مع د. حسناء الشريف الكتاني: الاقليات المسلمة بالعالم تحتاج الى مظلة تجمعهم من اجل الدفاع على كيانهم.


“لن يرضى عنك الغرب ما دمت لم تتبع ملته، وفي كثير من الأحيان حتى لونك المختلف قد يسبب لك العناء”
الغرب يريد استقطاب الأدمغة والأيدي العاملة المسلمة لأنه يشكو من خصاص في كل ذلك، خاصة بعد انهيار القيم والعزوف عن الزواج وبالتالي انخفاض عدد الشباب واتجاه جميع دوله نحو الشيخوخة.
لكنه يرفض أن يهاجر إليهم المسلمون بدينهم وهويتهم ولغاتهم وطقوسهم (لباسهم وحجابهن). هم يريدون من المهاجربن الذوبان فيهم.
لا يريدون لا أحمد ولا محمدا ولا عائشة ولا حفصة…
لن يرضى عنك الغرب ما دمت لم تتبع ملته، وفي كثير من الأحيان حتى لونك المختلف قد يسبب لك العناء.
هذا ليس سرا فقد عقدت وما زالت تعقد بخصوصه ندوات في قنوات تلفزية عامة….خاصة في فرنسا.
في الندوة التي عقدت في هولندا سنة 1995م، استدعي أربعة من الشخصيات الإسلامية المعروفة باهتمامها بقضايا الجاليات الإسلامية وعلى رأسهم البروفيسور علي المنتصر الكتاني (مؤسس علم الأقليات المسلمة). من بين الأسئلة التي طرحها مدير الندوة هي الفكرة النمطية السائدة في جميع دول الغرب من أن المسلمين المهاجرين لا يمكن أن يكون لهم ولاء للأوطان المستقبلة – ما داموا مسلمين – لأن القناعة الجوهرية للإسلام لا يمكن أن تنسجم مع الأنظمة العلمانية……وهذا في الحقيقة فكر خطير لأنه يرى بأن الإنسان المسلم لا يؤتمن جانبه.
كما أن مدير الندوة طرح تساؤلا آخر فيه اتهام للمسلمين بالعداء التاريخي تجاه الغرب (وهذا أيضا فكر سائد بين مجتمعاته).

على عكس ما طرحه بقية المشاركين في الندوة، أوضح البروفيسور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله مسألة تاريخية جلية وهي أن الحضارة الإسلامية كانت حضارة انفتاح على بقية الحضارات وكانت أكثر تقبلا للاختلافات الدينية والعقدية بينما الحضارة الغربية تاريخها مرير مع المسلمين وذكر كمثال: ما وقع للأندلس من قبل النصارى الكاثوليك ثم قال: ” لا يمكنني أن أنسى ما حدث وقطعة مني من الأندلس“.
تجدر الإشارة إلى أن البروفيسور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله عرف بدفاعه المستميت عن الأقليات المسلمة في كل بقعة في العالم، وكان قد أصدر كتابه الشهير “المسلمون في أوروبا وأمريكا” سنة 1395 هج مفصلا أوضاع المسلمين هناك وتعداهم ومشاكلهم ثم وضع في آخر الكتاب (وهو في مجلدين) فكرة التنظيم الشامل قائلا:
(إذا تنظم المسلمون بالطريقة التي ذكرناها في كل دولة من الدول لأصبح تنظيمهم على مستوى المناطق معقولا. ولقد جزأنا أوروبا إلى خمس مناطق متقاربة في عدد السكان و كذلك فعلنا بالقارة الأمريكية. ونوصي أن يكون لكل منطقة مجلس إسلامي يتكون من المجالس الإسلامية العليا في كل دولة، وبهذا تكون خمس مجالس جهوية لأوروبا وتكون هذه المجالس الخمسة المجلس الأعلى الإسلامي الأوروبي…..وكذلك الحال لأمريكا…آسيا …إفريقيا…

وإذا عملنا على تنظيم المسلمين كانوا أقليات أو أكثريات أصبح من الممكن التفكير في تنظيم كل مسلمي الكرة الأرضية على مستوى عالمي، له أساس صحيح. ويترأس هذا التنظيم “رجل” اشترك في اختياره مسلمو الأرض جميعا ويكون لا شك في مستوى مسؤولية ” الخلفاء الراشدين”.
وبهذا يمكن للمسلمين استعادة وحدتهم على أسس صحيحة وبطريقة تتعدى الحدود الطبيعية والمصطنعة.
وجدير بالذكر أن من واجب هذه التنظيمات كلها الاعتناء بمصلحة المسلم قبل كل شيء متجنبة الانتماءات الحزبية……..أما المنتخيون في التنظيمات الإسلامية فيجب أن يبتعدوا كل البعد عن أي تحزب وأن يكون همهم الوحيد والأول والأخير هو خدمة الجالية الإسلامية)…انتهى.
خلاصة فكر البروفيسور علي بن المنتصر الكتاني هي أنه لا حل لمشاكل المسلمين غير التنظيم والوحدة، وكان يرى ضرورة تنظيم الجاليات المسلمة المهاجرة حتى لا تذوب ولا تتعرض للاضطهاد أو التصفية. وكان يعقد عليها آمالا في الوصول إلى مراكز القرار حتى تخفض الضغط على العالم الإسلامي وذلك بالحرص على بلوغ أعلى درجات التحصيل العلمي مع التمسك بتعاليم الإسلام والحفاظ على الهوية.
ولقد بذل الغالي والنفيس من أجل تنظبم المسلمين وحل مشاكلهم في جميع بقاع العالم بالتعاون مع أهل الخير ، إلى أن لاقى ربه شهيدا في ديار الأندلس.
فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
د. حسناء الشريف الكتاني– طبيبة متخصصة في تجميل الأسنان/ تخرجت من جامعة أردنية عام 1996، قبل أن تنال دكتوراه طب الأسنان بجامعة محمد الخامس بالرباط،
ملحق عن محاكم التفتيش الإسبانية ومورسكيون:
سلم أبو عبدالله الصغير غرناطة بعد صلح عقده مع فرناندو في تاريخ 25 نوفمبر 1491 (21 محرم 897 هـ) يقتضي بتسليم غرناطة وخروج أبو عبدالله الصغير من الأندلس، ولكن سرعان ما نقض هذا الأخير العهد. وبدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت هنا معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، باشرت عملية القضاء على المسلمين من قبل المسيحية المنتصرة، وقد حُرِّمَ الإِسْلاَمُ على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّمَ عليهم استخدام اللغةَ العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كَانَ يُحْرَقُ حَيًّا بعد أن يُعَذَّبَ أشد العذاب. وكانت محاكم التفتيش تجبرهم على التنصير. زاد ذلك تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع المسيحي. وحسب الرواية القشتالية الرسمية، لم يُبد الأندلسيون رغبة في الاندماج في المجتمع المسيحي الكاثوليكي وبقوا في معزل عنه، يقومون بشعائرهم الإسلامية ويدافعون عنها بكل تفان. وحتى لا يصطدموا بمحاكم التفتيش لجأوا إلى ممارسة التقية فأظهروا إيمانهم المسيحي وأخفوا الإسلام، فكانوا يتوضؤون، يصلون ويصومون… كل ذلك خفية عن أعين الوشاة والمحققين.

يتحدث مول في كتابه عن قرية مويل، فيصف كيف يصنع سكانها الأندلسيون الخزف ويُضيف: «قالوا لي إن القرية ليس بها سوى 3 مسيحيين قدامى هم الكاتب الشرعي، والقسيس وصاحب الحانة..أمّا الباقون فهم يُفضّلون الذهاب إلى مكة للحج عن السفر إلى كنيسة سانتياغو في جليقية».
سنة 1601م، كتب المطران ربيرا، مهندس قرار الطرد، تقريرا عن الوضع قدمه إلى الملك، وقال فيه: «إن الدين الكاثوليكي هو دعامة المملكة الإسبانية، وإن المورسكيين لا يعترفون ولا يتقبلون البركة ولا الواجبات الدينية الأخيرة، ولا يأكلون لحم الخنزير، ولا يشربون النبيذ، ولا يعملون شيئا من الأمور التي يقوم بها النصارى…» ثم يضيف: «إننا لا نثق في ولائهم لأنهم مارقون، وإن هذا المروق العام لا يرجع إلى مسألة العقيدة، ولكنه يرجع إلى العزم الراسخ في أن يبقوا مسلمين، كما كان آباؤهم وأجدادهم. ويعرف مفتشوا العموم أن المورسكيين (بعد أن يحجزوا عامين أو ثلاثة وتشرح لهم العقيدة في كل مناسبة) فإنهم يخرجون دون أن يعرفوا كلمة منها، والخلاصة أنهم لا يعرفون العقيدة، لأنهم لا يريدون معرفتها، ولأنهم لا يريدون أن يعملوا شيئا يجعلهم يبدون نصارى». وفي تقرير آخر يقول المطران نفسه: «إن المورسكيين كفرة متعنتون يستحقون القتل، وإن كل وسيلة للرفق بهم فشلت، وإن إسبانيا تتعرض من جراء وجودهم فيها إلى أخطار كثيرة وتتكبد في رقابتهم والسهر على حركاتهم وإخماد ثوراتهم كثيرا من الرجال والمال..».
وجاء في قرار الطرد الخاص بمسلمي بلنسية: ” …قد علمت أنني على مدى سنوات طويلة حاولت تنصير مورسكيي هذه المملكة ومملكة قشتالة، كما علمت بقرارات العفو التي صدرت لصالحهم والإجراءات التي اتخذت لتعليمهم ديننا المقدس، وقلة الفائدة الناتجة من كل ذلك، فقد لاحظنا أنه لم يتنصر أحد، بل زاد عنادهم.
مقالات الكاتبة :
https://dr-achbani.com/ابعاد-اللغة-العربية-في-منظومتنا-التع/
https://dr-achbani.com/في-ذكرى-السنة-الثالثة-لمسجد-أيا-صوفيا/