أهمية معرفة مربي التعليم الاولي لمراحل النمو لدى الطفل خاصة، ونظريات علم النفس النمو عامة. الجزء الاول


بما أننا قد انخرطنا كجمعية من جمعيات المجتمع المدني، في تدبير بعض أقسام التعليم الأولي بالمؤسسات العمومية، ونظرا لما لاحظته من نقص في تأطير المربيات من جهة، ومن قلة إلمام بعضهم الاخر بعلوم التربية وعلم النفس، وخاصة بعلم النفس الارتقائي، والذي يتطلب من المربي (ة) معرفة مراحل نمو الطفل خلال مرحلة (3-6) سنوات أي مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية، وخاصة الجوانب ( الجسدية، والنفسية، والعقلية، والانفعالية، والسلوكية …) لكي يتأتى للمربي (ة) فهم الطفل وكيفية التعامل معه. ومن هنا قررت أن اتطرق لهذا الموضوع لتنوير بعض المربيات والمربين ومساعدتهم على القيام بواجبهم على الوجه المطلوب في أفق النهوض بالتعليم الاولي وتحقيق الجودة المنشودة، خاصة وأن التعليم الأولي أصبح من الأوراش الكبرى الذي توليه الوزارة اهتماما خاصا، باعتباره من الدعامات الكبرى المساهمة في تحقيق إلزامية التعليم وضمان الجودة. ولما كان على كل تعليم أن يرتكز على الطبيعة النمائية للمرحلة التي يتم فيها استقبال الطفل أي المتعلم بصفة عامة، فإن رصدا لمختلف مراحل المظاهر النمائية لمرحلة الطفولة المبكرة يبقى أمرا مهما وأساسيا لتحقيق التناغم بين الطرائق البيداغوجية من جهة، وبين حاجيات الاطفال وإمكاناتهم النمائية من جهة أخرى. ومن هنا فإن مختلف المتدخلين ضمن بنيات التعليم الاولي وبالخصوص المربي والمربية مطالب(ة) بالوعي بهذه الخصائص النمائية والتكييف معها.
ولمعرفة الخصائص النمائية المميزة لمرحلة نمو طفل التعليم الأولي نجد دراسات متعددة مكنت من ظهور عدد كبير من النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة النمو الانساني والتغيرات التي تطرأ عليه، ويمكن حصرها جميعها في مقاربتين اثنتين صاغهما علماء النفس الارتقائي، و سمحتا بدراسة وتحديد مختلف التطورات خلال مراحل نمو الإنسان بصفة عامة، وطفل التعليم الاولي بصفة خاصة.

فهناك المقاربة الدينامية العلية، والتي صارت في اتجاه تناول المعالم النمائية المركزية التي تميز المرحلة من خلال رصد ديناميتها وبنيويتها، والتركيز على الميكانزمات السيكولوجية الاساسية التي تصبغ الشخصية، كما ركزت على العوامل والعلل الكامنة وراء تلك الدينامية وتلك التمظهرات النمائية. وسأتطرق بالخصوص إلى نظرية بياجيه” ونظرية ” إركسون ” ونظرية ” فرويد”. أما المقا ربة الثانية فهي المقاربة الوصفية. والتي ركزت على وصف مظاهر النمو التي يعرفها الطفل في هذه المرحلة والتي تطال مختلف جوانب شخصيته( الجانب الحسي- الحركي- العقلي- اللغوي – الوجداني – الاجتماعي …) ولعله هو المنحى الذي صارت فيه دراسات “أرنولد جيزل” و “اليزابيث هرلوك ” على سبيل المثال. وسأركز في موضوعي هذا على نظرية “بياجيه “، على أن أتطرق لاحقا إلى كل من “إريكسون” و “فريد” بالنسبة للمقا ربة الاولى. وكذا إلى” جيزل” بالنسبة للمقاربة الثانية.
نظرية ” جان بياجيه”

إذن فمن هو” جان بياجيه”؟ وما هي نظريته في النمو؟ و ماهي العوامل المؤثرة في النمو ، والنزعات الأساسية في التفكير عند بياجيه ؟ وبالتالي ماهي مراحل تطور الطفل بالنسبة له ؟
“جان بياجيه ” هو أحد علماء النفس التربوي، اهتم بالتحليل النفسي وعلاقته بسيكولوجية الطفل، وله نظريات قيمة في تحليل الوضع التربوي للإنسان، ومن أهم هذه النظريات هي نظرية النمو المعرفي، والتي تعتبر أن النمو عملية ارتقائية موصولة من التغيرات التي تكشف عن إمكانات الطفل. فهو يرى أن التفكير ينمو تدريجيا، لذلك ما نراه سهلا لدى الراشد يكون صعبا لدى الطفل، كونه يحتاج إلى مقدمات وحقائق أولية تعتبر متطلبا أساسيا للإدراك. ولكن قد يكون تقديم الحقائق والمقدمات الأساسية للطفل عديم الفائدة لان الطفل غير جاهز لتعلم المفهوم بعد. إذن فماهي العوامل المؤثرة في النمو حسب “بياجيه”؟

