من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : أزمة خطابة الجمعة


أزمة خطابة الجمعة
تعد الخطب التي تلقى يوم الجمعة فوق منابر المساجد سواء في العالم الإسلامي أو بلاد المهجر المتناثرة عبر أقطار العالم غربا و شرقا أحد الشعائر الأساسية و الملزمة لحضور المسلمين إليها. بل إن الله سبحانه و تعالى رغب في هذه العبادة و أنزل بشأنها من فوق سبع سماوات سورة الجمعة تتلى حتى يوم القيامة. إذا كانت هذه الخطب تلقى باللغة العربية، فإن الترجمة الفورية تكون متاحة عبر أدواتها التي توزع على غير الناطقين باللغة العربية. و إذا كان الإمام يتقن اللغة المتحدث بها في بلد المهجر فذلك أفضل، غير أن الخطبة من حيث هي درس ايماني يجدد فيه المسلم ايمانه بالله سبحانه و تعالى و يتبع من خلاله هدي الرسول صلى الله عليه و سلم بالمعنى الذي يفيد أن المسلمين قاطبة ملزمون بان يقتربوا من النموذج و المثال المعبر به بصيغة فاعلة كونه عليه السلام ” قرآن يمشي على الأرض “.
إن السؤال الذي يطرح نفسه و لقد قطعنا بضع خطوات في الألفية الثالثة و ما يزال حالنا في المساجد أقل فاعلية إن لم نقل بأن دور المسجد الأساسي في بناء الأمة قد تم تعطيله إلى أجل غير مسمى. هل تستوفي هذه الخطب التي تلقى على منابر المساجد في العالم بأسره على تنوعها شروط إلقائها في جمهور المسلمين ؟ و هل الخطباء لهم الأهلية الشرعية و العلمية التي تثبت كفائتهم للنهوض بهذه الأمانة التي تنوء الجبال على حملها ؟. ألا يشكل فهم الواقع و الإحاطة بالوعي التاريخي أحد الشروط للإمامة في المساجد علما أن المسجد يشكل المركز التعليمي و التربوي الذي يسدد الخلل و يتدارك مواطن العطالة و يعيد إحياء همم الشباب الذي هو ركيزة كل أمة سواء بطلب كل من العلم الشرعي و العلوم الدقيقة التي تسمح بالتمكن الدقيق من معرفة السنن الناظمة للطبيعة و المجتمع و الإنسان. و هذا هو الأساس الذي يسمح بإعداد الأدوات الضرورية الأكثر نجاعة التي يجب توظيفها في بناء العمران البشري بشكل سليم ؟
من المحزن جدا جدا أن تتوالى أيام الجمعة عبر السنين و العقود المتعاقبة و لا نسمع من الخطب التي تلقى علينا هنا و هناك إلا ما يؤسف و يجعلنا نخجل من أنفسنا عندما تضعنا معظم هذه الخطب خارج مقاصد الشريعة و تقتصر على التقوقع حول خطاب يفتقر لمنهاج تربوي و تعليمي يوجه العقل و الفكر إلى القدرة على الربط بين السلف و الخلف عبر المعادلة الثلاثية ” الماضي و الحاضر و المستقبل “
من المحزن جدا جدا أن تتوالى أيام الجمعة عبر السنين و العقود المتعاقبة و لا نسمع من الخطب التي تلقى علينا هنا و هناك إلا ما يؤسف و يجعلنا نخجل من أنفسنا عندما تضعنا معظم هذه الخطب خارج مقاصد الشريعة و تقتصر على التقوقع حول خطاب يفتقر لمنهاج تربوي و تعليمي يوجه العقل و الفكر إلى القدرة على الربط بين السلف و الخلف عبر المعادلة الثلاثية ” الماضي و الحاضر و المستقبل “، و التي تستوجب فهم الميراث الحضاري للمسلمين في العقيدة و المعاملات و بناء الأمة و هي تشكل قضايا مفصلية و هي الأمانة التي لا يجب أن يتولاها إلا من هو أهل لها. و لهذا، فإن الخطابة في المساجد لا يجب أن تعطى إلا لمن لديه الكفاءة على الجمع بين العلم الشرعي و القدرة على توظيفه بشكل ايجابي في الحياة العامة و مرافقها المتنوعة. و لهذا فإنه أصبح من الضروري حتى نتدارك السير مع الثورة السائلة للحضارة المعاصرة أن نقطع مع الإعتقاد الفاسد بأن العلوم الشرعية هي التي تقرب الإنسان إلى الله و أن أجر ذلك عند الله أكبر من الإهتمام بدراسة العلوم الدقيقة و التطبيقية بالرغم من كونها هي الأساس الذي تبنى على أنقاضها الحداثة و مستحضراتها التكنولوجية التي لا تخلو حياتنا اليومية من استعمالها و إقتناء أدواتها. كيف يعقل الحديث عن أفضلية دراسة العلوم الشرعية و الإدعاء على أن دراسة علوم الحياة أقل شأناً و أهمية في الحياة الإنسانية، و القرآن الكريم يستهل الله نزوله بكلمة إقرأ و يتضمن مجمل التنزيل على ضرورة النظر في الكتاب المنظور / الطبيعة حيث يحث الله سبحانه و تعالى الإنسان على السير و النظر كيف بدأ الخلق و كيف أبيدت الحضارات القديمة ؟ ألا تدخل هذه العلوم ضمن العلم النافع علما بأنها أساس بناء الحضارة و مستلزمات المدنية المعاصرة بما في ذلك التطوير التكنولوجي الذي ساهم في الحد من شقاء الإنسان ؟
إن الدور الريادي الذي تنهض به مؤسسة المسجد يجب تفعيله و ذلك بضح روح جديدة في أوصاله و لا يكون ذلك ممكننا إلا بإعادة تأهيل الخطباء و تمكينهم من دراسة تجمع بين العلوم الشرعية و العلوم الإنسانية . لأن ذلك يسمح بالعبور من النظرية كما يقدمها الدين و العلوم الإنسانية إلى التطبيق و الممارسة التي يجب أن تكون نقلا عمليا لممارسة للفرد و الأسرة و الجماعة وفقا لأدبيات “الدين المعاملة” فضلا عن المساهمة في البناء الفكري و المادي للحضارة، و هذا الباب يحسم فيه التخصص. لاشك أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يستعين بالمشورة لتحقيق غايات آنية و ملحة و لم يكن ذلك ممكننا إلا بالتنزيل العملي لآخر الحيل النظرية و العملية التي تؤتي أكلها و كذلك كان دور سلمان الفارسي رضي الله عنه في اقتراح الخندق كدرع واقي للمدينة كخطة عسكرية و تكتيك استراتيجي لحماية المدينة ، أما إستعمال المنجنيق فكان أحد أشكال الإنفتاح على التقنية العسكرية التي يجب تنزيلها في خوض المعارك و دك حصون الأعداء.
إن المعركة الحضارية التي يواجهها المسلمون لايمكن الخروج منها بالإقتصار على الخطب التي لا تبث في قضايا الحياة المعاصرة. و هذا معناه أننا لا يمكن أن نخوض هذه المعركة إلا بأدوات و أسلحة هذا العصر و هي المتمثلة في العلوم الدقيقة و تطبيقاتها في الطب و الهندسة و الإقتصاد و الزراعة و التقانة المعلوماتية و الصناعات الإلكترونية الدقيقة و توظيف العلوم الإجتماعية و النفسية في بناء الإنسان و الأسرة و الجماعة و الدولة.
إن المعركة الحضارية التي يواجهها المسلمون لايمكن الخروج منها بالإقتصار على الخطب التي لا تبث في قضايا الحياة المعاصرة. و هذا معناه أننا لا يمكن أن نخوض هذه المعركة إلا بأدوات و أسلحة هذا العصر و هي المتمثلة في العلوم الدقيقة و تطبيقاتها في الطب و الهندسة و الإقتصاد و الزراعة و التقانة المعلوماتية و الصناعات الإلكترونية الدقيقة و توظيف العلوم الإجتماعية و النفسية في بناء الإنسان و الأسرة و الجماعة و الدولة. لا شك أن الخطابات التي تلقى على منابر المساجد و لم يكن لها باع في العلوم الدنيوية لا تستطيع أن تتقدم قيد أنملة في المساهمة في بناء الشخصية المسلمة المعاصرة التي تتمتع بالكفاءات العلمية و التطبيقية الضرورية في فهم الظواهر الطبيعية و الظواهر الإجتماعية على حد سواء.
إن جميع التخصصات المهنية بما في ذلك حتى الجامعات و المعاهد البحثية و العلمية تستدعي دورات تكوينية للتأكيد على التكوين المستمر بوصفه عملية تحيين / update دورية ضرورية لمواكبة تطورات البحث العلمي و التقدم المضطرد الذي يحدث في كل حقل معرفي على حدة، و بناء على مبدأ التتبع لتجويد الحياة المهنية و العملية في جميع القطاعات و الميادين، فإن إمامة المساجد و على رأسها مهمة الخطابة يوم الجمعة يجب أن تكون خاضعة بدورها لهذا التّحيين /update، هذا فضلا على ضرورة تغيير منهاج التكوين الذي على ضوئه يتم تكوين الخطباء و الأئمة حتى يكونوا على قدر كبير من الكفاءة في الجمع بين القيم الأخلاقية الإسلامية و القدرة على تنزيلها و تصريفها في الممارسة العملية لعموم الناس، و هو ما يسمح بالرفع من الوعي المجتمعي و التاريخي. و ذلك هو شرط تحقيق النهضة و الإقلاع الحضاري الإسلامي .
سليمان شاهي الدين – يناير 2023