مع الاستاذة هدى بركات : قصتي مع متلازمة داون، ألم وأمل..

مقدمة
كنت قد شاركت منذ أسابيع قليلة في بودكاست يعرف بالأمومة و تحدياتها النفسية و المعرفية و السلوكية والاجتماعية في تجربة خاصة و عميقة مع طفلتي شذى و شهد من متلازمة داون.
و قد أدركت اثناء هذه التجربة الجديدة أننا لا نملك من أمر هذه الوسائل الحديثة شيئا و أقصد هنا وسائل صناعة المحتوى النافع أو التأثير الإيجابي في الجمهور.
فنحن نخضع لمزاج عام غير منضبط لأي عقل أخلاقي او حتى إنساني، فكبسة زر من أحدهم تجعل محتواك يتدحرج أسفل سافلين في المشاهدات و الإعجاب و البحث.
و بما أننا لا نملك حقا إلا قلما و فكرة و حرقة، فإننا سنساهم بكل وعينا و إرادتنا و مشاعرنا ممزوجة بآمان عظام للدفاع عن فئة الأشخاص المصابين بالتثلت الصبغي أو متلازمة داون، لأن الدفاع عن هذه الفئة هو جزء لا يتجزأ من الدفاع عن حقوق الطفولة بشكل خاص و حقوق الإنسان بشكل عام.
متلازمة داون (Down syndrome) هي حالة وراثية تحدث نتيجة وجود نسخة إضافية للكروموسوم 21، والتي تؤثر على التطور الجسدي والعقلي للشخص المصاب بها. عادة ما يكون لدى الأشخاص العاديين زوجين من كروموسوم 21، في حين يحمل الأشخاص المصابون بمتلازمة داون ثلاث نسخ من الكروموسوم 21. وهذا يؤدي إلى وجود تغيرات في الجسم والدماغ والعقل تودي الى الصعوبة في التعلم والتأخر في التطور ..الخ.
احتفال عالمي
21 مارس هو اليوم العالمي لمتلازمة داون، يوم قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة، و بدأ الاحتفال به اعتبارا من سنة 2012. و هو مناسبة مهمة للتوعية بهذه المتلازمة و فرصة للدعم لأولياء و آباء الأطفال متلازمة داون، كما أنها محطة لحشد الإرادة السياسية و الإعلامية للانتباه لهذه الفئة، ثم هو يوم عالمي للاحتفال بالإنجازات التي راكمها بلدنا و تعزيزها وتطويرها.
تم اختيار هذا التاريخ بسبب أن المتلازمة تحدث نتيجة وجود كروموسوم إضافي على الزوج 21، وبالتالي يتم الاحتفال به في اليوم الذي يحمل الرقم 21 من شهر مارس.

حقائق و أرقام
متلازمة داون هي مرض وراثي حيث يولد الشخص بكروموزوم زائد وهذا يغير مسار تطوره الصحي والذهني. يعاني غالبية الأطفال من مشاكل صحية مثل عيوب خلقية في القلب أو الهضم كما يعانون مشاكل في التنفس و أخرى في التغذية و السمع و البصر و الكلام.
لكنها مشاكل أصبح اليوم ممكنا التغلب عليها بفضل التطور العلمي و بفضل التشخيص المبكر و التدخل الطبي.
اوروبا : وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يتم ولادة حوالي 42000 طفل مصاب بمتلازمة داون في منطقة أوروبا سنويًا، وتشمل هذه المنطقة الدول الأوروبية المختلفة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والدول الاسكندنافية والشرقية الأوروبية.
أمريكا : بالنسبة لأمريكا، فإن تقديرات تشير إلى وجود حوالي 6000 حالة جديدة من متلازمة داون في الولايات المتحدة كل عام، وتشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من 400000 شخص يعيشون في الولايات المتحدة مصابين بمتلازمة داون، في حين تتحدث الجمعية الامريكية عن 250 ألف شخص.
آسيا : تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن حوالي 52000 طفل يولدون سنويًا في الدول الآسيوية المختلفة مصابين بمتلازمة داون، ويشمل ذلك الدول مثل الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وإندونيسيا والفلبين وغيرها.
الدول العربية : من المعلومات المتاحة، لا يوجد تقرير دقيق وشامل حول عدد المصابين بمتلازمة داون في الدول العربية. ومع ذلك، تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن عدد المصابين بمتلازمة داون في هذه الدول يبلغ حوالي 1 إلى 2 في كل 1000 ولادة. و لقد اعتمدت هذه الأرقام على الدراسات والإحصائيات التي أجريت في بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر والأردن وتونس ولبنان والإمارات العربية المتحدة وغيرها. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الأرقام قد تختلف من بلد لآخر، وتتأثر بعدة عوامل مثل توافر الفحوصات الجينية والرعاية الصحية وعوامل الخطر الأخرى
كما إن الدراسات العلمية بحسب المؤتمر الخامس لعلوم الوراثة البشرية تؤكد أن المنطقة العربية من أهم المناطق التي تحتوي أمراضا ناتجة عن الخلل الوراثي أو الصبغي.
المغرب : تشير الارقام المتوفرة رسميا في المغرب ان عدد المصابين بهذه المتلازمة وصل إلى 60 ألف حالة و أنه يولد كل سنة 600 وليد يحمل هذه المتلازمة (حسب معطيات وزارة الصحة سنة 2022). في حين، وفقًا لتقرير سابق لمنظمة الصحة العالمية لعام 2011، فإن معدل انتشار متلازمة داون في المغرب يبلغ 1.1 في كل 1000 ولادة.

الدول الرائدة في الاعتناء بالمصابين بمتلازمة داون
يختلف الاهتمام بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون من دولة لأخرى ويعتمد على عدة عوامل مثل الثقافة والتقاليد والقوانين والموارد المتاحة.
ومع ذلك، فإن العديد من الدول تولي اهتماماً خاصاً بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون وتوفر لهم مصادر دعم مختلفة، ومنها:
1- الولايات المتحدة الأمريكية: تقدم العديد من الخدمات والبرامج الخاصة بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والدعم الاجتماعي. وتصل الميزانية المخصصة لدعمهم إلى مليارات الدولارات سنويًا.
و يختلف المبلغ المادي المقدم كدعم للأسر التي تربي أطفالًا يعانون من متلازمة داون، و يعتمد ذلك على الحالة الاجتماعية والمالية للأسرة والولاية التي تعيش فيها وعدد الأطفال المعوقين في الأسرة.
يوفر برنامج Supplemental Security Income (SSI) دعمًا ماليًا للأسر التي تعتني بأطفالها المصابين من خلال صرف مخصصات شهرية، ويوفر برنامج Children’s Health Insurance Program (CHIP) تغطية صحية للأطفال من الأسر ذات الدخل المتوسط الذين لا يستوفون شروط التأهيل لبرنامج Medicaid.
4- فرنسا : تعمل فرنسا على توفير الرعاية الصحية والتعليمية للأشخاص المصابين بمتلازمة داون (عددهم 50000 فرد) وتسعى جاهدة لتحسين حياتهم ودمجهم في المجتمع. وتقدم الحكومة الفرنسية دعمًا كبيرًا لهم وعائلاتهم، من خلال توفير الخدمات الصحية والتربوية المناسبة لهم.
ويعتبر قانون 2005 الذي يحمي حقوق المصابين في فرنسا من بين القوانين الرئيسية التي تحمي حقوق الأشخاص المصابين بمتلازمة داون. وتحدد هذه القوانين الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للأشخاص المصابين، وتلزم الحكومة بتوفير الرعاية اللازمة لهم. وتوفر الحكومة الفرنسية أيضًا دعمًا ماليًا للأسر (من وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الشؤون الاجتماعية والصحة، بالإضافة إلى إعانات أخرى مقدمة من البلديات والجمعيات والمؤسسات الخاصة.) التي تربي أطفالًا يعانون من متلازمة داون. كما توفر العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية خدمات دعم ومساعدة الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي والاستشاري لهم ولعائلاتهم. ويتم تنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة التي تهدف إلى تعزيز التفاعل والتواصل بين الأشخاص المصابين.
3- المملكة المتحدة: توفر العديد من الخدمات الصحية والتعليمية للأشخاص المصابين بمتلازمة داون، بما في ذلك الدعم المتخصص للأسر والرعاية الطبية المتكاملة. وتصل الميزانية المخصصة لدعم الأشخاص المصابين بمتلازمة داون في المملكة المتحدة إلى ملايين الجنيهات سنويًا.
4- أستراليا: تقدم العديد من الخدمات والبرامج الخاصة بالأشخاص المصابين بمتلازمة داون، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والدعم الاجتماعي. وتصل الميزانية المخصصة لدعم الأشخاص المصابين بمتلازمة داون في أستراليا إلى ملايين الدولارات سنويًا.
تجربة شخصية مليئة بالعبر
“المنغولي” أو “البركة” أو “الإعاقة الذهنية”، ألقاب قاسية يطلقها المجتمع المغربي على المصابين بالتثلت الصبغي، و لئن كانت أغلبية الامهات قد يرغبن في الاحتفاظ بأجنتهن الحاملين لمتلازمة داون، فإنهن يقفن عاجزات عن حماية أبنائهن ضد تنمر المجتمع، و هو ما يجعلهن عرضة لضغط كبير يرجع للاسف بالسلب على أطفالهن و يحرمهم من الاندماج المبكر في المجتمع.
“المنغولي” أو “البركة” أو “الإعاقة الذهنية”، ألقاب قاسية يطلقها المجتمع المغربي على المصابين بالتثلت الصبغي، و لئن كانت أغلبية الامهات قد يرغبن في الاحتفاظ بأجنتهن الحاملين لمتلازمة داون، فإنهن يقفن عاجزات عن حماية أبنائهن ضد تنمر المجتمع، و هو ما يجعلهن عرضة لضغط كبير يرجع للاسف بالسلب على أطفالهن و يحرمهم من الاندماج المبكر في المجتمع.
إن الآباء و تحت تأثير صدمة وجود طفل أو أكثر في الأسرة من متلازمة داون -و هو طفل يحتاج إلى رعاية دائمة من الأبوين- يعزلوا أطفالهم عن بقية الاطفال و عن بقية العالم الخارجي، و هو ما يعمق للاسف إعاقة أطفالهم و يحرمهم من التدرج مع الأقران لعبا و نموا وتفاعلا.
لذلك لا بد من توفير الدعم المعنوي أولا للآباء ثم بقية أشكال الدعم الأخرى كالعلمي و المادي و الطبي، و هذا من شأنه تقبل أكبر لهذه الفئة و رعاية أفضل لها، مما ينعكس و لا شك على جودة حياة هذه الفئة من أبنائنا.
إن الجهود المبذولة سواء من طرف القطاعات المتدخلة أو الجمعيات المتخصصة تبقى دون ما تطمح إليه… و هو ما يجعلنا ننادي بضرورة وجود تنسيق أكبر بين القطاعات المتدخلة سواء الصحة أو التعليم أو الإعلام او التكوين المهني … وفق استراتيجية واضحة جوهرها التمييز الإيجابي لفائدة هذه الفئة، ثم توفر إرادة أقوى من أجل التدخل المبكر منذ الشهر الأول للتأهيل النفسي و الحركي لأبناىنا و هو ما سيمنح لهم حظوظا أكبر لمواطنة كاملة غير منقوصة او مجتزأة و يحقق اندماجا تربويا و تعليميا و مهنيا لفئة ابنائنا من متلازمة داون يليق ببلدنا و طموحاته التنموية الواعدة.
هدى بركات
مستشارة نفسية وأسرية و فاعلة حقوقية
أم لطفلتين من متلازمة داون



