المنبر الحر

مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : وهم الأبطال الجزء الاول

امريكا يوم ٢٤ ديسمبر ٢٠١٥

لقد عرف العالم الحديث و المعاصر ظاهرة البطولة و تتويج الأبطال ؛ ضمن مسرح وحلبة التباري ؛ إذ تشرئب إليها الأعناق مشدوهة للإستمتاع بلحظات تحقق الغلبة و الإنتصار مقابل الخسران و الإنهزام ، و هي تعتبر بمثابة التفوق الباسل الذي يمثل القيمة المعيارية التي يصبو إلى تحقيقها كل من ينشد النبوغ و الريادة و الإستعراض البطولي الذي يتوخى الكمال الإنساني في نوعية المهارات و الكفاءات وفقا لإرتقائها سلم القيم المثلى المتداولة وطنيا أو عالميا، و بالتالي السعي الحثيث و المستميت لبلوغ الشهرة ؛ و ذلك عن طريق التخصص و إحتراف إحدى الأنشطة الإنسانية التي خصها الإنسان بالأهمية البالغة بالنظر إلى مدى جدوى أهميتها و منفعتها للحياة الإنسانية ، مثل الفن بمختلف ميادينه أو الرياضة و الأدب و المعارف الإنسانية و العلوم الحقة خاصة الفزياء الكونية.

غير أن السؤال الذي يطرح بإلحاح في مجال مختلف البطولات و أنواعها يقتضي الوقوف عند البطولة الحقة و الأبطال الحقيقيين ؟ أليست أصالة الأبطال و البطولة تكمن في الأعمال العبقرية التي حققت في التاريخ الإنساني إنقلابا جذريا ما تزال الإنسانية تستفيد من ثماره و إنجازاته المتمثلة في السمو و الرقي الحضاري و تنهل من ينبوع أنواره ؟

هل يمكن أن ندرج أبطال الفن الغنائي والسينمائي و الرياضي ضمن قائمة الأبطال الذين يساهمون في تحقيق تغيير إيجابي في مجرى التاريخ ؛ أم أنهم يشكلون معاول الهدم التي تهوي بالإنسانية إلى مدارج الإنحطاط الحضاري و الأخلاقي و القيمي ؟

أليس الإهتمام بمختلف المسابقات الفنية و الرياضية و الترويج الإعلامي المكثف لها يعتبر أحد الأسلحة التي بلورتها الحضارة الغربية لإستيلاب الشباب و التأثير عليه سلبيا و ذلك بتوجيه إهتماماتهم إلى القضايا التي لا تفيد تحقيق الفعالية التاريخية و لا تمكنهم من إمتلاك زمام المبادرة و القدرة على الدخول في الحلبة الأصيلة الأصلية التي يدور فيها العراك الذي يرمي إلى إحتلال الصدارة الحضارية العالمية بجذارة و إستحقاق ؟
إن المنعطف النوعي الذي عرفته الحضارة الإنسانية في مسارها يتمثل في تحقق إسهامات ثقافية و علمية و معرفية أحدثت طفرة هائلة تمثلت في التراكمات المعرفية المفيدة التي أسفرت عن تفسيرات أكثر وضوحا لعدة جوانب غامضة من الوجود الإنساني ؛ إضافة إلى كونها أفلحت بإمتياز في صناعة الحضارة و التقدم المنقطع النظير ، و لذلك يمكن القول أن الحضارة العربية الإسلامية تعد بمثابة مرحلة تاريخية مهمة تحققت فيها البطولات المذهلة الأكثر إفادة وإثارة و دهشة ؛ و هي التي حيرت العقل الإنساني ، عن طريق الأبطال الحقيقيين الذين تقدموا بالإنسانية أشواطا مهمة ، و تمثل ذلك في المجال السياسي و الاقتصادي و الإجتماعي و العلمي ، بل إن إستقراء التاريخ ودراسته موضوعيا يستوقفنا أمام عظمة هؤلاء الأبطال الذين يعدون بالآلاف ؛ بل إن قائمة هؤلاء العظماء الذين تركوا بصماتهم الخالدة تتسع لتشمل كل الأعراق التي حرصت على الإنتماء الإسلامي .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE