مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -28- و -29- و-30-


مرآة لإصلاح الحال (97).
صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.
“وذلك باعتبار أن جميع من يحكمون الأنام، ويكابدون متاعب تسيير الشأن العام، هم مثل القنافد، ليس فيهم أملس من المُلْسان، إلا أن يلجأ أحد أولئك الحكام، إلى إصدار إعلان أو تدبيج مقال كبلاغ أو بيان، يقر فيه، بِعَظْمة اللسان، أنه قد تاب مما كان فيه، عن التبعية لهم، من استقلال، وأنه الآن يطلب العضوية في جماعتهم أوحزبهم، ويتقدم لهم بالطاعة والولاء التام.“

-28-
أكادير في 31 دجنبر 2022
و أما لسان الحال، عند أمثال هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم قمة الطهرانية والشهامة والنضال، بل حتى لسان المقال، إذا تمعنتَ فيما يصدر عنهم، من فلتات اللسان، حينما يشتد النقاش أثناء الحوار، أو في كلام المجالس، من وراء جدار، أو من خلال ارتجاعات ما في قلوبهم، عبر وسائل الاتصال؛ فإنه يقول، تعبيرا عن عقلية “الممانعة والمقاطعة” والمجابهة والصدام : “الثورة ثم الثورة ثم الثورة! فهي وحدها التي ستكفينا الشر المستطار” الذي، بزعمهم، لا يأتينا، قطعا وحصرا، إلا من الحكام. وذلك دون تمييز بين الأبرار منهم والفجار. ولا استبصار لمآلٍ، أو إدراكِ لإكراه أو اعتبارٍ لِما يفرضه تدبير الشأن العام من موازنة بين المصالح والمفاسد لتحقيق الرجحان، أو تقديرٍ لما للعلاقات الدولية من آثار، وغير ذلك مما تعج به قصعة عصيدة السياسة من الجو الحارق و”الفلفل السوداني الحار”، الذي تحترق منه اليدان قبل أن يصل حرُّ حريقه إلى اللسان.

وذلك باعتبار أن جميع من يحكمون الأنام، ويكابدون متاعب تسيير الشأن العام، هم مثل القنافد، ليس فيهم أملس من المُلْسان، إلا أن يلجأ أحد أولئك الحكام، إلى إصدار إعلان أو تدبيج مقال كبلاغ أو بيان، يقر فيه، بِعَظْمة اللسان، أنه قد تاب مما كان فيه، عن التبعية لهم، من استقلال، وأنه الآن يطلب العضوية في جماعتهم أوحزبهم، ويتقدم لهم بالطاعة والولاء التام.
وإلا فلا إبصار منهم لحقيقة المكاسب التي تراها العينان، مما يتم بذله في الميدان، مع العناد والإصرار، على إلحاق الظلم الصارخٍ بالأغيار، ولزوم الإمعان في إصدار جائر الأحكام، بتهافتِ الحاقد حين يكون من الجهال، لا يعرف مثقال ذرة من الموضوعية والعدل ولا الاعتراف لصاحب الفضل بالفضل، كائنا مَن كان، ولا مقابلة معروف أهل المعروف بواجب الشكر والعرفان، ولا إقامة الوزن في تقييم أقدار الخَلْق بالميزان؛ بل وفي انعدام تام لفضيلة التورع عن الوقوع في الكذب والبهتان، والانجراف والانجرار إلى حمأة الفجور في الخصام.

مرآة لإصلاح الحال.(98).
صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.
..أن بناء الدولة، ابتداءً، هو بالنسبة للمجتمعات، من أعظم الأحلام الذي يبذلون، في سبيل تحقيقه، التضحياتِ الجسام، لأنهم يدركون، من خلال معاناتهم الفوضى أو الاستعمار، أنها السقف الذي يُظلنا، والجدار الذي يصد عنا جحيم التسيب الذي قد تنشب بيننا في كل آن…

-29-
أكادير في فاتح يناير 2023.
ومما قد ينفع، في تفكيك المفهوم الشائع في الأذهان، الذي عمت به البلوى، في تصورنا للإصلاح في الإطار العام؛ الوقوف عندما نقيم بين قيام الثورة وإصلاح الدولة علاقة شديدة الاتصال. فمعلوم أن الدولة هي أكبر إطار لتدبير ما للمجتمعات من شأن عام، وتنظيم ما بين أفرادها وهيئاتها من علاقات، في مختلف الأحوال ؛ وبالتالي فهي مسؤولة عن قيادة وتوجيه الجهود الذي ينتج عنها الإصلاح العام، كما أنها محاسَبَةٌ عما يحدث، في ذلك التدبير والتأطير، مِن تقصير أوفساد أو اختلال. وذلك في حدود ما تملك من إمكان، وما يتاح لها مِن فرص قابلة للاستثمار والاغتنام. لكنها تبقى نعمةً كنعمة صحة الأبدان، تستوجب المحافظة عليها بالتقوية، وتجنب ما يُعطب فيها الاتزان، ويُميل، عن الرجحان، كفةَ الأمن والسلامة والاستقرار.

بل يمكن القول بأن نعمة الدولة هي أعظم من نعمة الصحة، من حيث ما يكمن أن ينجم، من خطير العواقب والآثار، عما قد يصيب كيان الدولة مِن سقوط وانهيار. ذلك أن بناء الدولة، ابتداءً، هو بالنسبة للمجتمعات، من أعظم الأحلام الذي يبذلون، في سبيل تحقيقه، التضحياتِ الجسام، لأنهم يدركون، من خلال معاناتهم الفوضى أو الاستعمار، أنها السقف الذي يُظلنا، والجدار الذي يصد عنا جحيم التسيب الذي قد تنشب بيننا في كل آن، ويدرأ عنا ترَبُّص الغزاة مِن حولنا، و تسلل الأخطار، إلى عقر الدار.
لكن نفس تلك الأحلام، قد تتحول، عند الذين يضايقهم أن يروا، في ذلك السقف ثلمة بحجم ثُقب فأر، أو يلمحوا خدشا في ذلك الجدار؛ فيهرعوا إلى التطوع لحمل معاول التحريض على الفتنة حتى ولو لم يستبصروا المآل، ليخربوا بها ذلك البناء، على أمل أن يبنوا مكانه قصرا منيفا دون ضمان، ولا توفرهم على رصيد كاف مِن مال. وتلك، باختصار، هي قصة إصلاح فساد استقرار الدولة، بطفرة عنف الثورة، على يد من نسميهم بالثوار، الذين لهم علاقة شَبَهٍ بالأشباح في الظلام.
مرآة لإصلاح الحال.(99).
صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.
نعم، إن استشراء الفساد الذي ظلت تعاني منه دولتنا عقودا من الأعوام، قد رسّخ في الأذهان أن الدولة وزمرة المفسدين في الإدارة هما قرينان لا يفترقان، لكننا ننسى أن فساد تلك الزمرة، إنما يخرج من داخل أنفسنا ولا يزال..

-30-
أكادير في 2 يناير 2023.
فيكفي، عند أمثال هؤلاء الذين لديهم استبطان لمفهوم الإصلاح بقيام الثورة، أن تحمل الهيئةُ اسم الدولة، حتى تصبح هي الخصم الذي وجب أن يُساء به الظن في كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، ولقد شهدنا في عز وباء كورونا، كم انهال على الدولة من اتهام بالتآمر ضد المواطنين مع الشيطان، وكيف تمت مواجهة ما تتخذه من إجراءات استباقية حِسان، لإنقاد الأرواح والابدان، وما تبذل من قصارى الجهد في مكافحة انتشار الموت الزؤام، بتوفير الدواء للشراء، مع اللقاح والاستشفاء بالمجان. وذلك، بالدعوة إلى إلى الاحتجاج والثورة المقَنَّعة والتمرد والعصيان، في استغلال للغوغائية، بنشر إشاعات كلها كذب وزور وبهتان. بل إنها الدولة، حسب هذا المفهوم للإصلاح، هي العدو الذي وجب أن يُحذَر على الدوام، وأن يستأثر بكل ما يصدر عنا، مِن لعن بالقلب باللسان، ورجم باليد والأحدية والنعال.
.إن كل منا يعلم أننا نتهرب، باستمرار، من الالتزام بالقانون والانضباط للنظام، ونهوى التوسع أمام المتجر أو باب الدار، على حساب الرصيف وحَرَمِ الطريق، الذي هو مِلْك عام، ومن أجل ذلك المرام، فإننا نبحث عن وسيط سمسار، نوكله كي يدس في يد عون أو رجل السلطة قطعة من المال الحرام، حتى نجعل عينيه، من سحرها، تختصمان
ذ ابراهيم أعبيدي
نعم، إن استشراء الفساد الذي ظلت تعاني منه دولتنا عقودا من الأعوام، قد رسّخ في الأذهان أن الدولة وزمرة المفسدين في الإدارة هما قرينان لا يفترقان، لكننا ننسى أن فساد تلك الزمرة، إنما يخرج من داخل أنفسنا ولا يزال. وقد رأينا في الفقرة الملحقة بتدويتنا عن وحيد القردان، الذي صال وجال، طيلة أعوام، في بلاد الكردان، بأنواع الفساد والطغيان، بتواطئ من “المواطنين المقهورين الأطهار”؛ كيف لَمّا أوقفته مؤسسات الدولة المختصة، انبرى للمطالبة بالإفراج عنه بعض من يتحمل مسؤولية تربية وتنوير الأجيال، ويدعي أنه، في مواجهة فساد الدولة، قامة في النضال.


ثم إن كل منا يعلم أننا نتهرب، باستمرار، من الالتزام بالقانون والانضباط للنظام، ونهوى التوسع أمام المتجر أو باب الدار، على حساب الرصيف وحَرَمِ الطريق، الذي هو مِلْك عام، ومن أجل ذلك المرام، فإننا نبحث عن وسيط سمسار، نوكله كي يدس في يد عون أو رجل السلطة قطعة من المال الحرام، حتى نجعل عينيه، من سحرها، تختصمان، عينٌ تقول لصاحبتها: “أرأيتِ القانون هناك كيف يُهان؟!”، فتجيبها الأخرى، بنفي في صورة استنكار بلمسة من الاحتيال: “والله ما أراكِ إلا أنكِ قد أُصِبتِ بِحَوَلٍ يجعلك ترَين صورة الرصيف في تداخلت مع صورة المتجر أو الدار !”. ولو رفع الله عنا ستر السِتار، لرأيتنا نسارع في الاستفادة من الفساد، ونسعى إلى إسقاط الدولة، لتعم الفوضى، حتى ننال ما ليس من حقنا، الذي يحول بيننا وبينه سيادة القانون والنظام. إنه، باختصار، طلبُ الفساد في الخفاء والإسرار، في مقابل المطالبة بالإصلاح بالجهار، على أن تكون الدولة هي الضحية والقربان!
ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق
مقالات الكاتب السابقة :
https://dr-achbani.com/مع-الاستاذ-ابراهيم-أعبيدي-حول-طبيعة-ال-5/
حول طبيعة الإصلاح – dr-achbani.com -الجهاد- التعصب – الاسلام
مذ ابراهيم أعبيدي حول طبيعة الإصلاح -19- dr-achbani.com
مع ذ ابراهيم أعبيدي طبيعة الإصلاح -17- و -18- Dr-achbani.com
-براهيم أعبيدي-حول طبيعة الإصلاح -15-16 dr-achbani.com
مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح 13 و14- dr-achbani