مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -7- و -8-


مرآة لإصلاح الحال.(76).
ابراهيم أعبيدي. أكادير في 13 دجنبر 2022.
صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.
7
وكما أن مبحث الغاية يمثل أساس ثبات المنطلق وتحصين المسار، فيما ننشده من قيام علم للإصلاح العام، فإن مبحث المفاهيم يمثل صمام الأمان في كشف ما يحدث من انزياح في استعمال مفردات لغة الخطاب بفعل تبدل الزمان، وتطلع أهواء الذات إلى التمرد والطغيان. فكما أن اللغة تمثل أداة لمعرفة الحقيقة بما تتيحه من إطار للفكر وصياغة للمفاهيم والأفكار، فإنها تمثل أيضا، بفعل ما تفسحه للعاطفة والوجدان، أخطر مجال للتمويه والإيهام. وبالتالي، قد تصبح وسيلة لصناعة الجهالة والضلال. لذلك، فكما أنه بدون اللغة لا يمكننا إفهام المقاصد وتبليغ الحقائق وتبادل الأفكار، فإنها قد تصبح قناعا يتنكر فيه الباطل، و تنتعش فيه أغاليط السفسطة، ومبالغات النثر وإغواء الأشعار، وكذب الإعلام، وخداع وصلات لقطات الإشهار.
وهنا مفترق الطريق بين اشتغال العلم، و تفلتات الهوى وتسرعات الظن و تسربات الايديولوجيا ورغبات الذات، في لبس الحق بالباطل، والإغرض في الكلام. فقد حرص أهل كل علم على ضبط لغته بضابط الاصطلاح، فوضعوا التعريفات والحدود والمصطلحات، درءا لما قد يحدث من تفلت في استعمال ألفاظ اللغة، أو زيغٍ في تأويلات اللسان.
وهنا مفترق الطريق بين اشتغال العلم، و تفلتات الهوى وتسرعات الظن و تسربات الايديولوجيا ورغبات الذات، في لبس الحق بالباطل، والإغرض في الكلام. فقد حرص أهل كل علم على ضبط لغته بضابط الاصطلاح، فوضعوا التعريفات والحدود والمصطلحات، درءا لما قد يحدث من تفلت في استعمال ألفاظ اللغة، أو زيغٍ في تأويلات اللسان. وإن صراع العلم والإديولوجيا قديم قدم الزمان، وما عبارة القطيعة بين العلم واللاعلم، التي أشار إليها الابستمولوجي باشلار، إلا ملاحظة لما يقع في علم هذا الزمان، من محاولة تسرب الإديولوجيا إلى محراب حقائق العلم، باستمرار.

وما عبارة القطيعة بين العلم واللاعلم، التي أشار إليها الابستمولوجي باشلار، إلا ملاحظة لما يقع في علم هذا الزمان، من محاولة تسرب الإديولوجيا إلى محراب حقائق العلم، باستمرار.
وهذا، ليس فقط لكونها نزوةً من نزوات الذات المتفلتة عند حَفَدة حضارة الرومان، وورثة ثقافة اليونان، من الذين يبحثون في حقائق العلم، عما يدعمون به أحقية وصدقية نموذجهم الحضاري، كما فعلوا بنظرية نيوتن في الفيزياء، ونظرية داروين في رد أصل الإنسان إلى الحيوان، ليدعموا النموذج والمثال، القائم على تبرير أهواء ونزوات الحيوان في سلوك الإنسان، ويطمسوا النموذج الأصيل، القائم على تحقيق سمو القيم في سلوكه الخاص والعام؛ وإنما أيضا باعتبارها إخفاء للحقيقة، وغفلة عن طلب الحق مهما كان مخالفا لما نهوى ونختار. لذا فعِلم الإصلاح، سيكون أكبر ميدان لمواجهة تسرب آفة الإيديولوجيا، وتدخلِ أهواء الذات، باعتبار اهتمامه ببيان “ما ينبغي أن يكون”، كنموذج ومثال، محفوظ فيما فطر الله عليه الإنسان من فطرة وما أودع في الكون من سنة ، ومدعوم بالعلم المحفوظ الأعلى، الذي أوحى به العليم العلام.
8
وقد وُجد عبر التاريخ الطويل لبني آدم في هذه الدار، مَن حاول استغلال الحق لدعم الباطل ولا زال. وذلك إما على سبيل قصد التلبيس والإيهام، وإما عن غفلة وجهالة وشرود بال، بفعل طول الأمد، وتحكم العادات في سلوك الإنسان. حتى أنه قد سارت بينا عبارة: “كلمة حق أريد به باطل”، سيْرَ الأمثال. كما تم تحريف نصوص الوحي عما تقصده أصلا من معان. وكذلك الشأن، بالنسبة للمفاهيم، التي درجنا على استعمال مصطلح بخصوصها خاص أوعام، للدلالة على وقائع من الأعيان، أو أحوال أو خصائص أو معان

فرغم أن المفهوم يحيل إلى الوقائع التي انبثق منها عن طريق التجريد الذهني بشكل عام، فإنه يميل إلى الارتباط بالمصطلح كلفظ على الدوام، حيث يصبح هو ما نتصوره من دلالة اللفظ الجاري في الاستعمال، عندما يطرق منا السمع أو نلفظه باللسان. وبذلك قد يختلط المفهوم بالتمثلات فيجعله ذلك عرضةً للإختلاف والضبابية في الأذهان. وعليه فإن المفاهيم تتطلب مساءلة ونقدا، بل إعادة تحديد باستمرار، وذلك من الوظائف والأعمال التي يقوم بها أي علم، من تصحيح الأخطاء في المعارف والتصورات، وتسديد الممارسة العملية باستمرار.
وإن علم الإصلاح، إن تأسس وقام، سيمثل تخصصا يتفرغ لكشف وصياغة وإنتاج المفاهيم، التي تخص المجال. وذلك مِن خلال تشريح واختبار تجارب الإصلاح، واستلهام ما يمكن استلهامه مِن تفاعلها مع ما في واقعها مِن مانع أو إمكان، و ما تدرجت فيه من مقامات وآلت إليه من أحوال، مع تتبع علاقة التصورات، في أي ممارسة للإصلاح الخاص أو العام، بما يمكن أن تُحدثه مِن جميل الآثار، أو ما تتسبب فيه مِن تسممٍ وانحراف، وما تفرزه من حماقات في المواقف والأفعال، سواء كان ذلك عن سذاجة وحسن نية أو عن مكر وخبث مع سبق ترصد وإصرار.
مرآة لإصلاح الحال.(77). صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح. أكادير في 14 دجنبر 2022.
ابراهيم أعبيدي(يتبع).