مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -17- و -18-



– 17 –
مرآة لإصلاح الحال.(86).
أكادير في 20 دجنبر 2022.
ومن المعلوم أن الأسد رمزٌ لخصال الشجاعة والتضحية عند الاقتتال، وعلامة على المهابة وأصالة الملك على سائر أحياء الأجمة دون منازع في الميدان، ومن المفروض أن يكون له في المعارك، الغلبةُ والانتصارُ، وله عليها الاحترام الهيمنة والسلطان. لذلك كان المُلك والنصر متلازمين.حتى أن المغاربة لا يدعون بالنصر إلى للحاكم الإمام. فهو يحفظ اللَّمَة ويقوي اللُّحمة، ويحمي حمى الديار، ويذود عن الذِّمار، مما يشنه الغزاة من هجوم أو عدوان. وبوجود مولانا الإمام تُحفظ معالم الدين وحدود الحلال والحرام, في اتزان واعتدال، من كل مبتدع فتان من دعاة الزيغ والضلال كأمثال أهل الانحراف أو التطرف باسم الإسلام، وفلول ملاحدة الحاقدين من اليسار، وثعالب الماكرين من بني علمان، مِن المتربصين بأحكام الشريعة التي بها تستمر الأسرة على فطرة الإسلام. وبدوامه تسلم الدنيا من غدر كل انقلابي مكار، ومن شر كل أبي حمارة دَجّال.

ففي عنقه عَقْدُ البيعة على إقامة رسوم الدين، وحماية ثغور وسُبل أهل المغرب بالتأمين، لضمان حفظ التوازن والاستقرار، في بلد تتنافس فيه قبائل وانتماءات شتى، وتقطر فيها النفوس بماء الأنفة والافتخار، ولا ترضى منهم حَكَما يرد إطلال رأس “السيبة” وتغوُّل الفتنة، إلا باستمرار دعامة إمارة المؤمنين، وسيادة الملك السلطان، بناء على مشروعية التاريخ والنسب النبوي القرشي الشريف، بإقامة الدين وحفظ الأمان، ورد العدوان، منذ أن بايعوا العلوي المولى إدريس وإلى الآن، حيث حسموا منابع الخلاف، وصنعوا حبل الإجماع. وذلك بتحديد نوع قيادتهم وإطار مشروعهم المجتمعي، واختيار نموذجهم الإصلاحي الذي أقاموا عليه دولتهم، منذ زمان. فحفظوا به وحدتهم في بحر من مظاهر الاختلاف والتنوع، ومظان التنازع والخصام.
وأسسوا تضامنهم القيمي، ومكنوا بين قبائلهم وأعراقهم لتصاهرهم الاجتماعي، واختلاطهم بتنقلهم الفردي والجماعي، وقووا ارتباطهم الروحي بمشترَكهم العام، الذي أصبح لا ينسيهم بلدهم مهما غادروه عن اضطرار أو عن اختيار، ومهما تعاقبت، في بلاد المهجر، الأجيالُ. حتى تسموا بمغاربة العالم، حيث أنه يبقي في نفوسهم، لوطنهم الأم، نفسُ ما يكنونه للمرأة الأم من احترام، وما يحملونه من تَبَرُّكٍ بالأصل، وتعظيمٍ لأمر الله في صلة الأرحام. وهو أمر من خصوصيتهم في صناعة قوتهم الأسدية، وتفوقهم ونبوغهم، كلما سمحت الظروف، وسنحت الفرصة. وسر من أسرار القوة الأسدية الكامنة في هذا البلد الذي يأبى إلا التفرد والتحدي والاستقلال، حتى أنه ظل مستعصيا على الاحتلال، ولو باسم الخليفة السلطان، من إخواننا الترك بني عثمان، بله أن يهون أمام أيٍّ كان، لينال منه بالاستعباد أو الاقبار. وهذه نقطة تصلح مدخلا، بل مبحثا، في علم الإصلاح الخاص، إن تأسس وقام، قد سبق، لي عنه، في كتاب “لنحذر العكاز”، بعضُ الكلام.

