الدولة الاجتماعية في المغرب بين رغبة التنزيل وإكراهات الواقع -الجزء الثاني-


ذ. محمـد ابركي
ملخص المقال : بناء الدولة الاجتماعية يتطلب تبني ثقافة وقيم جديدة، تعزز كرامة المواطن وتحافظ على حقوقه، برؤية ديمقراطية ومشاركية تواجه التحديات التي نشأت نتيجة للسياسات الليبرالية الصارمة. يهدف ذلك إلى تنفيذ برامج اجتماعية شاملة تعزز التعليم والتوظيف والصحة والإسكان، مما يعيد الأمل والحرية للمجتمع دون تمييز أو إقصاء. ومن الضروري أن يتفتح الفاعل السياسي على الجماهير ويستمع لمطالبها، لبناء مجتمع قوي ومتضامن يواجه التحديات الاجتماعية بكفاءة. كما يجب على الساسة الالتزام بوعودهم الانتخابية، وتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد، وتحمل الطبقات الثرية مسؤولية الأزمة الاجتماعية، لتخفيف الضغوط الاقتصادية عن الطبقات الأدنى والمتوسطة من المجتمع.
أظن أنه إذا كان الشخص يتوفر على اشتراك هاتفي بسيط من أجل استعماله في دعم أبنائه الذين لم يلتحقوا بالمدرسة لمدة ثلاثة أشهر من الإضرابات ، فإنه يساهم في ارتفاع المؤشر ويحرمه من الدعم ؟؟.
3- هل المغرب في طريقه نحو إرساء دولة اجتماعية ؟ تتمة
وهناك بعض المطلقات والأرامل اللائي لا يملكن حتى قوت يومهن ، وحرمن من الدعم المباشر ، بدعوى أن مؤشرهن تجاوز العتبة المحددة وهي (9.3) وطالبوهن بإضافة بعض الاشخاص معهن عسى أن ينزل المؤشر على العتبة ، وبالفعل تمت إضافة أشخاص معهن ، وفعلا حصلوا على العتبة أي أقل من (9.3 ) . وهناك أشخاص تحت الهشاشة ، إلا أن مؤشرهم فاق العتبة المحددة ولم يستفيدوا من الدعم . أظن أنه إذا كان الشخص يتوفر على اشتراك هاتفي بسيط من أجل استعماله في دعم أبنائه الذين لم يلتحقوا بالمدرسة لمدة ثلاثة أشهر من الإضرابات ، فإنه يساهم في ارتفاع المؤشر ويحرمه من الدعم . ليجد نفسه مجبرا على أداء اشتراك شهري بمبلغ يتحدد حسب درجة ارتفاع كل مؤشر على حدة . فطبق عليه المثل القائل : (أراد أن يختبئ من الأمطار ، فجرفته السيول ) .

فنحن مع مساعدة المعوزين والفقراء لكن بطريقة تحفظ كرامتهم وتحفزهم على العمل والإنتاج . فكان من الأولى على الحكومة أن تستغل هذه المساعدات لتخلق بها شغلا قارا لهؤلاء ، يحسون من خلاله أنهم يبذلون مجهودا يتقاضون عليه أجرا ، فنربي فيهم حب العمل، ونملأ أوقات فراغهم، لكي لا يبقوا عرضة للشارع والفراغ القاتل، والذي قد يؤدي بهم إلى مالا تحمد عقباه . ونكون بذلك قد ساهمنا في بناء المجتمع وتقدمه ، عوض خلق جيل اتكالي خنوع وبئيس وفقير، ونعمل بذلك على إنتاج وإعادة إنتاج نفس الهياكل ، ليبقى الفقير فقيرا والغني غنيا .وتصبح بذلك الطبقة الهشة مجرد أرقام وأدوات انتخابوية ليس إلا .
4- مفهوم الدولة الاجتماعية في الصحة
أما إذا انتقلنا إلى الحديث عن الصحة باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الدولة الاجتماعية، فيمكن القول ، لا نجاح لتعميم التغطية الصحية دون تأهيل حقيقي للمنظومة الصحية . فبالنسبة للحماية الاجتماعية ، الحكومة ادعت أنها ستعمم بطاقة التامين الإجباري عن المرض بالنسبة لجميع المواطنين والمواطنات ، وأن الناس الذين لديهم الرميد سيتم نقلهم الى الضمان الاجتماعي ، وحتى الذين كانوا خارج الرميد سيتم ادماجهم وحصولهم على بطاقة التغطية الصحية عن المرض . ولكن هؤلاء الذين سيتم حصولهم على البطاقة اين سيتوجهون للاستشفاء ؟ هل هناك مشروع موازي من أجل النهوض بالصحة في البلاد ؟
هناك من توجهوا الى المستشفى العمومي الاقليمي لإجراء عمليات جراحية بسيطة ، لكن لم يتم قبولهم بدعوى أن المستشفى لا يتوفر على الوسائل الضرورية لإجراء العمليات الجراحية . وعند توجهم الى مصحات خاصة ، يفاجأون بالمبالغ المرتفعة كفرق يؤدونه نقدا رغم توفرهم على بطاقة الضمان الاجتماعي..

نحن لا ننكر أن هناك مجموعة من كليات الطب قد بدأت تستحدث في المغرب، ويستحدث بجانبها مستشفى جامعي . لكن هذا غير كاف لأن هناك سبع جهات أخرى لا تتوفر على مراكز استشفائية جامعية ، ناهيك عن المستشفيات الاقليمية التي تعاني من قلة الاطر و التجهيز، فهناك من توجهوا الى المستشفى العمومي الاقليمي لإجراء عمليات جراحية بسيطة ، لكن لم يتم قبولهم بدعوى أن المستشفى لا يتوفر على الوسائل الضرورية لإجراء العمليات الجراحية . وكانوا مضطرين للتوجه الى مصحات خاصة لانهم يتوفرون على الضمان الاجتماعي ، لكنهم تفاجأوا بالمبالغ المرتفعة التي تطالبهم بها المصحات كفرق يؤدونه نقدا رغم توفرهم على بطاقة الضمان الاجتماعي، وحتى الذين ذهبوا للتطبيب ممن لديهم بطاقة التغطية الاجتماعية المجانية (الرميد) سابقا ، فإنهم صدموا بمواعد تصل إلى 6 أشهر فأكثر . مما يجعلهم يلجؤون الى الطب التقليدي رغم مخاطره . وهناك كذلك نقص في الموارد البشرية بسبب هجرة الاطباء الى الخارج نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها ، دون ان ننسى الغلاء الفاحش في الادوية . فعن أية رعاية صحية يتحدث البرنامج الحكومي ؟





التعليم في بلادنا يسير من سيء إلى أسوا. والدليل على ذلك هي الإضرابات التي خاضها نساء ورجال التعليم من أجل كرامتهم وتحسين وضعيتهم المادية، خلال الموسم الدراسي الحالي ، والتي تعدت ثلاثة أشهر ، حرم الاطفال من الدراسة ، والوزارة الوصية في سبات عميق ، الا تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي
5- مفهوم الدولة الاجتماعية في التعليم
أما الحديث عن التعليم باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الدولة الاجتماعية، فقد شهد ويشهد فشلا ذريعا رغم الإصلاحات المتكررة . وقد استبشر الجميع خيرا بالنموذج التنموي الجديد ، الذي تمكن من إجراء تشخيص لبعض أوجه النقص والضعف في منظومة التربية والتكوين ، وأقر بوجود أزمة في التعليم اختزلها فيما أسماه ” وجود أزمة ثلاثية الأبعاد ” يقصد بها ا- أزمة ضعف جودة التعلمات، ب- وفقدان الثقة في المدرسة العمومية وهيئة التدريس ج- وتعطل وظيفة المدرسة كمصعد اجتماعي . ووعد بإصلاح المنظومة التربوية . لكن لا هذا ولا ذاك ، وأن التعليم في بلادنا يسير من سيء إلى أسوا.




والدليل على ذلك هي الإضرابات التي خاضها نساء ورجال التعليم من أجل كرامتهم وتحسين وضعيتهم المادية، خلال الموسم الدراسي الحالي ، والتي تعدت ثلاثة أشهر ، بقي خلالها تلاميذ المدرسة العمومية ، محرومين من الدراسة طيلة هذه المدة، والوزارة الوصية في سبات عميق ، همها الوحيد هو تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي من خلال محاولة تمرير نظام أساسي مجحف ، لا يراعي لا مصلحة التلميذ ، ولا الأستاذ كفاعل أساسي وكقطب الرحى في كل إصلاح . هدفه الأساسي القضاء على المدرسة العمومية ، وتشجيع التعليم الخصوصي ، وفعلا نجحت في ذلك . حيث أغلبية تلاميذ العمومي قد نزحوا إلى الخصوصي خلال فترة الاضرابات ،مما خفف على الوزارة من عبء الاكتظاظ ، والنقص في الأساتذة. ولم يبق في العمومي إلا تلاميذ الفئات الهشة الذين لا حول لهم ولا قوة . فأين هي مدرسة تكافؤ الفرص التي نادى بها البرنامج الحكومي؟ علما بأن التعليم هو الأرضية الصلبة للتنمية المحلية، والقاعدة الاساسية للسير بالدولة إلى تحقيق الأهداف المنشودة .
وخلاصة القول إن بناء الدولة الاجتماعية تحتاج إلى ثقافة وقيم جديدة تعيد الاعتبار للمواطن وتحفظ كرامته ، برؤية ديمقراطية وتشاركية لمعالجة الاختلالات التي نتجت عن الليبرالية الجديدة ببرامجها القاسية ، وذلك بتنزيل برامج اجتماعية بديلة وحقيقية تنهض بالتعليم والشغل والصحة والسكن ، وتجديد الأمل في مجتمع يضمن الحرية والعيش الكريم للجميع بدون إقصاء أو تهميش ، ويؤمن بثقافة الاختلاف والاعتراف والإنصاف لبناء مجتمع قوي ومتضامن . لأن اتخاذ قرارات قاسية في مجال الشأن العام يخلق التوتر ويؤدي إلى تراجع الثقة ويولد الإحساس بالظلم والإقصاء، ويجعل المواطن يحس أن الدولة تتخلى عنه . كما يجب على الفاعل السياسي أن ينفتح على المواطن ويتواصل معه ، وينصت إلى همومه وانشغالاته ومطالبه ، لضمان التعبئة الجماعية والمتضامنة لإيجاد الحلول لمختلف التحديات والمشاكل الاجتماعية ،للحد من مضاعفات الأزمة على الحياة المعيشية للمواطن ، وانعكاساتها المدمرة . كما يجب على الفاعل السياسي أن يلتزم بوعوده الانتخابية ، باعتماد الحكامة والشفافية وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد . وإذا كنا نرغب فعلا في بناء الدولة الاجتماعية في هذه الظروف الصعبة فإن طبقة الأغنياء ورجال الأعمال مطالبون اليوم بتحمل تكلفة الأزمة الاجتماعية ، وليس فقط الطبقة المتوسطة والفقيرة خدمة للدولة الاجتماعية المنشودة ، وذلك بالتراجع عن موجة الغلاء في المحروقات وباقي المواد الغذائية الأخرى، من أجل الحد من التوتر والاحتقان المجتمعي.
ذ. محمد ابركي، مدير سابق لموسسة تعليمية عمومية
مقالات الكاتب :
https://dr-achbani.com/ظاهرة-التشرميل-بين-تسويق-الوهم-والحقي/
https://dr-achbani.com/مفارقات-شباب-الأمس-واليوم-هل-هي-أزمة-مج/
https://dr-achbani.com/عيد-الأضحى-من-البعد-الديني-إلى-الإكراه/