المنبر الحر

هل الدولار الامريكي المعوم الى افول؟ الجزء الاول

د. الحسن اشباني

كان من المفروض كتابة مقال او مقالات جراء الزلزال المدمر الذي اصاب اخواننا و اخواتنا في منطقة الحاوز مراكش بالمغرب٫ و ماساة الساحل الشرقي لليبيا الرهيبة و خصوصا مدينة درنة٫ التى حولتها العاصفة “دانيال” إلى مقبرة مفتوحة لاكثر من عشرين الف ضحية الى جانب عشرات الاف من المفقودين من اخواننا و اخواتنا الليبيين. ولكني شخصيا فضلت ارجاءه الى حين استقرار المعطيات و جمعها و دراستها و استنتاج العبر و العضات من هاتين الفاجعتين التي اصابتا القطرين الشقيقين. ولا يسعنا الا ان نترحم عليهم و نقول كما قال رسولنا الكريم : اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك. اميييين. لنعد الى موضوع المقال..

1- مقدمة :

على الرغم من التقلبات الدورية في قيمة الدولار الأمريكي، إلا أن الدولار يظل حاليا واحدًا من أكثر العملات استقرارًا واعتمادًا في العالم حسب البعض. و في اعتقاد المختصين٫ لن يبقى هكذا طويلا نظرا للتغيرات السياسية و الاقتصادية السريعة في العالم التي تساهم فيها الصين بشكل كبير و معها بلدان كثيرة تاثرت بالقطب الوحيد الممثل في امريكا منذ الحرب العالمية الثانية٫ التي استثمرت من خلاله امريكا قوتها و هيمنتها (بفضل الدولار ) لفرض بلا اي مظلة دولية قانونية كلما ارادت٫ العقوبات على الدول مثل التي فرضت مثلا على إيران وبعض الشركات الهامة في الصين مثل هواوي، وبعض الشركات التركية والشركات العملاقة الغازية والنفطية في روسيا. الامر الذي ساهم بشكل اساسي بدفع هذه الدول الى خلق بدائل عن الدولار الامريكي كعملة للتبادل التجاري. فالدولار الامريكي ذاهب الى الافول من ناحية اعتماده كعملة للتبادل التجاري حسب المختصين، بعد الخروج الهائل لاكثر من 60 بالمئة من اقتصاديات العالم كمنظمة شنغهاي، اضافة الى دول البريكس (BRICS) او بريكس بليس ( 11 دولة اعتباراً من 1 يناير 2024)، والتوجه الى بدائل بالعملات المحلية، حيث بدأت روسيا والصين التعامل فيما بينهما بالعملات الوطنية وكذلك خلق عملة مشفرة بين روسيا وايران بدعم من الذهب، وخلق عملة جديدة ما بين الارجنتين والبرازيل، والتبادل التجاري ما بين بعض دول الخليج الفارسي والهند سيكون بالروبية الهندية. و بهذه التغيرات سيفقد ممل لا شك فيه الدولار الامريكي الكثير من نسبته كتحوط عالمي.


فالعملات العالمية تعتبر كما هو معلوم من أهم عوامل تحديد اتجاهات الاقتصاد العالمي وتأثيره على البلدان والأسواق المالية. ومن بين هذه العملات، يحتل الدولار الأمريكي مكانة فريدة وبارزة. فتاريخه كعملة عالمية يعكس مراحل مهمة في تطور الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية. سيتم في هذا البحث استكشاف تاريخ الدولار منذ تأسيسه كعملة رسمية مقابل الذهب ومرورًا بمراحل تطوره المختلفة حتى الوقت الحالي. من خلال هذا التحليل، سنسعى إلى فهم أعمق للأثر الذي تركه الدولار على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وسنقدم نظرة تاريخية شاملة تسلط الضوء على أهم الأحداث والتغيرات التي أثرت على هذه العملة العالمية البارزة.

الدولار بين نظام الذهب القائم وتعويمه

2- تعريف الدولار و أهمية دراسة تاريخه:

الدولار الأمريكي هو العملة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية وواحدة من أكثر العملات انتشارًا واستخدامًا في العالم. يُستخدم في المعاملات التجارية الدولية وكعملة احتياطية من قبل العديد من البلدان والمؤسسات المالية. ان دراسة تاريخ الدولار كعملة عالمية تمتلك أهمية بارزة لعدة أسباب. أولاً، تسلط الضوء على كيفية تأثير الدولار على الاقتصادات الوطنية والعلاقات الدولية، حيث يمتلك الدولار دورًا حاسمًا في تحديد أسعار الصرف ومستويات التجارة العالمية. ثانيًا، يتيح دراسة تطور الدولار فهمًا أعمق للأحداث التاريخية الهامة مثل الكسر بنظام الذهب والتحولات في الاقتصاد العالمي.
تأسيس الدولار:
تأسس الدولار الأمريكي كعملة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الثامن عشر. و يُعزى تأسيسه إلى عملية الاستقلال الأمريكية والحاجة الماسة لوجود عملة وطنية قوية ومستقرة للدولة الجديدة. في بداية تاريخ الولايات المتحدة بعد الاستقلال عن المملكة المتحدة في عام 1776، كانت هناك عملات متنوعة في الاستخدام، بما في ذلك العملات الأجنبية والعملات المحلية التي أصدرتها الولايات الفردية. و في عام 1792، أقر الكونجرس قانون الدولار الفيدرالي لتنظيم النقد، الذي أنشأ الدولار الفضي والذهبي كعملتين رسميتين للولايات المتحدة. هذا القانون وضع أسسًا هامة للنظام المالي الأمريكي الحديث وساهم في توحيد العملة.

الأسباب والدوافع وراء اختيار الدولار:

  1. الاستقلال الاقتصادي: كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن المملكة المتحدة بعد الاستقلال السياسي. لذا فاستخدام عملتها الوطنية كان أمرًا ضروريًا لتحقيق هذا الهدف.
  2. توحيد السوق الوطنية: بوجود عملة وطنية موحدة، تم تيسير التجارة والتبادل الاقتصادي داخل الولايات المتحدة، مما ساهم في توحيد السوق الوطنية وتعزيز التنمية الاقتصادية.
  3. استقرار العملة: تمتاز الدولار بالاستقرار والثقة، وهذا جعلها خيارًا مفضلًا للمستثمرين والتجار في جميع أنحاء العالم. فقد ساهمت الثقة في الدولار في تعزيز دورها كعملة عالمية.
  4. التطورات التكنولوجية: في القرن التاسع عشر، شهدت الولايات المتحدة تقدمًا في تقنيات الصكوك المالية ونظام البنوك المركزية، مما أدى إلى تعزيز دور الدولار كعملة قوية وموثوقة.

بهذه الطريقة، تم تأسيس الدولار كعملة رسمية في الولايات المتحدة بنجاح، وتطورت بمرور الوقت لتصبح واحدة من أكثر العملات تداولًا واحتياطًا في العالم، وتلعب دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.

3- نظام الذهب القائم وتحويل الدولار إلى ذهب:

في الفترة الزمنية بين أوائل القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، كان هناك نظامًا نقديًا يعرف بنظام الذهب القائم. وفي هذا النظام، كان بإمكان الأفراد والدول تحويل الأموال إلى ذهب بقيمة محددة وثابتة. وبناءً على ذلك، كان بإمكان الدولار الأمريكي وباقي العملات الرئيسية أن تكون معتمدة على مخزونات الذهب.
في الولايات المتحدة، كان هناك معيارًا ذهبيًا رسميًا تم تطبيقه بدايةً من عام 1900 حتى عام 1971. وفي هذا النظام، تمثلت معظم الدولارات الأمريكية في مخزون ذهبي مُحدد. بمعنى آخر، كان بإمكان حاملي الدولار تحويلها إلى كميات محددة من الذهب.
تطور العلاقة بين الدولار والذهب على مر الزمن:

نجاح الدولار الذهبي: في الفترة الأولى من نظام الذهب القائم، نجح الدولار الأمريكي كعملة محتكمة بالذهب وكان يعتبر موثوقًا به في السوق العالمية. تم تفضيل الدولار على نطاق واسع كوسيلة لتخزين الثروة.
التحديات الاقتصادية: في الفترة بين الحروب العالمية وخلال الكساد الكبير، بدأت الولايات المتحدة تواجه صعوبات اقتصادية. هذا أدى إلى زيادة الضغط على احتياطات الذهب وأثر سلبًا على نظام الذهب القائم.
نهاية نظام الذهب القائم: في عام 1971، قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإعلان نهاية نظام الذهب القائم وتعويم الدولار. هذا الإجراء أُخذ بسبب الصعوبات الاقتصادية التي كانت تواجهها الولايات المتحدة وضغط الاحتياطيات الذهبية.
بعد إلغاء تبعية الدولار للذهب -نظام الذهب القائم-، بدأ الدولار بالتداول بشكل مستقل على أساس العرض والطلب في الأسواق العالمية. تمثل هذه الفترة انتقالًا إلى نظام العملة المنخفضة حيث يتم تحديد قيمة الدولار بالعوامل الاقتصادية والمالية بدلاً من الذهب.

نظام الذهب القائم : الدولار الأمريكي عملة محتكمة بالذهب في البداية

فقد تأثر الاقتصاد العالمي بشكل كبير بالتحول إلى نظام العملة المنخفضة وتداول الدولار بشكل مستقل. أدى ذلك إلى تقلبات أكبر في أسعار الصرف وزيادة الحاجة إلى إدارة الاحتياطيات النقدية بعناية. و أصبح لدى الولايات المتحدة حرية أكبر في تحديد سياستها النقدية والاقتصادية دون تأثير مباشر من قيمة الذهب.
بالإضافة إلى ذلك، أدى تداول الدولار بشكل مستقل إلى تعزيز دور الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية. حيث اصبح الدولار عملة احتياطية للبنوك المركزية ووسيلة للتجارة الدولية، مما منح الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا في الاقتصاد العالمي.

4- الفرق الرئيسي بين نظام الذهب القائم وتعويم الدولار

نتحدث فيما يلي عن الفرق الرئيسي بين نظام الذهب القائم وتعويم الدولار :

نظام الذهب القائم (Gold Standard):

  1. القيمة المرتبطة بالذهب: في نظام الذهب القائم، تكون القيمة النقدية للعملة مرتبطة بكمية معينة من الذهب. بمعنى آخر، يمكن للحكومة تحويل الأموال الورقية إلى ذهب بسعر ثابت.
  2. استقرار الأسعار: هذا النظام يميل إلى تحقيق استقرار في أسعار الصرف والتضخم، لأن القيمة النقدية للعملة مرتبطة بالذهب ولا يمكن تصنيع المزيد من النقود بدون زيادة في احتياطيات الذهب.
  3. قيمة ثابتة للعملة: العملة في نظام الذهب القائم تكون ذات قيمة ثابتة ومحددة بالذهب. هذا يعني أن معدلات الصرف تكون ثابتة بين العملات المختلفة.
  4. قيود على السياسة النقدية: الحكومات تكون مقيدة في توسيع كميات النقود في الاقتصاد، حيث يجب أن يزيد الاحتياطي من الذهب لتدعم زيادة في العرض النقدي.

تعويم الدولار (Dollar Float):

  1. قيمة غير مرتبطة بالذهب: في نظام التعويم، ليس هناك أي صلة مباشرة بين قيمة الدولار والذهب. القيمة تحدد بناءً على العرض والطلب في الأسواق.
  2. تقلب في الأسعار: العملة تعرض لتقلبات أكبر في أسعار الصرف بسبب التغيرات في العوامل الاقتصادية والمالية.
  3. حرية سياسة النقدية: الحكومات والبنوك المركزية تتمتع بحرية أكبر في تنفيذ سياسات نقدية واقتصادية من أجل التعامل مع التحديات الاقتصادية.
  4. عدم وجود قيمة ثابتة: العملة في نظام التعويم ليس لها قيمة ثابتة، وقيمتها تتغير بناءً على الأسواق والظروف الاقتصادية.

