من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : ما العمل من اجل اقلاع حقيقي لوطننا


في معرض المشاركة مع مجموعة من الطالبات و الطلبة القدامى الذين كنت أحدهم بشعبة الفلسفة تخصص علم الإجتماع و تخصصات أخرى علم النفس أو الفلسفة العامة جيل 1986/ 1990 جامعة محمد الخامس الرباط، و بعد انشاء مجموعة تخصنا على إحدى وسائل التواصل الإجتماعي بغية إحياء أواصر الصداقة و العمل على توحيد الجهود لتقديم أعمال مشتركة أو المساهمة بإغناء تجاربنا كل في ميدان اهتماماته و تخصصه، إرتأيت أن أحث المجموعات الطلابية الأخرى أن تنشأ مجال تشاركي يقدم فيه زبدة ما يمكن أن يساهم به في الرفع من المستوى الثقافي و البحثي و تبادل الخبرات و إنشاء مؤسسات جمعوية فاعلة في المجتمع المدني أقدم نص مشاركتي أدناه :

” تحية عالية جدا جدا لكل الصديقات و الأصدقاء مجموعة / جمعية أصدقاء الراحل محمد جسوس (عالم الاجتماع المغربي) و كل الشكر للذين ساهموا بأي أثر فكري و ثقافي في إغناء النقاش و الرفع من همم المجموعة بغية استشراف مستقبل نوعي في البحث و الدراسة و المثاقفة ..
يمكن الرجوع في كل مرة عند الحديث عن أية إشكاليات بنيوية تخص قضية التخلف و التقدم و ما يتعلق بها من نذر ” العولمة ” و آلام البشرية الناتجة عن السياسات العميقة التي تحاك سابقا في الكواليس و تدبر الآن في العلن.
إن النهوض بالتعليم هو الرهان الذي يمنح القدرة على تكوين ليس اليد العاملة الماهرة فقط بل يقدم الأدمغة و الكفاءات العلمية و المنهجية الذكية بامتياز

إن النهوض بالتعليم هو الرهان الذي يمنح القدرة على تكوين ليس اليد العاملة الماهرة فقط بل يقدم الأدمغة و الكفاءات العلمية و المنهجية الذكية بامتياز، و لقد أشرنا بصدد صعود نجم بعض الدول كنماذج يمكن الاحتذاء بها و هي ماليزيا و سنغافورة و تركيا لما لذلك النهج – كتجارب تاريخية -، من فوائد غاية في الأهمية، إذ تسمح بنقل الدولة و المجتمع و على رأسها الشباب إلى القدرة على تحقيق ثورة نوعية تستطيع بلورة تنمية بشرية غير مسبوقة، و هو ما يسمح بأن ينقل البلد و مؤسساته إلى المكانة المرموقة في البناء الإقتصادي و الأكاديمي و تطوير البحث العلمي و الدفع به إلى عتبات التقدم الخلاق.
إن الإرادة الإجتماعية الواعية التي تحرس على بلورة خيار سياسي مُتنفّذ في بلورة خطة راشدة و عقلانية لتحقيق التقدم و الذي لا ينفصل البتة عن خدمة المصلحة العامة للمجتمع تشكل الرهان المحوري لكل فاعلية تاريخية في الزمان و المكان، و لكن هذا الخيار الإستراتيجي لم تعرفه معظم دول العالم الثالث و على رأسها الشعب المغاربي بالنظر إلى كون الأنظمة السياسية التي جاءت بعد الإستعمار الفرنسي و الإيطالي و الإسباني المباشر لم تخرج من العمل الوظيفي الذي حدد لها من خلال المعاهدات المبرمة مع المستعمر.
و لقد مضت زهاء سبعة عقود و تبين أن الخيار العام للسياسات المنتهجة تعمل عن كثب لضرب كل القدوات من قبيل المرأة و المعلم و الأستاذ و العالم الشيء الذي جعل منظومة القيم السائدة في المجتمع تتعرض لإختلالات بنيوية صارخة أصبحت جراء ذلك منقلبة على عقبيها بحيث أصبحت القيم المادية أعلى شأنا من القيم المعنوية و الأخلاقية
و لقد مضت زهاء سبعة عقود و تبين أن الخيار العام للسياسات المنتهجة تعمل عن كثب لضرب كل القدوات من قبيل المرأة و المعلم و الأستاذ و العالم الشيء الذي جعل منظومة القيم السائدة في المجتمع تتعرض لإختلالات بنيوية صارخة أصبحت جراء ذلك منقلبة على عقبيها بحيث أصبحت القيم المادية أعلى شأنا من القيم المعنوية و الأخلاقية و هكذا تمت عملية القضاء عن الفضيلة و الحكمة و مفاهيم من قبل المروءة و الشجاعة و الإنسانية و الحرية و العدالة الإجتماعية قضايا بعيدة المنال و من ثم أصبح المجتمع المغاربي في تسارع مع الزمن و هو غارق في اختلالات بنيوية و أصبح – و يا العار و الهزيمة – يحتل عمليا المراتب الأخيرة على المستوى العالمي في التعليم و أصبحت الأمية و الفقر و الهشاشة و ظواهر إجتماعية خطيرة من قبل جنوح الأحداث و ارتفاع الجريمة ( التشرميل ) و تفشي الأمية و ما يترتب عليها من الشعوذة و الخرافة و أخيرا و ليس آخرا و هو أن تدخل الآلة الإعلامية و المناهج الدراسية الرديئة جنبا إلى جنب تجعل التفاهة و السذاجة و السخافة هي الشكل الأكثر إنتشارا في المجتمع مما جعل العقول غارقة في الطمس و الغباء و انتفاء البديهة. و ليس من الغريب أن ينساق مع هذا السيل الجارف حتى بعض المحسوبين على ” الفئة المثقفة “.


لم يبقى في المجتمع المغاربي بارقة أمل إلا مجموعة من الرجال و النساء الراشدين و العاقلين و الذين أصبحوا أهلا لحمل و تحمل المسؤولية لتدارك هذا البلد و الدفع به إلى الأمام، و إن ذلك لا يتم و لن يتم إذا لم تكن إرادة قوية و واعية و على إستعداد معنوي و مادي لإتخاذ القرار الوحدوي الذي لا يتصدع بفعل القوى المناوئة التي تعمل على الإختراق و بالتالي الهدم و صد كل إمكانيات التحول من التخلف إلى التقدم.
إننا في المعترك الحضاري لن نستطيع الوصول إذا أصبحنا مجرد قرّاء و دارسين منساقين مع عوامل الهدم التي تستشري في المجتمع، لابد لنا أن نسير ضد تيار التخلف الصاعد حتى نستطيع إحداث تغيرات جذرية واعدة لإقتلاع الوعي الشقي و الإنسان المغاربي من براثن التخبط و فقدان الثقة و الأمل و لهذا فإن المنقد من الضلال و التيه ليس سحراً و إنما هو أعمال ذات فائدة و إن تراكمها و إستمرارها، و لو كان ذلك بوتيرة بطيئة، فإنه سيعيد الثقة لهذا الإنسان المقهور و المهدور و أنه يستطيع أن يدخل منتصب القامة و في تمام الوعي و الفاعلية لأداء أدوار رائدة في بناء الحضارة و الدولة و المجتمع .
يتبع
و الله غالب على أمره
ذ. سليمان شاهي الدين باحث / كاتب / ناقد
لمزيد من كتابات ذ. سليمان شاهي الدين :
الاستاذ سليمان شاهي الدين : مطارحات عقلانية للفكر الحر (dr-achbani.com)
مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : آفاق القراءة إلى أين ؟ (dr-achbani.com)
للتعرف على الراحل محمد جسوس :