المنبر الحر

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -25- و -26- و-27-

ذ ابراهيم أعبيدي

مرآة لإصلاح الحال (94).

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

حتى أنك تجد نفسك، في ميدان الإصلاح، في أحسن الأحوال، أمام ما يشبه خلايا من النحل، قد أضعفها تعددُ الملكات بكثرة خروج الطرود من داخل الخلية الواحدة، من خلال توالي الإنقسام؛ فلا هي أنتجت عسلا ولا قاومت المهاجمين الذين يهددونها بالسرقة والاحتلال،..”

-25-

أكادير في 28 دجنبر 2022

ولو ترى، بيننا، كيف أن طائر الأخوة والمحبة، قد لاذ بالفرار، فطار, وهاجر من الديار. فغادرنا، بعد أن أعيته رؤيةُ ما نحن عليه من حال، وحل مكانه غراب البين والخصام، فهو ينعق فينا ليل نهار، فحيث ما وليت وجهك إلا وترى آثار التدابر والتشردم والتشظي، والمواجهة والانفصال، ابتداء من العلاقة داخل الأسرة التي ينخرها سوس الطلاق والعقوق وقطيعة الأرحام، إلى العلاقة بين ما تتكون منه أمتُنا من دولٍ وأقطار. و التي نجد عنها أَوْضَحَ مثال، ما يصنعه ضد وحدة مملكتنا الشريفة أقربُ جارٍ، ومرورا بأحزابنا، من أقصى اليسار حيث متشردمة رفاقنا من نشطاء الثوار، إلى جماعاتنا التي ترفع شعار التوحد امتثالا لأمر الإسلام.

‏حتى أنك تجد نفسك، في ميدان الإصلاح، في أحسن الأحوال، أمام ما يشبه خلايا من النحل، قد أضعفها تعددُ الملكات بكثرة خروج الطرود من داخل الخلية الواحدة، من خلال توالي الإنقسام؛ فلا هي أنتجت عسلا ولا قاومت المهاجمين الذين يهددونها بالسرقة والاحتلال، ولا هي أراحت النَّحّال من هدر الجهد والعمر والمال، في كثرة المراقبة والإطعام، بدون طائل يُستفاد أو يُنال. إنه واقع القلة الذي يظهر بمظهر الكثرة، كالسراب، تحسبه فيضا من ماء زلال، وهو يباب تنخدع به العينان.

‏ ولا أقصد بتلك القلة التي تتنكر في هيئة الكثرة، ما كان يفعله الكبار بصبي من الصبيان، عندما يطالبهم بفلوس كثار، فيفككوا عملة من فئة عشرة ريال إلى عشر عملات من فئة ريال، ليوهموه بأنه قد تكاثر لديه المال؛ وإنما هي كما كنت أسمع جدتي رحمها الله، وأنا من الأطفال، وهي تعلق على هزالة حصيلة ما يجتمع عليه النسوان من أشغال الدار، عندما يكثرن التلهي بكثرة الكلام في الحوار، والتملص بكثرة الاعتذار من الالتزام بالتعاون على تنقية الزرع لإرساله إلى الطحّان، كمثال؛ فتقول في تعريضٍ، هو أشد على النفس من إطلاق نار، على من كان له قلبٌ حيٌّ يقظان: “ما أكثرهن، يا بني، وما أقلهن!”. وهو من أعجب ما سمعت لدى المغاربة مِن أمثال!

مرآة لإصلاح الحال.(95).

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

..وهي وضعية (وضعية الانهيار) أشبه بما يحدث للحرث حين يُنجَز بمحراث يجرها جمل من الجمال، حيث يُعيد دَكَّهُ، في كل مرة بالأقدام. كلما استدار ورجع لحرثِ خط ثانٍ، كما يقول أهل المغرب في الأمثال…،

-26-

أكادير في 29 دجنبر 2022.

‏ ومن الواضح أنَّ التَمَثُّل الذي يجعل مفهوم الإصلاح متلبسا بالميل إلى المعاكسة والصدام، له اتصال بعرقلة السير إلى الأمام، ليس، فقط، لأن بممارسته يكون لمشروع الإصلاح الجاري رأسان؛ ولكن أيضا باعتبار ما يُحْدثه من آثار عكسية في الميدان، كما في الإحتمالين، اللذين سبق لنا عنهما الكلام، حيث لن نتوقَّع مِن مآل وضعية الانهيار أو حال التشردم والانشطار، أن تُنجزا لنا غير الأصفار، مهما كان الشعار غاية في الجمال، ومهما حلا الكلام عن حسن ما عليه صاحبه من حال.

‏ وهي وضعية أشبه بما يحدث للحرث حين يُنجَز بمحراث يجرها جمل من الجمال، حيث يُعيد دَكَّهُ، في كل مرة بالأقدام. كلما استدار ورجع لحرثِ خط ثانٍ، كما يقول أهل المغرب في الأمثال. وإني لا أجد عبارة تُجلي هذا المعنى في الأذهان، أبلغ من تلك التي صاغوها بدارجٍ من عربي اللسان منذ زمان. حيث يقال: ” الخواء الخاوي”، أو “الخواء في الخواء”، على سبيل الإمعان في تصوير حال تؤول فيها قيمة حصيلة الأعمال إلى صفر من الأصفار، لكن من خلال بدايات حِسانٍ، تُعجبُ العاطفي المتسرع العجلان، في إطار ما يمكن أن نسميه” الإيهام بتحصيل الإكثار بالإقلال”.

‏نعم إنها وضعية أو حال، تبدو، في ظاهرها، أشْبهَ بهدية وهمية، مُقَدَّمة في علبة مزينة بجميل الأربطة والألون، بداخلها علبة تحتوي على علبة أخرى، في عملية احتواء متدرجة وِِفق ما لتلك العلب من أحجام، انطلاقا من الكبرى إلى الصغرى. كلما فتحت الأولى طمعا في العثور على ما تحسبه مفاجأة بهدية، إلا وأحالتك إلى أخرى. وعندما تصل إلى آخرها التي هي الصغرى، وأنت تتوقع، من خلال صِغَر حجمها، أن تنطوي على جوهرة ذات قيمة أثمنَ وأغلى؛ إذا بك، عند فتحها، لا تجد غير “الريح المستريح” كما يقال في بعض أمثال المغاربة الأخرى.

وإذا ما طرحت السؤال، للبحث عن أسباب تناقض المبدأ والمنطلق لدى كثير من “مصلحينا”، مع النهاية والمآل، وتكاثرهم مع إقلال يميل، في قيمته النهائية، نحو صفر من الأصفار؛ فإن أقرب وأقوى احتمال، لتفسر هذه الحال، هو كوننا نحمل في الأذهان مفهوما للإصلاح يقوم على الاعتقاد في فعالية منهج المجابهة والصدام.

مرآة لإصلاح الحال.(96).

‏فمما ابتلي به مفهوم الإصلاح بيننا في هذا الزمان، أن أصبح الأصل فيه عندنا هو التربع في برج المعارضة وليس مكابدة أعباء الإنجاز في الميدان وقد تجد عندنا جماعات ممن يرفعون يافطة القيام بالإصلاح كشعار، و يتصرفون في النطق باسمه تصرُّف الضالع في الاحتكار…

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

-27-

أكادير في 30 دجنبر 2022.

‏فمما ابتلي به مفهوم الإصلاح بيننا في هذا الزمان، أن أصبح الأصل فيه عندنا هو التربع في برج المعارضة وليس مكابدة أعباء الإنجاز في الميدان. وقد تجد عندنا جماعات ممن يرفعون يافطة القيام بالإصلاح كشعار، و يتصرفون في النطق باسمه تصرُّف الضالع في الاحتكار؛ قد شاخ شبابها وأشرفوا على الارتحال من هذه الدار، بعد أن جعلتهم ينجحون ، ما شاء الله عليهم، في حفظِ مما في قواميس الدنيا من ألفاظ الشجب الإدانة والاعتراض والتوعد والتهديد والاستنكار، والسخرية والنبز والهمز واللمز والاستهجان، والبخس والاحتقار لجهود الأغيار في الساحة والميدان، أكثر مما حفظوا حتى من قصار سُوَر القرآن. وقد تجدهم عندما تجري عليهم في سورة الفاتحة الامتحان، يخلطون في نطق كلمة (أنعمت)، يبدلون حرف النون باللام، وفي كلمة (الضالين)، يخلطون، في النطق، بين الضاد والدال. بلهَ أن يضبطوا ما يلزم في تلاوتها من أحكام.

‏ وهكذا ينقضي ما كُتِب لهم من أعمار، دون أن يقدموا للبلاد والعباد من نافع الأعمال، ولو نزراً يجدون ثوابه في تلك الدار، غير التهجم على “النظام”, وتوزيع صكوك الاتهام على المسؤولين والحكام، ولو بالباطل والبهتان، وإيقاظ الفتنة بالنفخ في أي شرارة من نار، مع الإيغال في التنزه والتطهر من التلوث بغبار النزول إلى الميدان، لمباشرة إنجاز أيّ عمل ينفع الناس، مهما هان.

فكل رصيدهم من صالح الأعمال، هو الاكتفاء والاقتصار على الخطب الحماسية الجوفاء المليئة بالريح والخواء، لإيهام العوام، من الكسالى، أهل الافتتان بحب الاستماع لكل “أبي حمارة” فتان، وهو يدغدغ عواطفهم بمعسول الكلام، ويسيل لعابهم بالوعود التي تضمن لهم أن يأتي إليهم أشهى الطعام، يمشي على رجليه، وهم على أسِرتهم مسترخين أشباه نيام، ويرتفع إلى أفواههم دون أن تتعب منهم اليدان في ذلك بالاستعمال.

ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق

مقالات الكاتب السابقة :

https://dr-achbani.com/مع-الاستاذ-ابراهيم-أعبيدي-حول-طبيعة-ال-5/

حول طبيعة الإصلاح – dr-achbani.com -الجهاد- التعصب – الاسلام

مذ ابراهيم أعبيدي حول طبيعة الإصلاح -19- dr-achbani.com

مع ذ ابراهيم أعبيدي طبيعة الإصلاح -17- و -18- Dr-achbani.com

-براهيم أعبيدي-حول طبيعة الإصلاح -15-16 dr-achbani.com

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح 13 و14- dr-achbani

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -11- و -12- – الموقع العلمي للدكتور الحسن اشباني (dr-achbani.com)

حول طبيعة الإصلاح -9- و -10- (dr-achbani.com)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE