https://moncefmarzouki.com/fr )
  • المراجعات والبدائل: أي أسس لفكر سياسي مجدّد؟ : صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المنصف المرزوقي المراجعات والبدائل: أي أسس لفكر سياسي مجدّد؟، وهو من تقديم فيصل القاسم. يتألف الكتاب من 312 صفحة. ويشتمل على ببليوغرافيا وفهرس عام.حاول الكتاب الإجابة عن أسئلة من قبيل: ما الذي يتميّز به القرن الحادي والعشرون ممّا سبقه من قرون، ومنها القرن العشرون نفسه؟ وبأيّ حقائق نتمسك؟ وهل ما زال لمفهوم “الحقيقة” معنى، حيث إنّ أكبر ما نواجه على الصعيد الفردي من التحديات اليوم هو تسونامي المعطيات وتسارع تغيّرها؟ وعلى الصعيد الجماعي، إضافة إلى جميع الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية المتلاحقة التي عرفتها البشرية على مرّ العصور، فإن أكبر تحدٍّ اليوم هو تفاقم الأخطار البيئية والوبائية إلى درجة أصبحت تهدد وجود الجنس البشري. فكيف نفهم عالمنا؟ وكيف نتعامل معه، مع العلم أنّ الأيديولوجيات الخمس الكبرى التي تتحكم في أفكارنا وأعمالنا، تبدو أن الواقع تجاوزها، وأصبحت خارج الموضوع تمامًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE