من امريكا، مع ذ. سليمان شاهي الدين : الثقافة العالمة مدخل إستراتيجي للتحرر


إن كل مهتم بالشأن الإسلامي ملزم بأن يعمل في أفق تعبيد الطريق لإعادة بناء الحضارة الإسلامية ؛ بماهي بديل تاريخي يستجيب ليس فقط لبناء العمران البشري على أساس الشريعة الإسلامية التي إرتضاها الله سبحانه للعالمين ، بل لأنه يكفل بدون منازع و بنزاهة فائقة حقوق غير المسلمين حتى ينعموا بحياة تقوم على أساس تكريم الإنسان بغض النظر عن فصله و أصله و لونه و دينه و ثقافته ، و هذا هو بالذات المعنى الحقيقي للآية الكريمة : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” *
إن هذا المسعى الحضاري رسالة ملقاة على عاتق المسلمين وحدهم دون غيرهم من الشعوب و الأمم ، لا لشيء إلا لأنهم لا يسعوا في الأرض فسادا و هلاك الحرث و النسل ، و لقد شهد التاريخ الحديث و المعاصر كيف تحولت الدول الغربية من دول إستعمارية ، إرتكبت من المجازر و الإبادة الجماعية لأقوام بدون رحمة و لا شفقة ، و ما تزال حتى اليوم عبر النظام العالمي / الميگاأمبريالي تستعبد الشعوب و تثير القلاقل من وراء حجاب و تشعل فتيل الحروب لتبيع السلاح و تعيد خرائط سياسية على المقاس الذي يسمح لتكون الصهيونية العالمية ممثلة في إسرائيل الخازوق الذي يعلق فيه مسلموا المشرق العربي و تنتهك حرماتهم في أفق بناء إسرائيل الكبرى .
لقد تداعت حقا كل أمم الإستكبار العالمية ضد الشعوب الإسلامية و ساعدها على ذلك كل الأنظمة القائمة في ربوع العالم الإسلامي بماهي أنظمة عميلة سليلة الإستعمار و الحاكمة بالنيابة عن الغرب ، و هذا من شأنه أن يحول دون سن سياسة الإكتفاء الذاتي في الفلاحة و الصناعة و التعليم و الصحة و الإعلام ، إن رهان الإبقاء على تخلف الأمة الإسلامية يأتي من توصيات النظام العالمي و إجراءاته العلنية و السرية التي تهدف إلى نسف كل محاولة للإنعتاق من براتن الإستعمار غير المباشر الذي يمسك بقبضة من حديد على مصير الشعوب الإسلامية ، و إن الإنقلابات سواء الناجحة / مصر و الفاشلة / تركيا و الحرب الأهلية في اليمن و سوريا و ليبيا ماهي إلا التطبيق العملي لسياسة فرق تسد و الحيلولة دون قيام نظام ديمقراطي أو دولة إسلامية .
إن دور المثقف و الإمام و الدارس الأكاديمي يجب أن يجتمعوا في رسم خريطة الطريق التي تقوم على الإعداد للدخول في المعترك الحضاري بإستراتيجيات علنية و سرية قادرة على كسب الرهان الحضاري و تحقيق التحول من التخلف و التبعية إلى التقدم و الإستقلالية ، و يمكن لنا على سبيل المثال لا الحصر أن نستأنس بالتجارب الرائدة لكل من ماليزيا و تركيا و سنغافورة بوصفها تجارب حققت الرفاه المادي و التطور الإقتصادي و الإجتماعي و الإستقلال عن القطب الغربي بماهو آلة إستعباد لجماهير شعوب العالم الثالث و إستنزاف مقدراتهم المادية و التعتيم على إمكانية تحقيق التقدم .
إن بناء المشروع الحضاري الإسلامي لا يقوم إلا بوصفه النقيض المباشر للمشروع اليهودي و الصهيوني و الميگاأمبريالي ، و عليه فإن القضية الفلسطينية و القضية الإيغورية ( تركستان الشرقية ) و القضية الأحوازية والقضية الكشميرية و القضية البورمية كلها قضايا إسلامية لابد للمسلمين أن يتكاثفوا لحلها إن عاجلا أو آجلا .
إن أول الجبهات التي يجب البلاء فيها بشكل متميز و على أساس منهجي و علمي و إستدراكي للمدخلات و المخرجات الأكثر نجاعة تتمثل في القضية الثقافية و هنا يجب تدشين مشروع إسلامي يقوم على التوعية الفكرية العالمة القادرة بكفاءة عالية على الإجابة على أسئلة العقيدة و الهوية و التاريخ و الحضارة و الثقافة و العلم بشقية الإنساني و العلمي التجريبي / الأمبريقي ، و لعل أول صدام يجب الكشف عن مغالطاته المنطقية و شبهاته التلفيقية تتمثل في الدراسات الإستشراقية قديمها و حديثها ، هذا مع العمل في ذات الوقت لتقويض الفكر الغربي في صورتيه الليبرالية الرأسمالية و الإشتراكية و جميع الفلسفات التي إنبثقت من رحم التطور الفكري للمجتمعات الغربية ، مند أن إستأنفت مشعال التحضر على أساس قيادة العالم على ضوء مصالح تعصف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية و على أساس الإختلاف الفكري و الثقافي و الحضاري ، و لا شك أن عملا من هذا النوع هو بالأساس عمل يرمي للكشف عن الجهل المقدس الذي يذاع سرا و علانية عبر المناهج الدراسية و الإعلام الممنهجين من خلال أجندات و توصيات يتم تنزيلها من طرف حكومات العالم الإسلامي بالنيابة عن النظام العالمي القائم ، و إن خط التماس و مقارعة الخصوم في الداخل و الخارج يقوم بفضل العمل التوعوي ؛ الذي يجب أن يكون مستمرا و موازيا لكل ما يجري في الآن و الهنا في كل البلاد الإسلامية .
———-
- آية ١٣ سورة الحجرات
يتبع
١٠ نونبر ٢٠٢٠