المنبر الحر

من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : المقاومة الخلاّقة محرقة الغزاة

ذ سليمان شاهي الدين

لا شك ان المقاومة و روافدها التعبوية و كل المسالك التي تقوي من عودها هي التي كانت و ما تزال تمثل الشوكة التي قصمت ظهر الطغاة و سحقت الغزاة فأصبحوا أثرا بعد عين . يشهد التاريخ الطويل للأنسانية أن كل أشكال الإحتلال و الإستعمار و الإستيطان مهما كان جبروتها قويا و ساحقا ؛ إلا أنه لا يتفوق خارج معادلة الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية ، ذلك أن خبو المقاومة و انكماش زخمها يجعل الشعوب المضطهدة في مراحل عدم تكافؤ موازين القوى مضطرة للدخول ضمن مراحل الهدن أو إعلان الاستسلام و رفع الراية البيضاء ، و هي مع ذلك تشكل استراتيجيا مرحلة استراحة للمحارب و هذا يفضي إلى دخول المقاومة في حالة سكون ضرورية تتحول فيها إلى مجرد خلايا نائمة تعيد ترتيب أوراقها و تعمل على استعادة عافيتها و مقوماتها الازمة ؛ في انتظار الشرط الذاتي و الموضوعي الذي يسمح لاستئناف مرحلة جديدة يخطط لها لتكون نوعية و قادرة على ان تخطو خطوات جبارة صوب هدف تحقيق التحرر و بناء سيادة وجودية لكيانها الإجتماعي و السياسي . يقدم لنا الدرس التاريخي في استقرائه لحركات التحرر الوطنية التي عاشها الآباء و الأجداد مند نهايات القرن التاسع عشر و إلى حدود أعتاب منتصف القرن الماضي ؛ أن المقاومة كانت تمثل الشكل النضالي الذي يواجه الدول الإستعمارية الغربية في كل بقاع العالم ، و بالرغم من فارق القوة العسكرية و استعمال الطيران و الدبابات و المدافع المتطورة ، إلا أن ذلك كله لا يقدم للإستعمار إلا حيزا زمنيا في اطارات جغرافية مختلفة في فرض الإستعمار العسكري المباشر ؛ و هذا هو بالذات ما حدث في المرحلة الإستعمارية الأوربية التي عانت منها الإنسانية الويلات و قضي فيها – بالبارود و الرصاص و كل انواع الأسلحة الفتاكة – على ملايين البشر في أصقاع كثيرة في العالم ، غير أن المقاومة كانت تشكل الواجهة المشرقة التي يظهر فيها أصحاب الأرض الأصليين في خضم مواجهة مباشرة و صريحة مع الغزاة ؛ طلبا للحرية و الإستقلال عن أية وصاية أجنبية تحت طائلة أية ذرائع ، و كانت هذه المواجهة تشكل مدار الصراعات الدموية بين مقاومة تدافع من أجل الحرية و الإستقلال و تحقيق الكرامة الإنسانية و بين قوى استعمار عالمية تريد الاستحواذ على الموارد المادية و الإبقاء على استعباد الشعوب .
لقد اتخذت كل حركات التحرر الوطنية المقاومة سبيلا للتحرر ؛ و ذلك بوصفها أحد الأساليب الدفاعية التي تواجه بها الغزاة و المحتلين ، و هي في ذلك تستنفذ كل جهودها و مقوماتها المادية لصد العدوان و العمل على كسر شوكته و اضعافه و السير قدما عبر التضحيات و تكثيف الضربات و الدخول معه في معارك طاحنة ، و لا يثني عزمها أن تعيد الكرة تلو الأخرى رغم الفارق في العدة و العتاد . إن معضلة عدم توازن القوى بين المقاومة و المُستعمر المتغلب تكون مدعاة للتفكير في خطط و استراتيجيات بديلة يمكن اعتمادها حتى يتم استنزاف العدو ماديا و معنويا و بالتالي الحدو به في معارك متتالية إلى أن يتم القضاء عليه عبر اجلائه و تجفيف آخر جيوبه من كل المواقع و الثغور . يمكن الوقوف ضمن هذا البعد الميداني في خوض حرب التحرير الوطنية ؛ و الرجوع إلى الخطط العسكرية المبتكرة من قبيل حرب العصابات التي دشنتها المقاومة الريفية الباسلة في العصر الحديث ، و نذكر في هذا الصدد أنموذج المقاومة التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي و هي التي تمخضت عن تنزيل خطط عسكرية تعتمد تكتيكات الفر و الكر و المباغتة و نصب للكمائن و الترصد و مراقبة تحركات العدو و جمع المعلومات الاستخبارية الموثوقة . بيد ان هذا الإعداد لا يجد السبيل لإستثماره و توظيفه عمليا و على أحسن وجه بغية تحقيق انتصارات ميدانية إذا لم يكن مرتبطا و متوازيا مع نشاط استخباراتي يعنى بشأن الجواسيس و الوشاة ؛ و بالتالي قطع الطريق عن الإختراقات و التسريبات التي ينهضون بها لإضعاف المقاومة والنكاية بها إلى حد الإجهاض . لا تستطيع أية مقاومة الصمود و الاستمرار في المعركة التحررية و تحقيق جميع أهدافها دون خلق شبكة مكافحة التجسس و هو ما يؤهلها لا محالة للصمود و القضاء على أعداء و خونة الوطن و الإستمرار في مكافحة الجواسيس و اقصائهم في المشهد العام لمعركة التحرير القائمة على قدم و ساق ، و هذا الأمر يعد احد العوامل الضرورية بل و الحاسمة التي تسمح بتحقيق قدرة ذات كفاءة عالية في ادارة المعارك و التمكن من اقتصاد الجهد و المؤن و الذخائر و الوقت للخروج من جبهات المعارك و انجاز انتصارات ساحقة . إن العوامل الآنفة الذكر مجتمعة هي التي أهلت المقاومة الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي أن تحقق الانتصار المبهر خلال عشرينيات القرن الماضي في معركة انوال الشهيرة و هي التي مني فيها كل من الغزاة الإسبان و الفرنسيين بهزيمة نكراء و مخزية . إن وقع هذا الانتصار المبهر جعل العديد من المهتمين بقضايا حركات التحرر الوطنية الناجحة في ذلك العهد ، مناسبة لشد الرحال إلى الريف بالمغرب و كان تشي جيفارا أحد الشخصيات العالمية التي وفدت على محمد بن عبد الكريم الخطابي قصد الاستفادة من الخبرات العسكرية التي راكمها و عمل على تطويرها و هي المتمثلة في حرب العصابات بوصفها قوة تستعيض عن الفارق في القوة و عدم التناظر بين الجيوش النظامية الاستعمارية و خلايا المقاومة التي تتكون من أعداد محدودة من المقاتلين ، و لكن الإستراتيجيات العسكرية التي تمت عملية تنزيلها على ساحات المعركة كانت أكثر نجاعة و ذات فاعلية مكنت المقاومة الريفية في الإنتصار على المستعمرين الإسباني و الفرنسي .
لا سبيل لأي مقاومة أن تحقق الانتصار الكامل على الغزاة إلا بإعداد معنوي و مادي متكامل و ذلك لا ينفصل عن دراسة الجغرافيا المحلية و النظر بالعين الفاحصة للإمكانات التي تتيحها و بالتالي العمل على استغلالها و توظيفها بكفاءة عالية في ادارة المعارك الضرورية حتى يتحقق النصر ، و إن هذا الهدف لا بد أن تجلب من أجله جميع الإمكانيات المتاحة و هنا يمكن الرجوع مرة أخرى إلى أحد الملامح التي سجلتها المقاومة الفيتنامية ضد المستعمر الأمريكي المتغطرس ، و هي التي اعتمدت شبكة انفاق طويلة و متشعبة استخدمت ببراعة فائقة تمثلت في توظيفها إستجابة لإعداد حربي متكامل لذلك اشتملت على ثكنات عسكرية و مرافق توفر جميع مستلزمات الحياة و الراحة و مخازن مختلفة لأغراض التخزين للمؤن و الذخائر و الأسلحة و غرف عمليات القيادة و السيطرة ، كما ثم اعتماد شبكة الأنفاق كطرق للإمداد اللوجستي لكل الجبهات التي تحتدم فيها المعارك ، هذا فضلا على نصب الكمائن في الكثير من فتحات الأنفاق و هي التي كانت وبالا و رعبا مستطيرا على كل محاولات اختراق الأنفاق . ان تصميم المقاومة الفيتنامية في ابتكار تقنية الأنفاق كأداة ضمن بناء العتاد الحربي يشكل أحد المقومات الإستراتيجية التي ساهمت في التغلب على اكبر قوة عسكرية في العالم في القرن العشرين ، و بالرغم من جبروت امريكا العسكري فان المقاومة ابلت البلاء الحسن و قدم المقاومون التضحيات الجسام بكل تفانٍ و اخلاص و كان من نتائج هذه العبقرية العسكرية التي بلورتها المقاومة الفيتنامية أحد عوامل الانتصار الكاسح على الأمريكان الشيء الذي جعلهم يولون الأدبار هاربين يجرون ذيول الهزيمة النكراء .

دمار امريكي في الفيتنام

ان المقاومة تشكل العامل المشترك بين جميع حركات التحرر الوطنية في العالم و آخر انجاز حققته المقاومة الباسلة تتمثل في العمل الذي انجز في جنوب افريقيا ضد الحكم العنصري الأبارتايد ، و لقد سجل ولسون منديلا مع المقاومة التي كان رمزا و قائدا لها ؛ أحد الملاحم و المواجهات مع اعداء العدالة و السلم الاجتماعي التي طالت جولاتها و صولاتها مقارعة الأبارتايد و ترسانته العسكرية و سقط جرائها الآلاف من المقاومين الأفارقة للميز العنصري ، و بالرغم من الاضطهاد الذي دام لأجيال متعاقبة إلا أن الحرية لا تؤتى إلا بعد أن تدفع المقاومة أثمانًا باهضة في الأرواح و العتاد و كذلك كان الأمر حينها و لم تتوقف عن مواصلة التصدي للطغاة . بعد معارك طويلة و مريرة و ضعت الحرب أوزارها و اشرق عهد جديد خلد فيه التاريخ المعاصر انتصار المقاومة في جنوب افريقيا على النظام الاستعماري العنصري و كفى الله الناس شر القتال .

إن تمادى العدو الصهيوني في مسلسل التقتيل الممنهج للمواطنين الفلسطينين و الإستحواذ على منازلهم عن طريق المداهمات و هدم بيوتهم بالجرافات و أسر أو حتى قتل بشكل مباشر ؛ و هو الشكل الذي كثف فيه العدو العنصري الصهيوني أساليب جديدة ذات طابع بربري همجي تمثلت في تسليح المجموعات الدينية المتطرفة فأصبحت تقوم جنبا إلى جنب بمثل الإعتداءات الفظيعة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي الصهيوني.

ذ سليمان شاهي الدين

غير ان الإنسانية جمعاء ما تزال اليوم شاهدة على وجود آخر شعب على وجه المعمور يرزح تحت الاستعمار و الميز العنصري ؛ و هو الشعب الفلسطيني قصته مع المقاومة سطرت ملامح مريرة و طويلة و لقد استمرت لما ينيف عن مائة عام من الصمود و التحدي ؛ و ما تزال المقاومة هي السبيل الوحيد الذي يمكن ان يتخذها حتى ينتزع حق تقرير مصيره بإرادة شعبه الواعيه سواء المتواجدون في الأراضي المحتلة منذ 1948 أو الذين وزعوا بين الضفة الغربية و غزة و القدس أو الشتات .
لقد استغرقت القضية الفلسطينية اجيالا طويلة دون ان تحسم عملية التعايش بين الدولتين الاسرائيلية الغاصبة للأرض و إقامة دولة فلسطينية حقيقية و لو على حساب التخلي عن معظم الأرض التاريخية الفلسطينية ، و لقد كانت آخر محاولات ترميم الوضع الحقوقي و السياسي و وضع حد نهائي للصراع الصهيوني / الإسرائيلي الفلسطيني عقد معاهدة أوسلو التي تدخل في مسلسل السلام الموعود بقيادة الغرب و الذي كان و لا يزال يدور في حلقة مفرغة ، لكن الواقع و وقع الأحداث على الأرض و تحول النظام السياسي في الضفة الغربية إلى مجرد جهاز عميل و داعم للسيطرة الصهيونية و مخططاتها التوسعية التي تشتغل ضدا على كل اشكال المقاومة التي ترفض الإضطهاد و هضم الحقوق الوطنية و الإنسانية للفلسطينيين .

لقد بدأت المقاومة الفلسطينية تسطر بدماء الشهداء ملحمة معركة فريدة في التاريخ المعاصر ، مع بزوغ فجر انتقاضة أطفال الحجارة التي كانت أكبر تحدي تواجه الجيش الصهيوني المدجج بكل أنواع السلاح المتطور ؛ فضلا عن الدعم العملي المادي و المعنوي الذي يقدمه الغرب للكيان الإسرائيلي الصهيوني ، و بالرغم من عدم امتثال الخصم الصهيوني لقرارت الأمم المتحدة و القوانين الدولية و الشرائع السماوية مند النكبة ، فإن المقاومة الفلسطينة ليس لها بدٌ من تطوير أدوات استمرارها في التصدي للكيان الصهيوني و الدخول معه في معارك و صولات و جولات و بين فرٍ و كرٍ حتى تتمكن أن يكون لها موطن قدم على أساس صلب يكون بمقدورها أن تتحكم في وتيرة التصعيد العسكري. إن تمادى العدو الصهيوني في مسلسل التقتيل الممنهج للمواطنين الفلسطينين و الإستحواذ على منازلهم عن طريق المداهمات و هدم بيوتهم بالجرافات و أسر أو حتى قتل بشكل مباشر ؛ و هو الشكل الذي كثف فيه العدو العنصري الصهيوني أساليب جديدة ذات طابع بربري همجي تمثلت في تسليح المجموعات الدينية المتطرفة فأصبحت تقوم جنبا إلى جنب بمثل الإعتداءات الفظيعة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي الصهيوني.

لقد كشفت العملية العسكرية طوفان الأقصى عن جميع الوجوه و سقطت الأقنعة و تبين أن أحجار الشطرنج وضعت على شاكلتها الراهنة للإبقاء على الشعوب عامة و الشعوب العربية و المغاربية و الإسلامية خاصة خارج التحرر الحقيقي و بالتالي عرقلة إقامة دول ذات سيادة حقيقية و هذا هو السبيل للبناء الحضاري في جميع المستويات.

ذ سليمان شاهي الدين

إن هذا الوضع المكهرب للوجود الفلسطيني الذي أصبح على صفيح ساخن طول الوقت ؛ بالإضافة إلى الحصار المضروب على قطاع غزة لمدة تزيد عن ستة عشر عاما، دفع بالمقاومة بجميع فصائلها في القطاع أن تشتغل و تطور مقوماتها الدفاعية و تحصن مواقعها و خططها الإستراتيجية المستقبلية من كل اختراق من جواسيس الداخل / الخونة و جواسيس الخارج الصهاينة بمافيهم المطبِّعين الأعراب و من على شاكلتهم من كل المتخاذلين المسلمين. لقد نجحت المقاومة الفلسطينية في التمكن من معرفة الخطط العسكرية التي كان العدو الصهيوني على أهبة أن يشرع بتنزيلها لإستكمال مشروعه المتمثل في تحقيق اسرائيل الكبرى و بالتالي وأد القضية الفلسطينية بشكل نهاني، إلا أن المقاومة عمدت للقيام بعملية عسكرية استباقية نوعية

ابو عبيدة

مباغتة، كان من شأنها اقتحام مراكز القيادة و السيطرة و مراكز التجسس الاستخباراتي و السيبراني بغلاف غزة الذي أوكل لها مراقبة القطاع على مدار الساعة و الدقيقة من خلال المساحة العازلة و المسيّجة التي ثم تشييدها و تثبيت كاميرات المراقبة و مجسات استشعار ضد اختراق الجدار أو السياج الفاصل بين محيط غزة، غير أن هذه التحصينات و المراقبة المستمرة على مدار الساعة لم تكن لتحول دون تحقيق الانجاز العسكري / طوفان الأقصى الذي أتى على أسطورة الجيش الذي لا يخترق استخباراتيا و لا يهزم عسكريا.

مثلت هذه الضربة العسكرية التي انجزتها الفصائل الفلسطينية و على رأسها كتائب عز الدين القسام فرصة ثمينة لرد الإعتبار للقضية الفلسطينية و وضعها في صدارة المشهد العالمي، إلا أن ذلك نتجت عنه ردود محلية و إقليمية و عالمية أسقطت القناع و فضحت كل الوجوه سواء بفرز الصهاينة من قوى الإستكبار العالمية من قبيل أمريكا و ألمانيا و بريطانيا و فرنسا و ايطاليا هذا فضلا عن كل الدول التي انخرطت في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني و يتصدر هذه الدولة معظم الدول العربية و المغاربية و الإسلامية، و كل هذه الأنظمة غارقة في العمالة الرخيصة للتصهين، لذلك كانت جميعها تنهج سياسات التّفقير و التجويع و تخريب النظام التعليمي و إفراغه من المحتوى، و هي كذلك غير آبهةٍ بالقطاع الصحي و التنمية البشرية، و هذا الوضع الكارثي لا ينفصل عن الإنسلاخ العملي سياسيا و اعلاميا و ديبلوماسيا عن دعم القضية الفلسطينة و هذا منطقي و موضوعي لأنه لا يمكن الجمع بين خيانة الأمة و التفاني في الإستجابة لقضاياها الجوهرية الملحة و المصيرية.
لقد كشفت العملية العسكرية طوفان الأقصى عن جميع الوجوه و سقطت الأقنعة و تبين أن أحجار الشطرنج وضعت على شاكلتها الراهنة للإبقاء على الشعوب عامة و الشعوب العربية و المغاربية و الإسلامية خاصة خارج التحرر الحقيقي و بالتالي عرقلة إقامة دول ذات سيادة حقيقية و هذا هو السبيل للبناء الحضاري في جميع المستويات.
لقد جاء الرد الصهيوني الإسرائيلي على معركة طوفان الأقصى بإعلان الحرب على غزة و ذلك بدعم أميركي و أوروبي و خذلان عربي و مغاربي و إسلامي و لم ينفع المؤتمر العربي الإسلامي المشترك حتى في ادخال الوقود و المؤن و الدواء التي تكفي لأكثر من مليونين من سكان غزة، و استمرت الحرب على غزة بشكل وحشي و همجي فاق كل أشكال العدوان التي عرفتها الإنسانية في العصر الحديث و المعاصر منذ اليوم الموالي للسابع أكتوبر 2023، إذ أن القصف بالطائرات و الدبابات و القطع اليحرية على قطاع غزة كان متواصلا ليلا و نهارا دون توقف و دون تمييز بين المواقع العسكرية و المناطق الآهلة بالسكان و المدارس و المساجد و الكنائس و المستشفيات و الملاجئ و المخيمات التي ترعاها الأمم المتحدة في القطاع.

لقد استبيحت غزة بالقصف العشوائي الصهيوني / الأمريكي و لذلك سقط بعد زهاء ثمانين يوما من العدوان الصهيوني أكثر من 21000 شهيد ثلثي منهم أطفال و نساء و لم يتوقف العدوان بالرغم من خروج معظم شعوب العالم منددين ببشاعة الإجرام الإسرائيلي الصهيوني النازي على أهل غزة و ضرورة و النداء المتكرر لوقف العدوان الصهيوني على الأبرياء العزل من الأطفال و النساء و الشيوخ، و ما زاد الطين بلة هو كون الولايات المتحدة تعترض بالفيتو على تنفيد قرار وقف شامل لإطلاق النار على الغزة و هذا يجعلها شريكة في الحرب على غزة بمعية مجموعة من الدول الأوربية المشار إليها أعلاه، لكن بالرغم من التكلفة الباهضة في سقوط آلاف الضحايا الفلسطينيين في غزة، و بالرغم من عدم تناظر العدة و العتاد و العسكر بين الكيان الصهيوني العنصري المحتل و المقاومة ؛ إلا انها شكلت التغير المفصلي في قواعد اللعب الجارية على مسرح المعارك و بداية توحيد الساحات في اليمن و العراق و لبنان، و بالنظر إلى كون المقاومة أبلت البلاء الحسن إذ أثخنت في العدو من خلال مقاومة فريدة من نوعها جمعت إلى حد بعيد بين الإستراتيجيتين الفيتنامية و الريفية المغربية، و أضافت إلى ذلك قدرتها على صنع سلاحها الذي له فعالية في مواجهة آليات العدو على اختلاف انواعها، كما أن بسالة المقاومة أرعبت الصهاينة لكونها تشتبك معهم في كل محاور إحتدام المعارك من المسافة الصفر و لا تجهز عليها سواء في المركبات و الدبابات أو مشاة، و لم يسطع الجيش الصهيوني النازي البربري أن يحرز أي انجاز من بنك الأهداف التي وضعها للحرب حتى الآن، و من انباء التقديرات الميدانية العسكرية و بالنظر للخطط الخاطفة التي تنجز بها المقاومة عملياتها العسكرية و الإجهاز على الأعداء في مواقع مختلفة و تختفي في الأنفاق أو تحت الأنقاض التي خلفها التخريب المكثف للقصف العشوائي للبنية التحية لقطاع غزة فإن المقاومة هي المنتصرة في المعركة و تأكيد هذا الإنتصار يتوقف على الإجهاز على ما تبقى من القوة الغاشمة للكيان الصهيوني و إن ذلك ليس من المستبعد خاصة أن سحب اللواء الأكثر تدريبا و تسليحا بعد أن فقد أكثر من ربع قدراته من المعارك الطاحنة مع المقاومة يعد مؤشرا و دليلا على أن النصر على الصهاينة الأعداء يستدعي المزيد من الصبر الثبات و العمل على انجاز المهام العسكرية بكفاءة عالية و هذا ما يتم مند بداية طوفان الأقصى.


نستشرف أن تضع الحرب أوزارها و قد مني العدو الصهيوني بهزيمة نكراء لن يعود بعدها إلى سابق عهده، و إن سقوطه هو في ذاك الوقت بداية تغير جذري في الخريطة السياسية العالمية و بداية ظهور قوى جديدة في المشهد العالمي و على رأسها تحرير فلسطين.

يتبع

الكاتب و المفكر ذ. سليمان شاهي الدين

مقالات للكاتب ذ سليمان شاهي الدين

https://dr-achbani.com/الصهيونية-ضد-فلسطين-تورط-الميتا-في-موا/

من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : دولة تركيا و سنغافورة و ماليزيا دخلت كل منها التباري الحضاري بكل حزم و قوة و وعي ثاقب – الموقع العلمي للدكتور الحسن اشباني (dr-achbani.com)
https://dr-achbani.com/من-امريكا-مع-ذ-شاهي-الدين-4/
مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : آفاق القراءة إلى أين ؟ (dr-achbani.com)
الاستاذ سليمان شاهي الدين : الوعي أفقًا للتحرر-dr-achbani.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE