المنبر الحر

شكرا غزة التي عرت -1-: الاحتجاجات تعم أكثر من 40 جامعة في الولايات المتحدة ضد حرب “إسرائيل” على غزة

د. الحسن اشباني

في هذه المقالة الاولى من سلسلة “شكرا غزة التي عرت..”، نورد نظرا لاهميته، نص الحوار الذي أداره الاعلامي في قناة الجزيرة محمد كريشان، من واشنطن، مع الدكتور حسن منيمنه، الباحث بمعهد الشرق الاوسط و السيد تشارلز دان عضو مجلس الامن القومي الامريكيه السابق والدبلوماسي السابق بسفارة الولايات المتحدة في مصر واسرائيل :

تقديم لمنشط الحوار : منذ انطلاقها في الثامن عشر من الشهر الجاري من باحة جامعة كولومبيا في مانهاتن بنيويورك، ودائرة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية ضد الحرب في غزة تتسع يوماً بعد يوم، محدثة إرباكاً في حسابات إسرائيل ومؤيديها، لا تنفع معه وسائلها القديمة لمواجهة الخصوم، القائمة على استسهال دمج كل من يتنتقدها بمعاداة الديمقراطية وكراهية قيم الغرب. فالخصم هذه المرة ليس من الغرب فقط، بل من صميم نخبته وصفوة من فيه. فالاحتجاجات التي انطلقت من جامعة كولومبيا، امتدت خلال أسبوع واحد لتشمل نحو أربعين جامعة أمريكية، أبرزها جامعة إيموري في أتلانتا، و”جنوب كاليفورنيا” في لوس أنجليس، وكلية إيمرسون في بوسطن، وجامعة تكساس في أوستن، إلى جانب جامعات برينستون ومينيسوتا وإنديانا وجامعات أخرى. وإزاء هذا المد الرافض لمجازر إسرائيل في غزة بين النخب الأكاديمية في الولايات المتحدة، استدعى بعض مديري الجامعات الأمريكية، الذين تعرض بعضهم لاستجوابات وصفها البعض بالمذلة أمام الكونغرس في ديسمبر الماضي، استدعوا الشرطة للتعامل مع المحتجين من الطلاب وأعضاء هيئات التدريس. بينما بادرت السلطات في بعض الولايات للتحرك مسبقا لمواجهة الاحتجاجات، ما أسفر بحسب وسائل إعلام أمريكية عن اعتقال أكثر من خمسمائة طالب ومدرس حتى الآن، في عموم الجامعات الأمريكية. انتقاد إسرائيل بسبب ما تفعله في غزة والتضامن مع الفلسطينيين، أثار كذلك قلق شخصيات كبرى في هرم القرار الأمريكي، مثل رئيس مجلس النواب، الذي اعتبر احتجاجات الطلاب كراهية ومعاداة للسامية، بل وإرهابا للطلاب اليهود ومحاولة لطردهم من الجامعات، استند إليه رئيس مجلس النواب لممارسة ضغوط على رؤساء الجامعات تصل حد فقدانهم وظائفهم، إذا توانوا في التصدي للاحتجاجات الطلابية أو قصروا في القضاء عليها. طلاب وأعضاء هيئة تدريس من اليهود المشاركين في الاحتجاجات، فندوا ادعاءات رئيس مجلس النواب بشأن طبيعة الاحتجاجات، بل واعتبروها محاولة لتشويه صورة المحتجين، تضر بقضية السامية ولا تخدمها. موقف عبر عنه في موقع آخر السيناتور بيرني ساندرز، ولكن في مواجهة رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي وصف احتجاجات الطلاب الأمريكيين بأنها معاداة للسامية تشبه تلك التي شهدتها ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي، متهما الطلاب باختطاف الجامعات الأمريكية والسعي إلى تدمير دولة إسرائيل والتعدي على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليهود. ادعاءات اعتبرها السيناتور ساندرز محاولة للاختباء وراء مفهوم معاداة السامية، وتعصبا مثيرا للاشمئزاز بحسب وصفه، وإساءة لذكاء الأمريكيين الذين يحاول نتنياهو خداعهم، بإخفاء مجازر حكومته المتطرفة، بحسب ساندرز، التي قتلت أربعة وثلاثين ألف فلسطيني في غزة وجرحت ما يقارب الثمانين ألفا، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال.

اليكم نص الحوار الذي أداره الاعلامي محمد كريشان من واشنطن مع الدكتور حسن منيمنه، الباحث بمعهد الشرق الاوسط و السيد تشارلز دان عضو مجلس الامن القومي الامريكيه السابق والدبلوماسي السابق بسفارة الولايات المتحدة في مصر واسرائيل :

نص الحوار

الاعلامي محمد كريشان : السيد منيمة، الاحتجاجات في امريكا ضد الحرب ليست جديدة ان تصل الى الجامعات وبهذا الشكل ما دلالته؟

د.حسن منيمنه : الحقيقة، هو تهديد خطير للسردية المهيمنة المؤيدة لاسرائيل والتي سعت مختلف الجهات التي تؤيد هذه السردية وتؤيد اسرائيل، الى تحصينها و المحافظه عليها منذ ان ابتدات الحرب الاسرائيلية على غزة، ولكن ما يحدث في الجامعات هو دليل على ان هذه السردية اليوم لم تعد السر ردية القاضية اي التي تفرض نفسها. هناك قيم في هذا المجتمع المؤمنة بالوقوف مع الحق ومع المظلوم، بالرغم ان السردية المؤيدة لاسرائيل تسعى دائما الى تصوير اسرائيل على انها هي الضحية وهي التي تشبهنا وهي التي تدافع عن نفسها، واذا كان ثمة من يعتدي على اسرائيل، فلسبب واحد لانها يهودية وليس لانها اقدمت على اي شيء. كل هذا لم يعد بالامكان المثابرة عليه، ما يقوله هؤلاء الطلاب هو أن هناك حق للفلسطينيين بالحياة و بالكرامة وبالحريه وبالتالي هذه الحقوق التي هي مغيبة نتيجة العدوان الاسرائيلي، لابد من الوقوف الى جانبها. خشية اصحاب السردية المؤيدة لاسرائيل هي بأن هذا الكلام الذي يبتدئ اليوم في الجامعات بهذا الشكل القوي سوف يتسرب الى تلك الاوساط التي تعول عليها اسرائيل لتأييد في الولايات المتحدة. انا هنا لا اتحدث عن حتى هذا الجمع الواسع من الامريكيين الذين ينظرون الى ما يجري ليس فقط يستغربون ولكنهم يريدون ان يصدقوا بان قيادتهم اي الرئيس بايدن ومن معه هم اصحاب اخلاق وبالتالي فان ربما لموقفهم ما يدعو الى ذلك، هؤلاء اصبحوا يدركون اليوم بان بايدن متورط، لان ما يقوم به الطلاب هو تحديدا التاكيد على ان المسالة ليست كما يصورها الاعلام الغالب، ليست كما تصورها الادارة، بل المسالة مختلفة. محاولة التحصين هذه ابتدات بتجاهل ما جرى في الجامعات اولا، وعندما لم يؤدي ذلك الى نتيجة، انتقلنا من التجاهل الى الشيطنة اي انهم يعادون اليهود، وعندما خرج الطلاب الامريكيين اليهود وقالوا لا، نحن معهم، وعددهم في هذه في هذه الاعتصامات يتعدى حجمهم في المجتمع، اصبحت المسالة اليوم هي السعي الى القول بان هؤلاء شباب مضللون او شباب مشتتون الى ما هنالك.. الهجمة مستمرة لمقاومتهم، ولكن كلما قوموا كلما راينا المزيد من الزخم في اوسطهم.

الحكومة الايرانية دعت الحكومة الامريكية بضرورة احترام حرية التعبير والتجمع في امريكا (جراء القمع الذي تواجه به مظاهرات و اعتصامات الطلبة في 40 جامعة امريكية)،

الاعلامي محمد كريشان : ربما هذا ما ذكرته الان سيد منيمنه هو الذي اثار استغراب الكثيرين. هنا نسأل سيد دان، عادة هذا النوع من التعاطي سواء السياسي او الامني مع الطلاب تاتينا من دول توصف بالمتخلفة، دول توصف بغير الديمقراطية، الشيء الذي جعل ليس فقط امنستي انترناشنال تطالب السلطات الامريكيه بتعامل افضل وبحق الطلاب في التعبير وفي التظاهر حتى الحكومة الايرانية دعت الحكومة الامريكية بضروره احترام حرية التعبير والتجمع، اليس هناك مفارقة غريبة؟

تشارلز دان : نعم هذه مفارقة حقيقة، وهي تخدم الاغراض، طبعا هم يحاولون الدفاع عن موقفهم داخل بلادهم، لكن انا ايضا ادرس في جامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن دي سي التي تشهد ايضا احتجاجات منذ يومين، ونفس الشيء يحدث في جامعة جورج تاون التي تخرجت منها بحيث باتت محل احتجاجات، وهذه الحركة الاحتجاجية تضخمت بشكل هائل منذ ان بدأت جامعة كولومبيا بازاحة المحتاجين بالقوه مستخدمة الشرطة من مكان اعتصامهم. اعرف كثيرين من هؤلاء الطلبة وأحترم تماما حقهم في التعبير، واعتقد انهم محقون من حيث رفضهم لما يحدث في غزة وان يقفوا دفاعا عن حقوق الانسان للشعب الفلسطيني ويجب ان يفعلوا المزيد من ذلك. وعملهم هذا مثير للاهتمام على الوعي السياسي او الضمير السياسي الامريكي، لكن مع ذلك هناك حوادث معاداة للسامية تظهر هنا وهناك وكانت هناك تقارير رايتها منشورة حيث يتم بعض الطلبة اليهود يتعرضون للدفع وما الى ذلك، او بعض التصرفات التي يمكن ان توصف بانها معاداة للسامية. اعتقد ان على المحتجين ان لا يغيب هذا عن اذهانهم. لانني اريد ان أوضح نقطة هنا وهي أن في الاوساط المحافظة في الولايات المتحدة، محاولات ايضا لاظهار كل مظاهرة احتجاج ضد اسرائيل على انها معاداة للسامية، هذا امر ينبغي ان نرفضه، لان الامر ليس كذلك. بامكانك ان ترفض ما تقوم به اسرائيل دفاعا عن حقوق الانسان في غزة وفي الضفة الغربية ايضا والتي اصبحت جبهه اخرى في هذه الحرب، بامكانك ان تفعل كل ذلك من دون ان تكون معاديا لليهود ولا حتى معاديا لاسرائيل بمعنى معين. وطبعا هذه الامور تضيع في خضم الجدل السياسي الامريكي حاليا.

الاعلامي محمد كريشان : وربما ما ذكرته الان ينسجم مع ما قاله اليوم بلينكن وزير الخارجية الامريكي لسي ان ان : “ندافع عن حق الامريكيين في التظاهر ولكن الاحتجاجات في حد ذاتها ليست معادية للسامية وان كانت هناك فيها بعض الحالات التي فيها بعض معاداة السامية”، هناك مسالة أيضا مهمة دكتور منيمنه، فقد نقلت نيويورك تايمز اليوم عن روبرت مكوجي وهو أستاذ جامعي منذ فترة طويلة والف كتابا عن تاريخ جامعة كولومبيا قوله : “اذا تم التعامل مع الازمة بشكل سيء، فان ذلك يمكن ان يساهم في تفاقم ازمة الثقة في الجامعات باعتبار الجامعات هي محرك التقدم الاجتماعي، التي تعد الاجيال المقبلة لمواجهة التحديات الاكثر الحاحا في العالم”، هل هناك شعور عام بمثل هذه القضية التي اشار اليها هذا الخبير؟

د.حسن منيمنه : نعم بالتاكيد لانه ثمة انفصام جديد على مستوى الولايات المتحدة بالاضافة الى الانفصام الذي كان قائما نتيجة حروب الثقافة في هذه البلاد ثم انفصام جديد يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدا بين الشرائح الشبابية و الطلابية والاقليات العرقية والعديد من الجاليات من أصول عربية واسلامية من جهة وبين الشريحة الحاكمة المهيمنة على الحكم. عندما يصدر مجلس النواب قانونا يساوي بين معاداة الصهيونية و النقد للصهيونية حتى، والعداء لليهود، وكانهما واحد، في حين ان هؤلاء الشباب وكل من يطلع على ما يجري في فلسطين في غزة بين اسرائيل وفلسطين يدرك تماما بانه هناك ثمة فارق كبير بين الاثنين. عندما تصبح الدعوة في الولايات المتحده الى دولة يتساوى فيها الجميع مسلمين ومسيحيين ويهود، تصبح هذه بحد ذاتها عندما يتعلق الامر بفلسطين واسرائيل بغض النظر عن اذا كانت ممكنة ام لا تصنف على انها معاداة لليهود وللسامية، نرى بان هذه الفجوة بين ما يدعو اليه هؤلاء الطلاب وبين ما تصر عليه الجهات الرسمية وتتشدد به، عندما يصبح نقد اسرائيل محرما بموجب قوانين في العديد من الولايات، بما في ذلك مقاطعة اسرائيل محرمة، في حين ان المواطن الفلسطيني له حقوق دستورية تتجاوز ذلك، نرى بان هذا الشرخ قائم. ان تعامل النخبة مع هذه الفئات الشبابية والشعبية هو تعامل يؤدي حقيقة الى تحدي الثوابت في الولايات المتحده، هذه الثوابت التي تتجلى في الحق في التعبير، الحق في المقاطعة، الحق في الاختلاف، الحق في قول ما هو اذا شئت مؤذي حتى كلاميا. علينا ان نعتبر بان هذه الظاهرة ايجابية، ولكن القول بأن هناك جوانب معادية للسامية، لا ، واقع الامر بان هناك بعض الشواذ في بعض الاماكن قد يكونون من الناشطين أو من المندسين لا فارق، طبعا اذا كان ثمة اجرام، لابد ان يلاحق لابد ان يعاقب، اذا كان ثمة اعتداء لابد من ملاحقته. ولكن ربط هذه الاحتجاجات تلقائيا بان هناك ظواهر عند هامش الهامش، ظواهر شاذة، هذا امر حقيقة يؤدي الى المساواة بين واقعين، وهذه المساواة ليست صائبة، واقع الاعتراض الشعبي الجمهوري من جانب هؤلاء الطلاب على ما يجري في فلسطين وواقع بان هناك رغبة بلجمهم، هذه الرغبة تعتمد على هذه الحالات الشادة وتضخمها وتصورها على انها هي المعيار.

الاعلامي محمد كريشان : صحيح خصوصا ان حتى بعض الطلبة اليهود نفوا حدوث مثل ذلك. سيد دان، هل تعتقد بان دخول السياسيين على الخط زاد في تعقيد المشهد عندما ياتي رئيس مجلس النواب ويتحدث بلهجة فيها الكثير من التحدي للطلبة، اكثر من ذلك هو سيلتقي بطلبة يهود الاربعاء المقبل ويطلب من الكونغرس التفكير في الغاء التمويل الفدرالي للجامعات اذا لم تتمكن الجامعات من السيطرة على الاحتجاجات. يعني هناك ضغط وابتزاز لقمع حرية التعبير، اليس هذا غريبا ان يجري في الولايات المتحدة؟؟

تشارلز دان : للاسف وهذا في رايي ليس غريبا حقيقة. فقد راينا مثل هذه التهديدات في الماضي تطلق ضد ما يعتقد انها مؤسسات ليبرالية او مؤسسات انتخابية. في ال 50 عاما الماضية من عمري، رايت ان النزاع بين فلسطين واسرائيل والحرب في غزة لم تصبح فقط قضية سياسية وصراعا بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل اصبحت قضية ثقافية حيث المحافظون والليبراليون يقفون على طرفي نقيض. هنا اذا الحديث لا يكون حول ما تقوم به اسرائيل او ما لا تقوم به، وحق الفلسطينيين وحق حل دولتين، فهم لا يتحاججون حول حقائق هذه الامور، بل هم يتحاججون بسبب مواقف سياسية ودينية، وهذا امر معهود في المسرح السياسي الامريكي في السنوات الاخيره. وانا اتفق معكم بالقول بان رئيس مجلس النواب جونسن بزيارته الى الجامعه كان خطا، وكانت محاولة لاستغلال الوضع لجعله قضية سياسة خارجية، للاسف القضية لم تؤخذ على محمل جد كقضية سياسية في كثير من الحالات. انا اؤمن بحق الطلبة في التعبير عن انفسهم، بعضهم يقوم باطلاق تصريحات تسيء الى قضيتهم مثل قضايا معاداة للسامية كما سمعنا. لكن أصواتهم يجب ان يستمع اليها. ونعود الى العام 1968 عندما كانت حملة الاحتجاجات ضد حرب فيتنام قد اغرقت جامعات امريكا، وكان لها تاثير عظيم في الانتخابات الرئاسية. نعم في شيكاجو الان قد يتكرر نفس المشهد، واذا ما برزت احتجاجات غزة الى السطح مرة اخرى وكما حصل في فوز نيكسون على هيوب همفري في ذلك العام في 1968، على الناس ان يتذكروا اليوم ما يقومون به، وكيف ان التاريخ يقول لنا ان هذه ليست المرة الاولى التي ترى فيها الولايات المتحدة مشهدا كهذا.

الاعلامي محمد كريشان : هو اكثر اكثر من ذلك ليس فقط رئيس مجلس النواب دكتور منيمنه، 27 عضو من اعضاء الكونجرس طالبوا بمحاكمة من وصفوهم بالغوغائيين، يعني تقريبا نفس التعبير الذي يستعمل في بلادنا العربية وفي بعض الدول التي لا تراعي القيم الديمقراطيه، وطالبوا بالغاء تاشيرات بعض الطلاب المبتعثين الذين ياتون من دول اخرى، وكما يهددون مرة اخرى بايقاف التمويل الفدرالي للجامعات. هل تعتقد بان هذا النوع من الضغوط يمكن ان يؤثر في حركة الاحتجاجات؟

د.حسن منيمنه : لا لن يؤثر في حركة الاحتجاجات، ولكنه قد يدفع الجامعات باتجاه اتخاد خطوات غير محمودة قد تضاعف من الاحتجاجات، وربما تصل بها الى المواجهات التي تحقق الغوغاء اي انها تصبح وسيلة للشيطنة من خلال الدفع في اتجاه المواجهة، ولكن دعني ان اشير هنا أن مايك جونسون رئيس مجلس النواب، عندما اعترض على ان هؤلاء الطلبة يرفعون الاعلام الفلسطينية، أعلام من قتل ومن وضع الاطفال في الافران ومن فعل الفظائع، كل ما ذكره كان من الاكاذيب، من الفظائع المروجة دعائيا واعلاميا من جانب السردية المؤيدة لاسرائيل، رغم انه جرى التراجع عنها حتى في اسرائيل، الا انه يكررها. اذا نحن هنا تحديدا امام هذه المواجهة التي تسعى الى تصوير هؤلاء الطلبة وكانهم ليس فقط يعادون اليهود ولكنهم يؤيدون الارهاب وبالتالي فهم ارهابيون. فاذا، منع الارهابيين من الاستمرار يصبح امرا واجبا وطبيعيا. نحن هنا أمام حرب سردية واضحة، وهؤلاء الطلاب بسلوكهم وبتصرفهم، بوسعهم ان ينتصروا على محاولة الشيطنة هذه.

الاعلامي محمد كريشان : هل هذا سيشكل مشكلا اضافيا السيد دان لادارة بايدن، لان الواشنطن بوست قبل ثلاثه ايام تقريبا نقلت عن مساعدين للرئيس الامريكي القول بان بايدن يحاول ان يحقق ما وصفوه بتوازن دقيق بين حق الطلبة في التعبير والاحتجاج وفي نفس الوقت ما يسمى بادانة معاداة السامية، هذا التوازن الى اي مدى سينجح فيه بايدن ام سيخفق كما اخفق في توازنات أخرى سياسية طوال السبعة أشهر الماضية.

تشارلز دان : أعتقد ان ادارة بايدن امامها مهمة صعبة للغاية، واذا ما حكمنا عليها بالكيفية التي ادارت بها الامور على مدى سبعه اشهر، لا اظن انها ستنجح في تحقيق اي توازن بين سياستها الخارجية الداعمة لاسرائيل وبين المشكلات السياسية الحقيقية التي تنبع من الجامعات، والاهم من ذلك أن في صفوف الناخبين الديمقراطيين، كثيرون منهم لم يصوتوا له في الانتخابات التمهيدية، بل اختاروا عدم التصويت او عدم الاختيار كما حصل في ولاية مشغين، اكثر من 100 الف شخص فعلوا ذلك، وهذا مؤشر سيء للغاية. ونحن لا نرى اي مؤشرات للادارة تتجه نحو مقاربة جديدة أو جيدة ازاء هذه القضية، وانا اتفق مع قول ضيفكم ان هناك فعلا مشكلة عويصة عندما يكون هناك الطرف الاخر وهو الطرف الجمهوري الذي يحاول الربط بين احتجاجات سلمية مبدئية بمسالة الارهاب ومعاداة السامية، هذا لا يخدم مصالح اي طرف الا على المدى السياسي القصير. لكن ما يذكرني بكل هذا ان في العام 1970 في ولاية اوهايو في الجامعة، تعرض عدد من الطلبة لاطلاق الرصاص عليهم على ايدي رجال الحرس الوطني وهم في مظاهرة احتجاجية سلمية. كلما زادت حدة الاحتجاجات، كلما زاد شبح الماضي ظهورا وواضحا للعيان الان. وهذه هي واحده من الامور التي ترعبني حول الوضع الراهن الذي نعيشه.

الاعلامي محمد كريشان : لنبقى مع ادارة بايدن دكتور حسن بيمنه، كتبت يدعوت احرنوت الصحيفة الاسرائيلية بالامس بأن ما يجري الان هو وقع فيه بايدن وادارته، لانه يريد من ناحية ان يبقى على دعمه لاسرائيل ومن ناحيه اخرى يخشى من تداعيات سياسته ومن خسارته للناخبين وهو على أبواب الانتخابات. هل ما يجري في الجامعات سيعمق اكثر هذا الفخ؟

د.حسن منيمنه : بالتاكيد هو مازق اكثر مما هو فخ، لانه نصبه لنفسه. هو يريد الاستمرار بالدعم المطلق لاسرائيل مع بعض الاعتراضات اللفظية فعليا وعمليا من حيث التمويل، من حيث التسليح، من حيث الغطاء الدبلوماسي والعالمي ومن حيث استمهال العالم لكي يسمح لاسرائيل القيام بما تريد القيام به. هو متورط وشريك كامل. ليس فخا، لم يدفعه احد في هذا الاتجاه، هذه قناعة الرجل وقناعة من معه على ما يبدو، ولكنه من جهه اخرى يريدون الايحاء داخليا خصوصا لهذه الفئات الشبابية ولمن يتعاطف معها و للمجتمع الامريكي العام الذي اصبح يدرك بان ما يجري مقتله ولا بد من وقفها، هذا ما تشير اليه استطلاعات الراي العام. يريد ان يظهر بمظهر فاعل الخير وفاعل السلام، يُمَكِّن القاتل ثم يتباكى على ما يفعله القاتل. اذا هذا ليس فخا، هذا مازق والرجل قد اختار السبيل وهو سوف يتحمل تبعات هذه الافعال.

الاعلامي محمد كريشان : ربما السؤال الجوهري ايضا دكتور منيمنه، هو هل يمكن ان نامل في ظهور نخبة امريكية جديدة، لان هؤلاء في النهاية هم قادة المستقبل خاصة من جامعات مرموقة؟ هل هذه مؤشرات مطمئنة الى اننا قد نشهد بعد سنوات قد تطول وقد تقصر نخبة سياسية مختلفة عن هذه الموجودة الان منذ عقود؟

د.حسن منيمنه : يا سيدي الكريم، الجانب الاخر أي اصحاب السردية المؤيدة لاسرائيل يدركون بان التبدل الجيلي يشكل خطرا على استتباب السردية التي كانت قائمة، والمبنية حقيقة على المظلومية التاريخية اليهودية المعولة على المحرقة التي جرت في المانيا النازية. من أجل تثبيت التاييد لاسرائيل يدركون بانه لابد من تبديل ذلك السعي اليوم من خلال شيطنة من يعارض السردية ومن خلال ايجاد سبل جديدة. هل ينجحون؟ في واقع الامر، لديهم الكثير من عناصر القوة مقارنة ما لدى هؤلاء الشباب وما لدى المجتمع الامريكي اليوم. ولكن السيطرة على السردية بالكامل كما كان الواقع بالامس لم يعد ممكنا وبالتالي اصبح اليوم بامكان هؤلاء ان يطرحوا طرحا بديلا. ولكن علينا ان نقر بأن موازين القوى لا تزال لصالح من يسيطر اليوم على الاعلام بشكل عام، واضح بانه يدفع السلطة التشريعية حتى، الى تثبيت مواقفه مهما تطرفت. اذا نعم هناك امل ولكن علينا ان لا نفترض بانه تحصيل حاصل.

الاعلامي محمد كريشان : هل هذا هو اكثر ما يزعج، سيد شارلز دان، عندما نجد طلاب امريكيين بهذا العدد يرسمون العلم الفلسطيني، يصرخون “فري فري بالستين” (Free Palestine) ويلبسون الكوفية، هذا لم يكن متصورا في السابق، ربما ما كان ليحدث كل ذلك لولا هذه الحرب منذ السابعة من اكتوبر، هل هذا فعلا يقلق ويزعج النخبة السياسية الامريكية الحالية؟

تشارلز دان : اعتقد انه هو باعث قلق لداعمي اسرائيل في الكونجرس وفي القطاع الخاص، انا اتفق تماما مع السيد منيمنه بان هناك تغيرا يحصل وبالتاكيد في صفوف الشباب والناشطين السياسيين الشباب من حيث الدعم للفلسطينيين والتخلي عن دعم اسرائيل، وما أشعل شرارة ذلك هو حركة الاحتجاجات في الحرم الجامعي لكنه كان يحصل بشكل هادىء منذ سنوات حقيقة، وانا اعتقد انه باعث قلق بالتاكيد لداعمي اسرائيل الحقيقيين وما اقصده بذلك هم الداعمين المحافظين لاسرائيل الذين يريدون الاستمرار في دعم اسرائيل وتسليحها وتمويلها. حاليا، هناك كثيرون من داعمي اسرائيل يريدون مساءلتها من حيث التزامها بحقوق الانسان وغيرها. اذا نرى ايضا هذه الانقسامات في صفوف الراي العام اليهودي الامريكي والذي ايضا تفاقمت اوضاعه بسبب الاوضاع الحالية في غزه وتزايد حركة الاحتجاجات في الجامعات الامريكيه. فقط اريد الاشارة الى نقطة اخرى الا وهي ان رئيس بايدن يجد نفسه في وضع خاسر للغاية لا سبيل امامه للمصالحة بين توجهات سياسته الخارجية الحالية ودعمه لاسرائيل وبين تآكل الدعم السياسي له في صفوف الشباب الامريكي الناخبين. فالشباب وكثير من الامريكيين حسب استطلاع راي “جالب” فالغالبية من الامريكيين يرفضون ما يحدث في غزة ولا يوجد سبيل أمام بايدن لاحداث تغيير حاسم في سياسته تجاه اسرائيل وازاء هذا النزاع. فحتى اللحظة، لم يظهر اي دليل على ذلك، كلامه تغير اكيد، لكن افعاله لم تتغير.

انتهى الحوار

د. الحسن اشباني مدير بحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي المغرب و صحفي مهني علمي

بعض مقالات الكاتب ذات الصلة :

مع الاستاذ وضاح خنفر: الحرب على غزة أحدثت ثورة في الوعي الجمعي للأمة -الجزء الاول-

مع الاستاذ وضاح خنفر: الحرب على غزة أحدثت ثورة في الوعي الجمعي للأمة -الجزء الثاني-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE