المنبر الحر

من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : مطارحات عقلانية للفكر الحر

ذ سليمان شاهي الدين

مطارحات عقلانية للفكر الحر

ليس هناك بد من الإنخراط في الحياة وفقا لأي منبر يمكن استغلاله في بناء الثقافة العالمة و التأسيس للوعي الثاقب و النظر الفاحص و السداد العقلي الوازن، على الأقل لدينا هذه المنابر (وسائل التواصل الاجتماعي و مثل هذه المواقع الهادفة) الذي جاد بها الزمان و تطور التقنية و أصبحنا نطل من خلالها على العالم، و لدينا من خلال هذه الإطلالة جمهور يتجاوب إلى هذا الحد أو ذاك على حسب الإهتمامات و التوجهات و اختلاف المحتوى المعروض. و الأمر أشبه ما يكون بسوق و مجال التبضع، و لعل الكل في ترقب الإشارات و الإشعارات الرقمية و الهتافات و رموزها و ألوانها و بالتالي الإصغاء للحبكة العميقة التي ينضم ضمنها الوجود الإنساني في الراهن المعاصر، و هذا لم يكن في الماضي متاحا بنفس الدرجة و “قوة” الأداء و الدقة و إتباع مجال التأثير. إذ أصبح خرق المسافات و الظهور في أقاصي الأرض و في جميع أرجائه أعجوبة هذا الزمان، و هذا يعد تجليات تحقيق إحدى صور المتخيل الإنساني منذ عصور سحيقة ؛ عندما كان المفكرون و الكتاب و الفلاسفة يشتغلون و لم يكن مستوى إذاعة الأفكار بين الناس حاجزا، لأن أعمالهم يكمن سر وجودها في بناء الأثر و بث الرسالة الإنسانية ضمن أفق البناء الحضاري, و هذا هو المعبر و الجسر الممتد بين الماضي و الحاضر و الذي يتم من خلاله تحقيق الميراث المضطرد للتراكم الحضاري و الثقافي و العلمي و الفلسفي، و هو المجال الذي ينخرط فيه الفعل الإنساني من جهة فاعليته المميزة التي تتجاوز العادة و المألوف و تتربع على منصة التنظير و التأطير و إعادة النظر في بناء رؤية تتسع اكثر فأكثر لإستيعاب الوجود في جميع تجلياته و أبعاده و آفاقه المادية و المعنوية.

ما تزال النسبة التي تتواصل و تتفاعل – قليلة جدا – خارج مدارات التفاهة و السذاجة و البلاهة و السخافة، و لكن هذا أفضل من لا شيء، لكن لن نستطيع توسيع و إكتساح نسبة أكبر قليلا و هذا هو الحد المطلوب الذي تتطلبه عملية الإنقلاب الجذري للمجتمع

ما تزال النسبة التي تتواصل و تتفاعل – قليلة جدا – خارج مدارات التفاهة و السذاجة و البلاهة و السخافة، و لكن هذا أفضل من لا شيء، لكن لن نستطيع توسيع و إكتساح نسبة أكبر قليلا و هذا هو الحد المطلوب الذي تتطلبه عملية الإنقلاب الجذري للمجتمع. و من الاكيد ان هذا العمل يتمثل اساسا و بناءً على الإنخراط العملي في معركة بناء الوعي و محاربة جميع أوجه الجهل و الخرافة و الأصنام المرصعة و الأبطال المزيفة، و هي المعركة الجوهرية و الحاسمة و التي يبدأ مفعولها في تحقيق التغيير و الإنتقال من التخلف إلى التقدم، ليس بناء على الوصول إلى مرتبة ” البوز ” أو الدعاية السياسية أو شيوع البروباغاندا السياسوية. بل إن رهان التحدي و الممانعة تكمن في بناء الحد الأدنى للطبقة المثقفة غير المزيفة و هي التي تستطيع دون غيرها لتنهض بدور الفاعلية التاريخية في إحداث الإنقلابات الجذرية و التأسيس لقيام الصرح الحضاري البديل.

إن الإشتغال على مشروع علمي و فكري و نظري و فلسفي يستدعي الإستمرار في العمل دون الإلتفاف إلى مدى التأثير الذي يحدثه في الآن و الهنا و الصمود، بالرغم من شح السبل لتحقيقه و قلة التجاوب مع الجماهير. ذلك أن الوصول إلى النقطة الحرجة و الرهان القاصم و حدوث الإنقلاب النوعي ” المعجزة ” لا يفصله عن ذلك إلا خيط رفيع جدا، و هو الذي لا يأتي إلا كثمرة للإستمرار في العمل و الإنهماك في تقييد القول الفصل في الموازنة التاريخية للفكر و الفعل كمنجز حضاري لا ينفصلان مهما طال الإنحصار العقلاني و الطاقة السلبية في الإمتداد.

أصبح من العلوم و اليقين أن معركة الوعي هي الفيصل بين الجد و اللعب و لذلك ما أزال و كثير غيري يعملون على رسم معالم بناء مشروع فكري نروم ضمنه إعادة بناء هذا الفكر الشقي و عقلنة هذا العقل المتصدع…

أصبح من العلوم و اليقين أن معركة الوعي هي الفيصل بين الجد و اللعب و لذلك ما أزال و كثير غيري يعملون على رسم معالم بناء مشروع فكري نروم ضمنه إعادة بناء هذا الفكر الشقي و عقلنة هذا العقل المتصدع، و لذلك يعتبر كل انسحاب – كما يدعوا له الخصوم على إختلاف خلفياتهم – في تجشم هذه المهام و النهوض بها بتفان و إصرار، و هذا بالذات هو الإقرار الحاسم على العكس تماما أننا نفكر بمعنى سعينا لبناء الوعي و التأسيس المعرفي و الإبستمولوجي و الفلسفي لأطره العقلية بوصفها قوام وجودي لكياننا الإنسان.

و هذا يماثل مقولة ” الكوجيطو ” الديكارتي و يستوعبه و يتجاوزه بمعنى من المعاني بحيث أن بناء الوعي ( أفكر ) و هذا هو فاعلية الوجود الإنساني و جوهره و هي السمة التي لا تنفصل عنه كإنسان بَنّاءٍ للفكر و العقل بوصفهما روح التنزيل العملي للبناء الحضاري الأرقى.

ذ. سليمان شاهي الدين

باحث / كاتب / ناقد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE