المنبر الحر

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -22- و -23- و-24-

ذ ابراهيم أعبيدي

مرآة لإصلاح الحال (91).

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

“فالجهاد في الإسلام، ليس قسوة ولا تعذيبا أو تنكيلا بالأعداء، وانتهاكا لإنسانية الإنسان، ولا مجرد معارضة للخصوم، بالعناد والصدام؛ بل هو مثل كلِّ معاملة في الإسلام، يكون فيها استحضار رقابة الله والانصياع لوازع الإيمان. هو رحمة وانضباط وكفٌّ للأذى وامتناع عن الإعتداء على الأنام، وانتهاء عن التعاون على الإثم والعدوان،..”

-22-

أكادير في 25 دجنبر 2022.

ومن المعلوم، أن الجهاد في الإسلام، مراتب ودرجات، وأنواع وأشكال، تبتدئ بمجهادة النفس وتطهيرها من الرذائل والأدران. ومعلوم كذلك أن الجهاد بالنفس والمال، لا يطيق عليه الصبرَ ولا القيام، مَن تساهَلَ في نهيها عن الشح والهوى واتباع خطوات الشيطان، ولم يقطع حبال شر تعلقها بمتاع الدنيا إلى حد الافتتان. فإذا انتصر على رعونة نفسه، كان، عندئذ، في مواطن الإنفاق ومعارك النضال ومعامع الاقتتال، جديرا بالنصر على الأعداء، وحقيقا بالانتصار. فكما ورد عن النبي الحبيب المختار، فيما رواه الشيخان: “ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”. فذلك المجاهد وقد تحقق بشرط النصر، حيث كان.

‏ومن المعلوم، كذلك، أن الأساس، في الجهاد، ليس هو الاستمرار على نفس نوع الأسلحة، من قاذفات النيران كانت أم من السيوف والنبال. فهي تتغير في الزمان والمكان والحال، بتغير طبيعة المعارك ونوعية الميدان، خاصة في زمان أصبح فيه شيوع أسلحة الدمار الشامل تحفظ نوعا من الاتزان، وتحولت فيه قوة السلاح إلى ميدان الاقتصاد حيث تشابكت مصالح الدول في هذا الزمان؛ وإنما الأساس فيه هو نشر الدين الحق، ومدافعة الباطل والضلال، وردعُ تحالفِ الإثم والعدوان، بالوسائل والطرق التي تتحقق بها الغاية على الكمال، وتحسُن بها العاقبة، ويُحمد بها المآل، ويُحفظ بها الاستقرار، ويسلم بها العمران، وينصلح بها حال النفس، في أمور هذه الدار وتلك الدار، لكل قاص ودانٍ.



فالجهاد في الإسلام، ليس قسوة ولا تعذيبا أو تنكيلا بالأعداء، وانتهاكا لإنسانية الإنسان، ولا مجرد معارضة للخصوم، بالعناد والصدام؛ بل هو مثل كلِّ معاملة في الإسلام، يكون فيها استحضار رقابة الله والانصياع لوازع الإيمان. هو رحمة وانضباط وكفٌّ للأذى وامتناع عن الإعتداء على الأنام، وانتهاء عن التعاون على الإثم والعدوان، لأنه خادم وحامل لراية رسالة لا تقبل أن تكون فيها وسيلة تبليغها إلا مثلها ومن جنسها، ساميةً مترفعةً عن التفلت وردود الأفعال، لذلك أحاطه ربنا بتحريم للغدر والإجهاز على الجريح، وقتل الضعفاء من العاجزين عن القتال، والأُجراء والفلاحين والرهبان، و وتخريب العمران والتمثيل بالجثمان، وإحراق وقطع الأشجار. وكيف، وهو مستمد من مشكاة الرحمة التي أُرسل بها رسوله الكريم إلى العالمين. وإنما المجاهدون، ككل المؤمنين في كل مجال، هم سفراء يمثلون رسولهم الكريم سيد الصالحين والمصلحين، ويقتدون بأثره، و يسيرون على نهجه، و بهديه يستنّون.

مرآة لإصلاح الحال.(92).

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

أن مفهوم الإصلاح، عندما يتلوث، على المستوى الذهني، بلوثة من الميل إلى الصدام، ومعارضة بالعناد؛ لا يلبث أن ينقلب، على مستوى المقصد والمآل، إلى تعطُّشٍ إلى تخريبٍ مُقنَّع وإفساد،

ذ. ابراهيم أعبيدي

-23-

أكادير في 26 دجنبر 2022.

ومما هو جذير بأن نذكره في هذا الباب، أن مفهوم الإصلاح، عندما يتلوث، على المستوى الذهني، بلوثة من الميل إلى الصدام، ومعارضة بالعناد؛ لا يلبث أن ينقلب، على مستوى المقصد والمآل، إلى تعطُّشٍ إلى تخريبٍ مُقنَّع وإفساد، حيث ينطمس أو يتغطى، لدى المصلح، محلُّ البصيرة والإبصار، بلون وشاح التشاؤم وظلمة السواد، والتطلع إلى تصدُّرِ الواجهة والأمام، ويصبح قصارى ما يُنجِزه من منجزات وأعمال، هو التنقيب، في منجزات غيره، عما يعتبره مُستوجبا للملامة والعتاب، بل لتوجيه كلّ الشجبِ والاستنكار، بل تعدِّي ذلك إلى محاولة إلحاق الأذى بشخص ذلك الغير وإعلان الحرب عليه، بعجيب الفتوى وغريب الاجتهاد.

‏ وبذلك يقع الانحراف، باسم الوفاء في التزام الخط الأصيل لما يعتبره إصلاحا، عن المقصد الأصلي للإصلاح، الذي هو في جوهره عطاء وبِناء، ونظافة في الظاهر والخفاء، وإشاعة للسلم والاستقرار، وإحياء لأواصر الرحم والأخوة الفطرية بين بني الإنسان، وتجديد لروابط التعارف ولحمة الوصال، وربط لجسور التواصل والتعايش والتعاون والتشارك والتضامن، وتبادل المعروف الإحسان.

لذلك فلن يأخذك العجب العجاب، إذا ما رأيتَ في الديار المتخلفة على مستوى الأذهان، توالدَ الأحزاب عن طريق الانقسام. فإذا رأيتَ ثَمَّ رأيت تعدُّد الطوائف وتناسل الجماعات التي تتصدى للقيام بمهام الإصلاح في كل مكان. فتفرحَ بهذا المظهر الجميل الفتان، وتحدوك حلو الأمال، في أن يعم الصلاح والوئام والتوحد والازدهار ببركة تكاثر المصلحين في تلك الديار؛ لكنك لا تلبث أن تصدمك الخيبة و تهجم عليك الأحزان، حينما ترى كل واحدة منها تنقسم فيتولد منها شطران، يتواجهان فيقتتلان: شطرٌ يبدأ النضال في أشلاء سلفه، لتحقيق ما يعتبره تصحيحا للمسار، أما الشطر الآخر يتمسك بشرعية امتلاك الأقدمية والسبق في الزمان، ليطالب برجوع الشطر المارق إلى حضيرة الطاعة والتوبة من العصيان، وهكذا إلى أن ينقضي ما يملكه الاثنان من جهد وما أتيح لهما من أعمار. وتظل الديار على نفس الحال.

مرآة لإصلاح الحال.(93).

صيد الفكرة الثالثة، حول طبيعة الإصلاح.

-24-

أكادير في 27 دجنبر 2022.

‏فمفهوم الإصلاح، عندما يتلبَّسه الميل إلى المواجهة والصدام، قد يغدو مجرد أداة لسانٍ ومَظهرٍ لغوي، تكمن وراءه نزعة إلى العلو في الأرض، ورغبة في التحامل والانتقام، ممن نتخيله هو مصدر كل فساد، ولو تَوهُّماً في المخيال. ومعلوم أن الإنتقام، أنَّى كان، محسوبٌ من ردود الأفعال، لأنه لا يعرف السمو والتعقل والاتزان، ولا الصبر والتثبت والانتظار، ولا المراجعة والتصحيح أو التجاوز والغفران، أوالتفهم والتِماس الأعذار. إنه بطبيعته ميال إلى التسرع في اتخاذ وتنفيذ القرار، بمجرد توفر القدرة على إنفاذه المعجل في الحال.

‏فالانتقام باعتباره من أهم أشكال وضروب الانتصار للذات وإشفاء غليلها في أن يعاد لها الاعتبار، وإرضاء كبريائها بالتلذذ بإخضاع الأغيار؛ إنما هو القرين الدائم للأحقاد، والداعم الرسمي لاستدامة الأضغان، التي لا تجد لنفسها طريقا للاستمرار، إلا من خلال شيطنة غيرها والدخول معه في مسلسل من التهجم والخصام، وفق منطق: إما أن يعلن مسايرة إرادتي والاستسلام، وإلا فليس له عندي اعتراف بفضلٍ ولا اعتبار، ولا له مني هدنة حرب ولا عقدة سلام. ‏وبناء على هذا الاعتبار، فإني أعتقد أن فرضية البحث في سياق محاولة تفسير ظاهرة تآكل كثير من الهيئات التي تحمل راية الإصلاح، كظاهرة تحدث بيننا، مرارا وبالتكرار، إنما يحدها احتمالان.

وهذان الاحتمالان يلتقيان في جعل الوقود الذي به يكون للهيئة الإصلاحية الصعودُ والبقاء والاستمرار، والتمدد والسطوع واللمعان، إنما هو احتراف المعارضة لإثبات البطولة برفض كل إنجاز قبْلي في الميدان، وإظهار الرجولة، بالمشاكسة والصدام. أما الاحتمال الأول فهو الاستسلام لسُنة الأفول والاضمحلال، بالارتطام بإكراهات وتعقدِ الواقع عند الاحتكاك بِحر العملِ والانجاز في الميدان، وتفاقم التخلف عن فهم ومجاراة تبدُّل الزمان. والاحتمال الثاني هو مقاومة استنزاف مخزون بريق وعودها الإصلاحية عندما تنتقل من موقع المعارضة إلى موقع اختبار تطابق الفعل مع الكلام. حيث ترتد معارضتها إلى داخلها، بدافع استرجاع التوهج وتصحيح المسار، عندها يقع التلاوُم وتبادل الاتهام فيما كان، ويحدث التقاطب والانقسام، حتى لو لم يكن على هيئة انشطار ظاهرٍ للعيان.

ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق

مقالات الكاتب السابقة :

حول طبيعة الإصلاح – dr-achbani.com -الجهاد- التعصب – الاسلام

مذ ابراهيم أعبيدي حول طبيعة الإصلاح -19- dr-achbani.com

مع ذ ابراهيم أعبيدي طبيعة الإصلاح -17- و -18- Dr-achbani.com

-براهيم أعبيدي-حول طبيعة الإصلاح -15-16 dr-achbani.com

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح 13 و14- dr-achbani

مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -11- و -12- – الموقع العلمي للدكتور الحسن اشباني (dr-achbani.com)

حول طبيعة الإصلاح -9- و -10- (dr-achbani.com)

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE