مع د. حسناء الشريف الكتاني : “ان الدارجة تفقد قيمتها كليا إذا خرجت عن نطاق الاستعمال الشفهي وانتقلت لمرحلة الكتابة”


تتمة للموضوع السابق، انشر هنا مقالا احتفظ به والدي أ.د علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله (الصورة اسفله مع جدي بمكة) بين أوراقه، والمقال لصديقه المفكر الكبير أ.د المهدي المنجرة رحمه الله (جريدة المساء) تحت عنوان: (لم يعد الاستعمال المكثف للدارجة بريئا فنحن أمام مخطط يسعى للقضاء على العربية). و كما قلت “شفى غليلي وكأنني وقعت على كنز….”

يقول المفكر الكبير أ.د المهدي المنجرة رحمه الله :

لا بد في البداية من الإشارة إلى أن الدارجة الحقيقية كان لها دائما مكان في الفن والزجل والشعر والملحون فالدارجة مثل التوابل بالنسبة إلى هذه الأجناس الفنية، لأنها تطلق انسجاما كبيرا بين المذيع والمستمع. طبعا إذا كان الأمر يتعلق باتصال مباشر، لذلك أقول إن الدارجة هي للتواصل اليومي الخارج عن نطاق كل ما هو رسمي،
أما العربية الفصحى فهي وجدت أساسا للكتابة أو إلقاء الكلمات في أوساط معينة. والشيء الأكيد هو ان الدارجة تفقد قيمتها كليا إذا خرجت عن نطاق الاستعمال الشفهي وانتقلت لمرحلة الكتابة. واعتقد أن التفسير الوحيد للاستعمال الرسمي المكثف للدارجة في وسائل الاعلام و عبرها من المناسبات الرسمية هو اننا الآن أمام حركة استعمارية ثقافية. فالاستعمار يغزونا بشكل متواصل، فعندما نرى محطة تلفزية كدوزيم او ميدي1 تذيع أخبارا بالدارجة فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه المحطات هي محطات استعمارية مازالت فيها رؤوس الأموال الفرنسية تحتكر النسبة الكبرى.

فهؤلاء وغيرهم يقومون بحملة ضد اللغة العربية، وأساس هذه الحملة هو التركيز على الخلط بين الثقافات، نحن تعلمنا أكثر من ثلاث لغات، لكننا لا نخلط أبدا بين الاشياء، وإنما نتعامل مع لغتنا الأصلية واللغات المكتسبة حسب الظروف ولا نسعى أبدا إلى إدخال كل ما تعلمناه من لغات في صراع يهدف إلى انتصار ما هو خارجي على ما هو محلى وطني.
فالذين يمزجون في جملة واحدة ما بين الفرنسية والعربية حيث يبدؤون الجملة بكلمة عربية وينهونها بالفرنسية يقصدون فعل ذلك، انها عملية مقصودة تدخل في إطار حملة مغرضة للقضاء على اللغة العربية.
إن اللغة العربية لها وظيفة خاصة، فهي لغة القرآن.. لغة مكتوبة بالحرف القرآني، أكيد أنها تطورت، لكنها تبقى من اللغات الوحيدة في تاريخ الإنسانية التي لها مقام ولها مرجع من الناحية الروحانية والتاريخية، فهي لغة التوحيد، ليس بمعناه الروحاني، لكن المقصود أنها توحد بين الأعضاء، فمثلا مقال صادر بجريدة مغربية يمكن أن يفهمه جميع العرب في موريتانيا وسوريا وتـونـس…….لأن العربية فعلا لغة التواصل.

والتواصل نوعان، التواصل الذي يحتاج للغة التوحيد، وهناك التواصل الذي يقبل التعددية التي لها قيمة. أنا لست ضد الدارجة لكن ضد المقاصد غير البريئة من توظيفها. الدارجة لها مكانها ودورها في تحقيق التواصل الشفهي، لكن إذا تعلق الأمر بخطاب تلفزي أو إذاعي أو مكتوب، لابد من احترام اللغة العربية التي وجدت أساسا للعب هذا النوع من التواصل.
مشكلة تعويض الدارجة للعربية، فإننا غدا سنكون أمام مشكلة حقيقية، إذ سنكون مجبرين على تقبل احتجاج المراكشيين على استعمال لهجة الطنجاويين، وثورة المكناسيين ضد استعمال لهجة الوجديين. وهكذا دواليك …إننا أمام توجه مدروس ومقصود يسعى إلى تركيز العنصرية، فمثلا عندما يسمع شخص من مراكش مذيعا يتحدث باللهجة التطوانية، فإن ذلك يجعله يشعر بالإهانة والعنصرية.. نحن أمام خطة تهدف إلى القضاء على اللغة العربية القرآنية، إنه جزء من الحرب الحضارية التي تهدد كياننا اللغوي الآن.


في عهد الحماية كانت الدارجة تدرس في الثانويات وكانت هناك كتب وأساتذة يدرسون الدارجة والعديد منهم كانوا يشتغلون لحساب المخا**برات ومنها انتقلوا إلى التعليم، وكان من الصعب بما كان اجتياز امتحان الدارجة في الباكالوريا، لأنها ليست للعمل الأكاديمي والكتابة ولكن للتواصل اليومي فقط، إذن كان هناك قصد في عهد الاستعمار من استعمال الدارجة وتعميمها من أجل إبعاد الناس وصرفهم عن اللغة القرآنية.
أكيد أن الدارجة مهمة، وهي تترقى بترقي ثقافة الفرد، لكن يبقى لها دورهـا المحـدد. وأنـا مـع الـتـبـسـيـط فـي اسـتـعـمـال الـلـغـة العربية، أي التكلم بلغة عربية منقحة..فاللغة هي التي تعلي الناس لا أن تنزلهم إلى أسفل سافلين والدارجـة أيضا هي إنتاج وإبداع وخلق، لكن المقاصد تختلف.
أكيد أن هناك جهة معينة تدعم هذا التوجه، فالدعم يأتي من كل حدب وصوب، وأغلب دور النشر المغربية لا تنشر الكتب الصادرة بالدارجة، ثم إن لا أحد قدم لهم كتابا من هذا النوع من أجل نشره وتعميمه.
والأكيد أن الكتب الصادرة بالدارجة تمول من الخارج وتطبع هناك لتوزع هنا أو تعمم عن طريق الانترنيت. إنه الاستعمار الثقافي الذي يغزونا يوما بعد يوم، فوزارة الثقافة التي لدينا الآن ليست وزارتنا، ولكنها تلعب دور السفارة الفرنسية والمعهد الثقافي الفرنسي والمعهد الألماني.. الذين يقومون بعملهم في الوقت الذي نغط فيه نحن في سبات عميق.
اللغة الفرنسية الآن تحتل الرتبة11 في العالم من حيث الاستعمال، أي أن العربية تأتي في مرتبة متقدمة بكثير من ذلك، أنا لست ضد الفرنسية ولكن عندما تصبح اللغة تباع وتشترى، وعندما تصبح مؤتمرات الفرنكوفونية وصية على عمليات من هذا النوع، فالأمر يستدعي وقفة تأمل.. اللغة الفرنسية الحقيقية لا تحتاج إلى مثل هذه المؤتمرات، فهؤلاء يقزمون قيمة الفرنسية ويذلونها، وهجومي على الفرنكوفونية هو دفاع على الثقافة الفرنسية الحقيقية والأصيلة التي تعاملت بها أجيال وليس الفرنكوفونية التي تهدف إلى البيع والشراء والضغط على الشعوب لمحاربة شيء آخر وليس للدفاع عن الخلق والإبداع.
أ.د المهدي المنجرة (رحمه الله)
د. حسناء الشريف الكتاني– طبيبة متخصصة في تجميل الأسنان/ تخرجت من جامعة أردنية عام 1996، قبل أن تنال دكتوراه طب الأسنان بجامعة محمد الخامس بالرباط،
مقالات الكاتبة :
من يحارب العربية فإنما يستهدف الإسلام بعينه + dr-achbani.com
د.حسناء ش الكتاني: وبيت المقدس، كي لا ننسى ن dr-achbani.com
لدكتورة حسناء الشريف الكتاني : أمي من مثل أمي dr-achbani.com