“جان بياجيه ” هو أحد علماء النفس التربوي، اهتم بالتحليل النفسي وعلاقته بسيكولوجية الطفل، وله نظريات قيمة في تحليل الوضع التربوي للإنسان، ومن أهم هذه النظريات هي نظرية النمو المعرفي، والتي تعتبر أن النمو عملية ارتقائية موصولة من التغيرات التي تكشف عن إمكانات الطفل. فهو يرى أن التفكير ينمو تدريجيا، لذلك ما نراه سهلا لدى الراشد يكون صعبا لدى الطفل، كونه يحتاج إلى مقدمات وحقائق أولية تعتبر متطلبا أساسيا للإدراك. ولكن قد يكون تقديم الحقائق والمقدمات الأساسية للطفل عديم الفائدة لان الطفل غير جاهز لتعلم المفهوم بعد. إذن فماهي العوامل المؤثرة في النمو حسب “بياجيه”؟

النضج البيولوجي : يعد من أهم العوامل التي تؤثر في طريقة فهمنا للعالم من حولنا، وهو تغير جيني موروث ضمن السلسلة النمائية التي يمر منها الطفل.
التوازن : يحدث عندما تتفاعل العوامل البيولوجية مع البيئة الفيزيقية. فكلما نمى الفرد جسديا كانت قدرته على الحركة والتفاعل مع المحيط الذي حوله أفضل . والتوازن هو المسؤول عن نمو التفكير وتطور الحصيلة المعرفية ، لذلك لابد من تمتع الطفل بالنشاط والحيوية حتى يكون قادرا على تحقيق عملية الاتزان، ولهذا يرى” بياجيه ” أن الانسان السلبي لا يكتسب المعرفة.


الخبرات الاجتماعية: يؤدي النضج الى زيادة القدرة على التفاعل مما يؤدي الى اكتساب الخبرات من الاخرين والاستفادة من سلوكياتهم. حيث أن التفاعل بين النضج والنشاط وما يترتب عن ذلك من معلومات يكتسبها الطفل تؤثر تأثيرا حاسما على مراحل نموه.
هذا باختصار عن العوامل المؤثرة في النمو. فماذا إذن عن النزعات الأساسية في التفكير عند بياجيه ؟ يحددها بياجيه في أربع نزعات :
1 – التكيف : هو نزعة موروثة حيث يميل الكائن الحي إلى مواءمة نفسه مع البيئة التي يعيش فيها. وهذا التكيف معروف لدى علماء الأحياء، ولكن الجديد لدى” بياجيه ” يتمثل في وصف التكيف وتجزئته إلى :
* التمثل أو الاستيعاب : أي تحويل الخبرات والأفكار الجديدة إلى شيء يناسب التنظيم المعرفي الذي يمتلكه الفرد. فالتمثل بهذا المعنى هو تغيير الواقع الخارجي ليتناسب مع البيئة المعرفية القائمة عند الفرد. فمثلا : الأم التي سبقت وأن علمت ابنها كلمة عصفور، فإنه يقول كلمة عصفور عندما يرى العصفور يطير. وبينما هو يتنزه مع أمه، رأى فراشة تطير، فقال لأمه هذه عصفور، إنه بذلك تمثل الفراشة، أي غير من خصائصها لتناسب الصورة التي توحي له أن كل ما يطير عصفور. *المواءمة والملاءمة : وهي نزعة الكائن إلى تعديل وتغيير في بناء العقلية وأنماطه المعرفية السائدة لكي يتكيف مع مطالب البيئة الخارجية، بمعنى أنه يتم تكيف النمط المعرفي الداخلي للفرد ليتلاءم مع عناصر البيئة. ففي مثال العصفور السابق: عندما تقول له أمه(هذه فراشة وليست عصفور) يتولد لديه معنى جديدا فيقول( ليس كل ما يطير عصفور) أي أنه يبدأ بتغيير المعاني الداخلية لديه لتتناسب مع المثيرات الجديدة التي يتعرض لها ويبدأ بتمييز العصفور من الفراشة، وهذه العملية تسمى المواءمة. فالتمثل أو الاستيعاب و المواءمة والملاءمة هما عمليتان ديناميكيتان متفاعلتان للتكيف.
2 – التوازن : هو عملية تنظيم داخلية ترتبط بمفهوم التكيف عند الفرد، ونعني به العملية التي تحفظ التوازن بين التمثل والمواءمة اثناء تفاعلهما معا. حيث يعتبر” بياجيه ” النمو العقلي أو المعرفي عبارة عن سلسلة من عمليات اختلال التوازن واستعادة التوازن في أثناء التعامل مع البيئة، وذلك باستخدام عمليتي التمثل والمواءمة بصورة متكاملة. ويحدث الانتقال من مرحلة نمائية عقلية إلى المرحلة التي تليها بصورة تدريجية نامية. وهكذا فإن الفرد يدرك البيئة من خلال البنى العقلية التي لديه. ويحدث اختلال التوازن عند الفرد عندما لا تسعفه بناه العقلية بإدراكها بشكل واضح مما يؤدي إلى عملية المواءمة ويتم ذلك باكتساب وتعلم بنى عقلية أو استراتيجيات جديدة تساعد الكائن على استعادة التوازن وهكذا يتعلم ويكتسب ويرقى من مرحلة نمائية الى أخرى .
3 – التنظيم : يرى”بياجيه”أن الناس يولدون ولديهم النزعة لتنظيم العمليات الفكرية لتصبح بنى وتراكيب معرفية، حيث تلعب هذه البنى والتراكيب دورا مهما في فهمنا للعالم الخارجي. وتشير التراكيب المعرفية لدى الطفل إلى القدرات العقلية لديه وتقرر هذه التراكيب ما يمكن استيعابه في زمن محدد. والتراكيب المعرفية تمثل الخبرات التي تم تطويرها من خلال تفاعل الفرد مع البيئة والظروف المحيطة، وتراكيب الفرد تراكمية عبر سنين حياته وقد تكون هذه التراكيب حسية إذا كانت المرحلة النمائية للفرد تقع ضمن المرحلة الحسية. وتكون رمزية إذا كانت مرحلة الفرد النمائية هي مرحلة التفكير المجرد. وكلما نما الفرد كان تفاعله مع البيئة اكثر خصوبة. واطلق “بياجيه” على هذه البنى المخططات العقلية وهي عبارة عن أنظمة منسقة من الافعال والافكار تسمح لنا بتمثيل الاشياء والاحداث ذهنيا لتصبح جزء من المكونات المعرفية لدينا. وقد قسم “بياجيه” المخططات العقلية الى قسمين : – بسيطة محدودة صغيرة كالتعرف على أنواع البضائع و – واسعة عامة كعمليات التصنيف والتركيب والتحليل.
4 – الاحتفاظ : ويعني احتفاظ الشيء ببعض خواصه بالرغم من تغيره الشكلي، وقد عبر” بياجيه” عن ذلك بقوله ” تتغير باستمرار وتبقى هي هي ” والاحتفاظ هو مفتاح العمليات الحسية ويقسم أنماط الاحتفاظ إلى خمسة :
أولا حفظ العدد : بمعنى أن عدد عناصر المجموعة يبقى كما هو حتى ولو أعيد ترتيبها (6 – 7 سنوات ).
ثانيا حفظ المادة : بمعنى ان كمية المياه تبقى كما هي حتى لو اختلف شكلها (7-8 سنوات ).
ثالثا حفظ الطول: يبقى مجموع أطوال خط ما ثابتا حتى لو قطع ورتب كيفما اتفق ( 7-8 سنوات).
رابعا حفظ الوزن : أي يبقى الوزن كما هو حتى ولو تغير شكله (9-10 سنوات).
خامسا حفظ الحجم : أي تبقى كمية سائل ما ثابتة بغض النظر عن الشكل الذي يأخذه السائل (أكثر من 10 سنوات ) بمعنى ان حجم المادة يبقى ثابتا رغم اختلاف الشكل.
-يتبع –
ذ. محمد ابركي، مدير سابق لموسسة تعليمية عمومية
مقالات الكاتب :
https://dr-achbani.com/ظاهرة-التشرميل-بين-تسويق-الوهم-والحقي/
https://dr-achbani.com/مفارقات-شباب-الأمس-واليوم-هل-هي-أزمة-مج/
https://dr-achbani.com/عيد-الأضحى-من-البعد-الديني-إلى-الإكراه/