-18-
مرآة لإصلاح الحال.(87).
أكادير في 22 دجنبر 2022.
ومما قد يتسرب إلى مفهوم الإصلاح من تشوُّهٍ واختلال، انتشارُ وَهْمِ إمكان تحققه، في سدادٍ وشمول وإجمال، بمجرد جهد أو قوة فرد أو مجموعة من الأفراد، في انعزال تام عن فاعلية الدولة والسلطان، حتى لو كان معه أو معها إرادة غالبية السكان، وقوةُ ضغط الرأي العام. لأن الإرادة، وإن كانت شرطا في تحقق الأفعال، مؤذنة بالإيقاع في الصدام مع العوائق والحواجز والأسوار، التي تنتصب فوق ارضية طريقه، في الخفاء أو بالإعلان. ذلك أن فعل الإصلاح شديد الاتصال بالواقع العام، ومِن ثم فإن له علاقة بالمس بالتوازن في الميدان. فهو أشبه بالحرب الهجومية، على مستوى إبداع الاسترتيجية والتسلح بدقة وشمول معلومة الاستخبار، المسدِّدة في عملية اتخاذ القرار. بالهجوم أو بالإحجام.
ومن المعلوم أن الحرب لا تُخاض بمجرد الاستسلام لإلحاح الطموح، أو إرضاء رغبةِ مُتحمسةٍ يتكلمون باسم الرأي العام، ولا حتى الانصياع لمجرد توجيهات الشارع في وسائل الاتصال، أو مطاوعة الرغبة في الاستجابة لردود الأفعال، وتحت تأثير التخدير بهتافات وشعارات يتم رفعها في الميدان، من طرف أي كان. فالإصلاح، لا يمكن أن يتحقق له الإثمار بسلميةٍ وأمان، وتُحمد له العاقبة والمآل، وتطيب له الحصيلة والآثار- بعد مشيئة الله في ما أراده بالوقت والزمان- إلا بتملك الإلمام بخريطة التوازنات في الميدان، وما ينجم عن كل ذلك من استشراف المآل من اتخاذ أيِّ قرار. وما يقتضي من مسح عام لمظان الفرص، ومكامن الكمائن والألغام، وضبط مواقيت الهجوم والاقتتال، والانضباط بالتزام أماكن التوقف والترقب والانتظار.
وبالنظر من خلال هذا المنظار، فإن العمل لتحقيق الإصلاح العام، لا يقبل التصرف بالعشوائية والارتجال، كما حدث لنا طيلة حوالي نصف قرن من الزمان، ولا يزال مستمرا على مستوى المنتصبين للإسهام في عملية الإصلاح، من الجماعات والأفراد، حتى الآن. ذلك أن الأمر، بشكل عام، إنما يتلخص، باختصار، في صورة يؤثثتها قطبان، يتقابلان ولا يلتقيان
وبالنظر من خلال هذا المنظار، فإن العمل لتحقيق الإصلاح العام، لا يقبل التصرف بالعشوائية والارتجال، كما حدث لنا طيلة حوالي نصف قرن من الزمان، ولا يزال مستمرا على مستوى المنتصبين للإسهام في عملية الإصلاح، من الجماعات والأفراد، حتى الآن. ذلك أن الأمر، بشكل عام، إنما يتلخص، باختصار، في صورة يؤثثتها قطبان، يتقابلان ولا يلتقيان، إما التطور في معراج التعاون على الصالح العام، من خلال استشراف واستباق المسار، بالتلقح بترياق الحكمة باستمرار، وإما التخندق والتقوقع في برج التطهر والانعزال. وذلك بحمل جرثومة الصدام، المفرزة لصديد النقد الهدام. نعم، إنهما زوجان مختصمان: الحكمة أو الصدام، وكلاهما له علاقة بالرؤية، ويتقرر تبعا لحال درجة ومجال الإبصار، التي يكون عليها العينان.
(يتبع)
ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق
مقالات الكاتب السابقة :
-براهيم أعبيدي-حول طبيعة الإصلاح -15-16 dr-achbani.com
مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح 13 و14- dr-achbani