من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : ملاحظات حول شروط النجاح في الغرب


تمثل قصة النجاح الباهر الذي يحققه البعض في الغرب عموما مجالا للإعتقاد الجازم أن شروط الحياة الدراسية الناجحة متاحة و ميسرة للجميع و يغفل عن الشروط الذاتية و الموضوعية التي تتحكم في اختلاف المسار الدراسي و متطلباته في الدول الغربية عامة و أمريكا خاصة. إن هذا الإعتقاد لا يستند إلى الصحة، ذلك أن كل طالب جامعي عليه أن يغطي مصاريف الدراسة و يستكمل ما لا تغطيه المنحة الدراسية التي لا يحصل عليها إلا ذوي الدخل المحدود أو تحت عتبة الفقر، و مع ذلك فإن الطلبة غير الأثرياء يضطرون إلى الجمع بين العمل و القروض الدراسية بغية استكمال الدراسة، و الإستثناء الوحيد الذي يحظى من الطلبة بالتغطية الكاملة لمصاريف الدراسات الجامعية يعدون على رؤوس الأصابع بالنسبة لكل جامعة على حدة و يعطى هذا الإمتياز لإعتبارات سيأتي التفصيل فيه في موطن آخر لاحقا.
أما ستيف جوبز فإنه غني عن التعريف*، أنه لم يستكمل دراسته الجامعية، و هذا يمثل حجر الزاوية في الموضوع الذي نخوض فيه و نحاول أن نبين من خلاله للقارئ عامة و الذين إنبهروا بالغرب و يعتقدون أن الغرب جنة على الأرض تتيح كل شيء للطلبة الجامعيين فهم واهمون لا محالة. إن نموذج الأداء الرأسمالي الذي تتأسس عليه الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية يجعل كل جامعة تقوم على أساس أنها شركات لإستثمار الرأسمال و تختلف التكلفة المادية بالنسبة لتحصيل الدروس من جامعة إلى أخرى، و إن الجامعات الكبرى و المتوسطة لا تغطي المنحة الدراسية تكاليف الدراسة ناهيك عن مصاريف المعيشة و التنقل و شراء المراجع.
* ستيفن بول «ستيف» جوبز (بالإنجليزية: Steven Paul Jobs)؛ (24 فبراير 1955 – 5 أكتوبر 2011) كان مخترعاً وأحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة. انه المؤسس الشريك والمدير التنفيذي السابق ثم رئيس مجلس إدارة شركة آبل و الرئيس التنفيذي السابق لشركة بيكسار ثم عضواً في مجلس إدارة شركة والت ديزني بعد ذلك وحتى وفاته؛ وأثناء إدارته للشركة، استطاع أن يخرج للنور كلاً من جهاز الماكنتوش (ماك) بأنواعه وثلاثة من الأجهزة المحمولة وهي: آيبود وآيفون وآي باد.

إن ستيف جوبز لم يكن بمقدوره أن يحصل على شهادة جامعية و لكنه مع ذلك تعلم في السنتين اللتان قضاهما في الجامعة على معرفة الأبجديات الأولية في مجال تخصصه و هذا أتاح له أن ينخرط في عمل ميداني أستنفد فيه طاقاته الإبداعية، فاستطاع أن يحقق ابتكارات مذهلة غيرت مفهوم التقانة المعلوماتية، و ذلك بنقلها من حيز القاعات حيث تقبع الحواسيب إلى إمكانية نقل تقنية الويب و التطبيقات المتعلقة بها على الهواتف النقالة و أصبح بمقدور الإنسان أن يعقد الرباط من خلال شاشة الهاتف النقال إلى الإبحار في عالم المعلومات و الإشتغال بالدرس و التحليل في كل مكان يتواجد فيه شرط أن تكون تغطية الأنترنيت متوفرة.

إن الإبداع الإنساني الذي يسمح بتحقيق مخترعات جديدة هو الفيصل في هذا الموضوع، و إن شروط الحياة المادية تساعد نسبيا في استكمال منجز براءات الإختراع المتوصل إليها في الغرب مقارنة مع الدول المتخلفة التي تقع تحت الوصاية التي تمنع عمليا من تشجيع و دعم أصحاب الإختراعات و الذين لا يجدون من يحتضنهم بالدعم و إخراج مبتكراتهم إلى الوجود.

و هذا حال العالم الإسلامي حتى اليوم إلى درجة أنه أصبحنا نسمع أن هنا – العالمين المتخلف و الإسلامي – ليس فيه سبيل لدعم الموهوبين و العباقرة و الإستثناء وارد، و لا غرابة أن نجد هجرة الأدمغة ؛ و هم بناة الحضارة المادية في الغرب و الشواهد على ذلك يمكن الوقوف عليها عن كثب، و للإطلاع على أمثلة و نماذج يرجى الرجوع إلى ” مغتربون ” على اليوتوب لاستيفاء هذه المعلومات القيمة.
و الله غالب على أمره
يتبع
ذ. سليمان شاهي الدين باحث / كاتب / ناقد
لمزيد من كتابات ذ. سليمان شاهي الدين :
الاستاذ سليمان شاهي الدين : الوعي أفقًا للتحرر-dr-achbani.com
الاستاذ سليمان شاهي الدين:ما العمل من اجل اقلاع حقيقي لوطننا (dr-achbani.com)
الاستاذ سليمان شاهي الدين : مطارحات عقلانية للفكر الحر (dr-achbani.com)
مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : آفاق القراءة إلى أين ؟ (dr-achbani.com)