باختصار، الفرق الرئيسي هو أن نظام الذهب القائم يرتبط بقيمة الذهب ويوفر استقرارًا أكبر في الأسعار، بينما تعويم الدولار يعتمد على العوامل السوقية ويسمح بحرية أكبر في سياسة النقدية ويتيح تقلبات أكبر في قيمة العملة.

5- تحديات وانتقادات: تأثير السياسات النقدية والاقتصادية الأمريكية على الدولار:

  1. تأثير السياسة النقدية: سياسات الفائدة والتدخل النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قيمة الدولار. زيادة الفائدة قد تجعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين، في حين أن خفض الفائدة يمكن أن يقلل من جاذبية الدولار ويزيد من تدفق الأموال إلى عملات أخرى.
  2. التضخم والتدهور النقدي: التضخم العالمي ومخاوف التدهور النقدي يمكن أن تؤثر سلبًا على الدولار. ارتفاع التضخم يقلل من قوة الشراء للدولار ويجعله أقل جاذبية. علاوة على ذلك، إذا ازدادت المخاوف من التدهور النقدي، فقد يقلل ذلك من الثقة في الدولار.

الانتقادات الموجهة إلى الهيمنة الدولارية وتحدياتها:

  1. الهيمنة الاقتصادية والسياسية: يُنظر إلى الهيمنة الدولارية على أنها تمنح الولايات المتحدة قوة اقتصادية وسياسية هائلة، وهذا يثير انتقادات من بعض الدول التي تعتقد أن النظام المالي العالمي غير عادل ومتحيز للولايات المتحدة.
  2. التبعية عند البلدان الأخرى: لا يمكن للدول أن تتجاهل الدولار في التجارة الدولية والاقتصاد العالمي. هذا يعني أنها مضطرة إلى الاعتماد على الدولار وقد تتأثر بسياسات الفائدة والتدهور النقدي الأمريكية.
  3. تقلبات السوق: الدولار عملة عائمة، وبالتالي تعرضت لتقلبات كبيرة في سوق صرف العملات. هذه التقلبات يمكن أن تكون مؤثرة على الاقتصادات الوطنية والشركات الدولية.
  4. تقييدات التجارة والعقوبات: الولايات المتحدة يمكنها تطبيق عقوبات اقتصادية على الدول الأخرى بموجب قوانينها وتشريعاتها. هذه العقوبات يمكن أن تشمل منع التجارة مع دولة معينة أو فرض رسوم جمركية أو قيود على الاستثمارات أو تجميد الأصول المالية. و في الكثير من الحالات، تُجبر الدول المستهدفة بالعقوبات على استخدام الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الدولية نتيجة لهذه العقوبات. وبما أن الدولار هو العملة الرئيسية في التجارة العالمية ومعظم المعاملات الدولية تتم بالدولار، فإن هذا يعني أن الدول المستهدفة بالعقوبات تجد صعوبة في التعامل بالعملات الوطنية في التجارة الدولية. كما ان الاستخدام المفرط للعقوبات الاقتصادية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على اقتصادات الدول المستهدفة ويضع ضغوطًا سياسية عليها لتغيير سلوكها أو تنفيذ تغييرات سياسية.
  5. انتقادات وتحديات: يتعرض استخدام العقوبات الاقتصادية بواسطة الولايات المتحدة لانتقادات من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية، حيث يُعتبر أنها تمارس الضغط بشكل غير متوجه وتؤثر على الشعوب المدنية أكثر من النظام الحاكم. نذكر فيما يلي بعض الضغوطات الاقتصادية الطغيانية التي مارستها الولايات المتحدة على الدول التالية:
  • العقوبات الاقتصادية على إيران: تاريخياً، فرضت الولايات المتحدة عدة جولات من العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب مسائل مثل البرنامج النووي الإيراني والدور المزعوم لإيران في دعم الإرهاب. تشمل هذه العقوبات حظراً على بيع النفط الإيراني وتقييدات على التجارة وتجميد الأصول المالية. هذه العقوبات أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني وأثرت على حياة المواطنين.
  • العقوبات على فنزويلا: تم فرض عقوبات اقتصادية على فنزويلا بسبب التطورات السياسية والانتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد. تشمل هذه العقوبات منعًا للتجارة مع الحكومة الفنزويلية وتجميد الأصول وتقييدات على القروض والاستثمارات. أثرت هذه العقوبات على الاقتصاد الفنزويلي وتسببت في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
  • الضغوط على تركيا بسبب شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية: في 2019، عاقبت الولايات المتحدة تركيا بفرض عقوبات اقتصادية بعدما اشترت تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 رغم تحذيرات الولايات المتحدة. هذه العقوبات شملت تعليق مشاريع عسكرية مشتركة وزيادة رسوم الجمارك على الصلب والألمنيوم التركي.
  • الضغوط على كوبا لسنوات: منذ عقود، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية وتجارية شديدة الصرامة على كوبا بسبب العلاقات المتوترة بين البلدين. تضمنت هذه العقوبات حظراً على التجارة والاستثمار والسفر، وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد الكوبي.
  • العقوبات على روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا: في استجابة لتدخل روسيا في أزمة أوكرانيا وضم القرم، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها العديد من العقوبات على روسيا. تشمل هذه العقوبات تجميد الأصول ومنع التجارة في بعض القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز.
  • العقوبات على ليبيا: في العقد الثمانيني والتسعيني، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على ليبيا بسبب الأنشطة الإرهابية ودعمها للجماعات الإرهابية كما تدعيها. تضمنت هذه العقوبات تجميد الأصول الليبية في الولايات المتحدة ومنع التجارة مع ليبيا. و في عام 2003، تم رفع بعض العقوبات بعد أن أعلنت ليبيا تخليها عن برامج أسلحة دمار شامل. و في عام 2011، تم تشديد العقوبات على ليبيا بسبب أحداث الثورة الليبية والانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل نظام القذافي. ثم في الأعوام التالية، تم تخفيف العقوبات تدريجياً بموجب اتفاقيات وتسويات دبلوماسية.

هذه الأمثلة تظهر كيف يمكن استخدام الولايات المتحدة للدولار كوسيلة لفرض ضغوط اقتصادية على الدول الأخرى في مختلف السياقات ولأسباب متنوعة، وتؤثر هذه الضغوطات على الاقتصادات والحياة اليومية في هذه الدول.

6- بحث عن بدائل هيمنة الدولار

هناك بعض الجهود التي تبذلها بعض الدول والمنظمات الدولية للبحث عن بدائل للاعتماد الكامل على الدولار في التجارة والتمويل الدوليين. هذه الجهود تأتي من مختلف الدوافع، بما في ذلك تقليل التعرض للتقلبات في أسعار صرف الدولار وتنويع الاحتياطيات النقدية. فيما يلي بعض البدائل والمبادرات:

  1. استخدام العملات الوطنية: بعض الدول تحث على استخدام عملاتها الوطنية في التجارة الدولية بدلاً من الدولار. على سبيل المثال، الصين تشجع على استخدام اليوان الصيني (الرنمينبي) في التعاملات التجارية.
  2. التجارة بالعملات المحلية: بعض الدول توقع اتفاقيات للتجارة بالعملات المحلية مع شركاء تجاريين. على سبيل المثال، الصين وروسيا قامتا بالتداول باستخدام اليوان والروبل الروسي في بعض الصفقات التجارية.
  3. استخدام العملات الرقمية: هناك اهتمام متزايد بالعملات الرقمية المرتبطة بالبلوكشين، مثل البيتكوين، كبدائل للعملات التقليدية في التجارة الدولية.
  4. المبادرات الإقليمية: هناك بعض المبادرات الإقليمية التي تهدف إلى تعزيز الاستقلالية عن الدولار. على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي قام بإطلاق مشروع “إينستكس” INSTEX للتجارة مع إيران باليورو بدلاً من الدولار للتخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية على إيران.
  5. تطوير نظم مالية جديدة: هناك عدة دول قد درست أو تدرس إمكانية إنشاء نظم مالية جديدة تسهم في تنظيم التسوية المالية بشكل أكبر خارج النظام المالي الدولي التقليدي. من بين هذه الجهود الدولية والمبادرات المحتملة، يمكن ذكر الأمثلة التالية:
  • روسيا: روسيا تعمل على تنمية نظام مالي بديل يستخدمها ويستخدمها شركاؤها التجاريين. قامت روسيا بتطوير نظام تسوية مالية بالعملة المحلية (الروبل الروسي) لزيادة التبادل التجاري مع بعض الدول. توقعت روسيا اتفاقيات مع بعض الدول للتداول بالعملات المحلية فيما بينهم، مثل الصين وإيران.
  • الصين: الصين تعمل على تعزيز استخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية وتعمل على تطوير أنظمة مالية بديلة تستند إلى اليوان. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الصين إنشاء مرفق بنكي دولي يُعرف بـ “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” (AIIB)، وهو منافس لصندوق النقد الدولي (انظر اسفله للتعرف اكثر على البنك الآسيوي).
  • الاتحاد الأوروبي: الاتحاد الأوروبي قد اتخذ خطوات لتقوية استقلاليته المالية عن طريق تعزيز الاستخدام الأوسع لليورو كعملة دولية وزيادة الإنفاق الاستثماري على مشروعات بنية تحتية في الدول الأعضاء. الاتحاد الأوروبي يشجع أيضًا على استخدام اليورو في التجارة الدولية بدلاً من الدولار.
  • إيران: بسبب العقوبات الأمريكية، تعمل إيران على تطوير نظام مالي بديل يسمى “تومان”، والذي يستخدم للتجارة مع بعض الدول الشريكة التجارية ويهدف إلى تقليل التأثير السلبي للعقوبات الاقتصادية.

اما فرص النجاح لهذه الجهود فتعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الاستجابة الدولية والتبني للنظم المالية البديلة وقوة الاقتصاد الوطني لكل دولة. يجب أن تواجه هذه الجهود تحديات مثل تحقيق التوافق الدولي وإثبات الاستدامة والثقة الدولية في النظام المالي البديل. على الرغم من ذلك، فإن البحث عن بدائل للاعتماد الكامل على الدولار في التجارة والتمويل الدولي يعكس التحولات الاقتصادية والسياسية في العالم ورغبة بعض الدول في تنويع خياراتها المالية.

7- ما هو البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) اي “Asian Infrastructure Investment Bank” هو منظمة مالية دولية أُسست بهدف تمويل وتطوير مشروعات البنية التحتية في مناطق آسيا والمحيط الهادئ. تأسس البنك رسميًا في عام 2016، ومقره الرئيسي في بكين، الصين. AIIB تأتي كإضافة إلى الهيئات الدولية الأخرى المختصة بتمويل وتنفيذ مشروعات البنية التحتية.

المنشأ:

  • تمت فكرة إنشاء AIIB في عام 2013، وذلك بمبادرة من الصين.
  • تم توقيع اتفاقية إنشاء البنك (اتفاقية المؤسسة) في أكتوبر 2014.
  • تم توقيع اتفاق الشروع في العمليات في يونيو 2015.

الدول الأعضاء:

  • AIIB تضم حاليًا أكثر من 100 دولة عضو، وهي تجمع بين دول من مناطق مختلفة في العالم.
  • بين هذه الدول الأعضاء تشمل دولًا آسيوية وغير آسيوية، مما يمنح البنك نطاقًا إقليميًا وعالميًا.
  • من بين الدول الأعضاء الرئيسية في AIIB الصين، الهند، روسيا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، وغيرها الكثير.

AIIB تعمل على تمويل وتنفيذ مشروعات البنية التحتية في مناطق اعضاءها بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين الاتصالات والبنية التحتية الأساسية. يشمل نطاق مشروعاتها مجموعة متنوعة من المجالات مثل النقل، والطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والاتصالات، والتعليم، والري، والمزيد. تهدف AIIB إلى تعزيز التكامل الإقليمي وتحفيز التنمية المستدامة في المنطقة.

يتبع

د. الحسن اشباني مدير بحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي المغرب و صحفي مهني

مقالات الكاتب :

https://dr-achbani.com/ملاحظاتي-حول-خطب-الجمعة/

https://dr-achbani.com/رواندا-التي-ابهرتني-ولم-ازرها-بعد-الجز/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE