حوار مع المدير التنفيذي لشركة NVIDIA، جنسن هوانغ (JENSEN HUANG) حول الذكاء الاصطناعي ومصانع هذه الثورة الصناعية الجديدة


في هذه المقابلة، يستعرض المدير التنفيذي لشركة NVIDIA، جنسن هوانغ (JENSEN HUANG)، رؤيته للذكاء الاصطناعي بوصفه ثورة صناعية جديدة. يقدّم مفهوم “مصانع الذكاء الاصطناعي” كبنى تحتية حديثة تُحوِّل الكهرباء إلى ذكاء (رموز رقمية)، متوقعًا أن تصبح هذه المصانع ضرورة لكل شركة تصنيع في المستقبل.
فقد سلط الضوء على تطور الذكاء الاصطناعي عبر ثلاث مراحل رئيسية: الإدراك، والتوليد، والاستدلال، وتوقف عند آثاره العميقة على سوق العمل، بما في ذلك نشوء مهن يدوية جديدة مدفوعة بالتكنولوجيا. كما شرح كيف سيُحدث “التوأم الرقمي” والروبوت تحولًا جذريًا في عالم التصنيع وفي تفاصيل حياتنا اليومية خلال السنوات الخمس المقبلة. حاوره يعقوب هيلبرغ (JACOB HELBERG) المؤسّس المشارك لمنتدى هيل آند فالي ( HILL & VALLEY FORUM)
يعقوب هيلبرغ:
مرحبًا بك في منتدى “هيل آند فالي”. من الرائع استضافتك. لقد قدمت الذكاء الاصطناعي كنوع من الثورة الصناعية الجديدة، ووضعت ما تسميه “مصانع الذكاء الاصطناعي” في قلبها. هل يمكن أن تشرح لنا ما هي هذه المصانع، ولماذا من المهم فهمها في سياق اقتصاد القرن الحادي والعشرين؟
جنسن هوانغ :
شكرًا جزيلًا. إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا. الذكاء الاصطناعي، الذي تحدثنا عنه كثيرًا في السنوات الماضية، هو مجال متعدد الأبعاد، وأظن أنه من المفيد أن نراه من هذا المنظور. أولًا، بالطبع، الذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا جديدة — تكنولوجيا تختلف جذريًا عن البرمجيات التقليدية.
فالبرنامج الذي يُولّد اليوم بواسطة الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يفعل أشياء لم تكن ممكنة سابقًا. إنها تكنولوجيا مذهلة، لما تتيحه من إمكانات، ولما تتطلبه أيضًا من احتياطات أمنية، وهذا بحد ذاته أمر مدهش. إذًا، هذه هي الطبقة التقنية. الطبقة الثانية تتعلق بطريقة إنتاج هذا البرنامج. في الصناعات السابقة، كانت البرمجيات تُكتب يدويًا. اليوم، هناك صناعة جديدة بالكامل، حيث يتم إنتاج البرمجيات باستخدام آلات. نحن بحاجة إلى حاسوب خارق، نُمرر إليه الكهرباء، فيُنتج ما يُعرف بـ”الرموز” أو “التوكنات”، والتي يمكن تحويلها إلى أرقام، كلمات، بروتينات، صور، فيديوهات، أو حتى نماذج ثلاثية الأبعاد.
نُسمي هذا: الذكاء. هذه الآلات تختلف عن آلات الماضي، ولهذا أُطلق عليها “مصانع الذكاء الاصطناعي”. مهمتها إنتاج الرموز بشكل يومي.
الطبقة الثالثة تتعلق بالبنية التحتية، ولهذا أقول إن الذكاء الاصطناعي يُمثل ثورة صناعية حقيقية. فهذه التكنولوجيا ستُطلق صناعة جديدة — مصانع الذكاء الاصطناعي — لكنها في الوقت نفسه ستعيد تشكيل جميع الصناعات الأخرى. هذه الرموز ستدخل في الرعاية الصحية، والتعليم (وهو أحد المجالات التي أحبها شخصيًا)، والمالية، والهندسة، وسلاسل الإمداد، والتصنيع، وغيرها. عندما ننظر إلى الأمر من خلال هذه الطبقات الثلاث، يصبح من الواضح أنه تحوّل جوهري، شبيه بما فعلته الكهرباء سابقًا. إنها بحق ثورة صناعية.
ا يعقوب هيلبرغ:
هل تعتقد إذًا أننا نعيش تحولًا جذريًا في علم الحوسبة الحديثة؟ وأن كل مصنع يُنتج سلعًا مادية في العالم الواقعي سيُقابله مصنع للذكاء الاصطناعي؟
إن كل شركة صناعية في المستقبل، سيكون لديها مصنع مادي يُنتج الآلات، ومصنع آخر يُنتج الذكاء الاصطناعي الذي يُشغّلها.
جنسن هوانغ :
نعم، تمامًا. أي شركة تُنتج اليوم شيئًا ماديًا — سواء كانت تصنع جزازات العشب (lawn mowers) أو معدات البناء مثل “كاتربيلار” (caterpillar)— فإن عملياتها اليوم تُدار غالبًا يدويًا. أما في المستقبل، فهذه الآلات ستكون ذاتية القيادة أو شبه ذاتية، أو على الأقل مدعومة بالذكاء. وعندما تصبح ذاتية، فإنها ستكون مُعرّفة بالبرمجيات، ما يعني أننا سنحتاج إلى إنتاج الرموز (التوكنات) التي تُشغل هذا البرنامج الذكي، الذي يُدير تلك الآلة. وبالتالي، فإن كل شركة صناعية في المستقبل، سيكون لديها مصنع مادي يُنتج الآلات، ومصنع آخر يُنتج الذكاء الاصطناعي الذي يُشغّلها. من السهل ملاحظة ذلك اليوم في صناعة السيارات. فالشركات تُنتج سيارات، لكن خلال عشر سنوات، سيكون كل صانع سيارات أيضًا منتِجًا للرموز التي تُشغّل تلك السيارات.
ا يعقوب هيلبرغ:
تحدثت مؤخرًا عن مفهوم “الذكاء الاصطناعي الفيزيائي”. بالنسبة لصنّاع القرار في الولايات المتحدة، كيف تشرح لهم ما هو هذا النوع من الذكاء الاصطناعي، وكيف ينبغي أن يفكروا فيه؟
جنسن هوانغ :
الذكاء الاصطناعي كما نعرفه اليوم بدأ فعليًا قبل حوالي 12 إلى 14 سنة، مع ظهور تقنيات الرؤية الحاسوبية — وكان ذلك تقريبًا في 2012. عندما ننظر للأمر من منظور أوسع، ما هي “الرؤية الحاسوبية”؟ إنها ببساطة “الإدراك” — إدراك العالم من حولنا عبر الوسائط المختلفة: الصور، الأصوات، الاهتزازات، الحرارة… اليوم، طوّرنا نماذج ذكاء تستطيع فهم هذه المعلومات ومعناها بذكاء فائق. كانت هذه هي الموجة الأولى من الذكاء الاصطناعي: الذكاء الإدراكي.
أما الموجة الثانية، والتي بدأت قبل حوالي 5 سنوات، فهي الذكاء الاصطناعي التوليدي. وهو يتمثل في قدرة النموذج على فهم المعلومات ثم توليد شيء جديد منها: مثل ترجمة نصوص، أو توليد صور من وصف لغوي، وهكذا. يمكننا أن نعتبره “مُترجمًا كونيًا”، قادرًا على التحويل بين اللغات، والصور، والمفاهيم.
اليوم، دخلنا مرحلة جديدة: الذكاء الاصطناعي الاستنتاجي. فكما تعلم، الذكاء لا يقتصر على الفهم أو التوليد، بل يتطلب حل المشكلات والاستدلال — أي التعامل مع مواقف لم يسبق له مواجهتها.
نحن نقوم بذلك باستخدام قوانين ومبادئ تعلمناها في الماضي، ونُجزّئ المشكلة خطوة بخطوة. هذه القدرة على الاستدلال هي سمة أساسية من سمات الذكاء، ولهذا نحن الآن في عصر “الذكاء الاصطناعي القائم على الاستدلال”، أو ما يُعرف بـالوكالات الذكية (AI Agents). هذه كيانات لديها نوع من الاستقلالية، تفهم المهام، تتعلم، تقرأ، تستخدم الأدوات كالحاسبة، متصفح الإنترنت، جداول البيانات… ثم تعود لتنفيذ المهمة.
قد يكون هذا في إدارة سلسلة التوريد، أو الموارد البشرية، أو أي مجال آخر. إنها تُشبه الروبوتات، لكن في عالم رقمي.
وبالتالي، سنكون نحن — الجيل الحالي من الرؤساء التنفيذيين — أوّل من يدير “قوتين عاملة”: قوة عاملة بشرية، وأخرى رقمية ذكية. وستتحول أقسام تكنولوجيا المعلومات لدينا إلى أقسام موارد بشرية لهذه الوكالات الذكية.
“الذكاء الاصطناعي الفيزيائي والروبوتات”؟
جنسن هوانغ :
الموجة القادمة — وهي مهمة للغاية — تتطلب من الذكاء الاصطناعي أن يفهم مفاهيم مثل قوانين الفيزياء، الاحتكاك، العطالة، العلاقة بين السبب والنتيجة. مثلاً، إذا أسقطت شيئًا، فسينزل إلى الأرض. إذا وضعت زجاجة على الطاولة، فهي لن تمر من خلالها. كل هذه المهارات المعرفية التي يمتلكها الأطفال — بل حتى حيواناتنا الأليفة — لا يملكها معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية.
على سبيل المثال، إذا دحرجت كرة على سطح المطبخ وسقطت خلف الطاولة، فإن الذكاء الاصطناعي قد “يظن” أنها اختفت.
لكن كلبك يعلم أنها سقطت وراء الطاولة، لأنه يدرك ما يسمى بـ”ثباتية الكائن” (Object Permanence). سيقوم بالدوران حول الطاولة ليجد الكرة. أما الروبوت، فعليه أن يتعلم أنه لا يمكنه المرور عبر الطاولة، بل يجب أن يجد طريقًا حولها.
كل هذا يُسمى الذكاء الاصطناعي الفيزيائي — وهو شكل من الذكاء يفهم العالم المادي كما نفهمه نحن. وحين نُدخل هذا الذكاء في كيان مادي — أي روبوت — فإننا نحصل على الروبوتات.
وهذا مهم جدًا الآن، لأننا نبني مصانع جديدة في الولايات المتحدة، ونرغب أن تُصمم هذه المصانع وفقًا لأحدث التقنيات.
نأمل أنه خلال السنوات العشر القادمة، سيتم بناء جيل جديد من المصانع التي ستكون آلية إلى حد كبير، وتساعدنا على مواجهة النقص الحاد في اليد العاملة الذي نراه في مختلف أنحاء العالم.
ا يعقوب هيلبرغ:
تحدث كثيرون عن سباق عالمي محموم في الذكاء الاصطناعي. برأيك، ما الذي يجب أن تفعله الحكومة الأمريكية للفوز بهذا السباق وضمان التفوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
جنسن هوانغ :
أولًا، لكي تنجح في سباق ما، عليك أن تفهم قواعد اللعبة، وتدرك الموارد التي تمتلكها وتلك التي لا تمتلكها، نقاط قوتك وضعفك. ويجب أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي، في جوهره، يتكون من ثلاث طبقات كما ذكرت سابقًا — ولكل طبقة قواعدها. وهذا “السباق” لا يشبه مباراة محددة بـ60 دقيقة — بل هو لعبة بلا نهاية (Infinite Game). ومعظم الناس لا يُحسنون اللعب في هكذا نوع من الألعاب.
خذ شركتنا، Nvidia — نحن موجودون منذ 33 سنة، وعبرنا ثلاث ثورات حوسبية: الحواسيب الشخصية، ثم الإنترنت، ثم الهواتف الذكية، والآن الذكاء الاصطناعي. لكي تنجح في كل هذه التحولات، يجب أن تُجيد لعب اللعبة الطويلة.
في الطبقة الأولى — الطبقة التكنولوجية — المفتاح الأساسي هو رأس المال البشري. ويجب أن ندرك أن 50% من الباحثين في الذكاء الاصطناعي في العالم هم من الصين. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها عند التخطيط لأي استراتيجية. الطبقة التالية هي مصانع الذكاء الاصطناعي. وهذه تحتاج إلى الطاقة — لأننا ببساطة نحول الكهرباء إلى رموز (توكنات). في الماضي، كنا نعطي آلة اسمها “الدينامو” ماءً، وتُنتج كهرباء. أما اليوم، فنُعطي الحاسوب كهرباء، ويُنتج رموزًا.
الطبقة العليا — وهي الأهم — هي التطبيق. فالبلد الذي ربح الثورة الصناعية الماضية لم يكن بالضرورة من اخترعها، بل من طبّقها أولًا وبشكل أوسع. الولايات المتحدة لم تتردد في تبني الصلب والطاقة في مصانعها، بينما كانت بلدان أخرى قلقة من فقدان الوظائف أو استبدال الخيول بالسيارات. نحن فقط أخذنا التكنولوجيا وانطلقنا بها. ولذلك، فإن الطبقة العليا تتعلق بـ عدم الخوف من الذكاء الاصطناعي، بل بتشجيع استخدامه، وإعادة تأهيل القوى العاملة، وخلق بيئة تُحفز على تبنّيه.
تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل والمهن المستقبلية؟
ا يعقوب هيلبرغ:
ركزت الصحافة كثيرًا على سيناريو قد يؤدي فيه الذكاء الاصطناعي إلى إزاحة واسعة للوظائف وربما بطالة جماعية. هل يمكنك أن ترسم لنا تصورك حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل؟ وما هي الفئات الجديدة من الوظائف التي قد تظهر والتي لم نكن نتخيلها سابقًا؟
جنسن هوانغ :
سيتم خلق وظائف جديدة، وستُفقد وظائف أخرى، وسيتحول كل عمل تقريبًا. دعونا نُفكّك هذا الموضوع. من السهل دائمًا الوقوع في التهويل أو التقليل، لكنني أجد أن التحليل انطلاقًا من المبادئ الأولى هو الأكثر نفعًا. مرة أخرى، لننظر إلى الطبقات الثلاث التي ذكرتها: في الطبقة الأساسية — كما تعلم يا يعقوب، وأنت منخرط بعمق في عالم الاستثمار في رأس المال المخاطر وتعرف ما يجري — فالواقع أن الذكاء الاصطناعي هو من أعاد سان فرانسيسكو إلى الواجهة. كل من يعيش هناك يدرك ما أعنيه؛ فالمدينة كانت تعاني من ركود حاد، والآن تنتعش من جديد — وكل ذلك بفضل الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي خلق نوعًا جديدًا من الوظائف. لماذا؟ لأن عملية تطوير البرمجيات قد تغيرت بالكامل.
ما كان في السابق برمجيات تُكتب يدويًا على معالجات تقليدية (CPU)، أصبح اليوم برمجيات تُولّد تلقائيًا عبر التعلم الآلي وتُشغَّل على وحدات معالجة الرسوميات (GPU). كل طبقة في هذا النظام — الأدوات، المترجمات، المنهجيات، جمع البيانات، تنظيمها، تأمينها، ضمان سلامة الذكاء الاصطناعي نفسه — كلها تُعاد ابتكارها الآن. وهذا يخلق عددًا هائلًا من الوظائف التقنية الجديدة.
ثم نأتي إلى الطبقة التالية، وهي موطن الفرصة الاقتصادية الكبرى. كما قلت، نحن بصدد إنشاء نوع جديد من المصانع — مصانع الذكاء الاصطناعي — والتي تستقبل الكهرباء وتُخرج الرموز. نحن بصدد بناء 7 أو 8 مصانع من هذا النوع على مستوى ضخم. مصنع واحد فقط بطاقة 1 جيغاواط قد تصل تكلفته إلى 60 مليار دولار — وهو ما يعادل تقريبًا الإيرادات السنوية لشركة بوينغ. ولبناء مصنع بهذه الضخامة، نحتاج إلى تمويل، وتخطيط، وتشييد.
هذا يُولّد مئات الآلاف من الوظائف في مجالات البناء: النجارين، عمال الحديد، البنّائين، المهندسين الميكانيكيين، المهندسين الكهربائيين، السباكين، فنيي الشبكات، أنظمة الطاقة الضعيفة… إلخ. قد تستغرق دورة البناء حوالي ثلاث سنوات، وسيتطلب الأمر طيفًا واسعًا من العمالة الحرفية المدربة.
ف ي الثورة الحاسوبية الماضية، كانت الحاجة الأكبر إلى مهندسي البرمجيات. أما في هذه الثورة القادمة، فالعنصر الحاسم سيكون اليد العاملة الحِرفية. وأنا أرى أن هذا أمر رائع. يجب على بلدنا أن يعترف بأن العمل الحِرفي هو عمل نبيل وأساسي في بناء مستقبلنا. نحتاج إلى تشجيع الحِرَف: الكهربائيين، السباكين، النجارين، عمال الصلب… نحن بحاجة ماسة إليهم.
وفوق كل ذلك، تبدأ مرحلة التأثير على المهن التقليدية: الأطباء، العاملون في القطاع المالي، ممثلو خدمة العملاء… في شركتنا، كل مهندس برمجيات أصبح اليوم يُعاوَن بمساعد ذكي يعمل بالذكاء الاصطناعي. فكمية الشيفرات التي نُنتجها أصبحت هائلة. نتيجة لذلك، زادت إنتاجيتنا بشكل غير مسبوق. ونتيجة هذه الزيادة، أصبحنا نوظف عددًا أكبر من الأشخاص — لأننا قادرون الآن على إنتاج ما يطلبه العالم بشكل أسرع. هذا يعني إيرادات أعلى، وقدرة على التوسع.
الخلاصة انه يجب تبني الذكاء الاصطناعي بأسرع وقت ممكن. وتذكّروا: الذكاء الاصطناعي لن يسرق وظيفتك. من سيفعل ذلك هو الشخص أو الشركة التي تعرف كيف تستعمل الذكاء الاصطناعي.
الجُزر الرقمية والتصنيع باستخدام التوائم الرقمية (Digital Twins)؟
ا يعقوب هيلبرغ:
مؤخرًا، كثر الحديث عن عودة التصنيع إلى الواجهة. كما أشار كثير من خبراء الذكاء الاصطناعي إلى أهمية “التوائم الرقمية” في تحفيز هذا التحول. وفي الوقت ذاته، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة Apple، تيم كوك، بأن أحد أبرز العوائق أمام إعادة تصنيع الآيفون داخل الولايات المتحدة هو غياب أذرع الروبوت الدقيقة والفعالة. هل ترى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون الحل في هذا السياق؟ وما هو تقييمك لمستقبل التصنيع في ضوء هذه التطورات؟
جنسن هوانغ :
أولًا، يجب أن نُدرك أن التصنيع الحديث لا يعتمد على العمالة الرخيصة، بل على التكنولوجيا المتقدمة. المصانع اليوم تُدار بالكامل بالبرمجيات. إنها بمثابة “روبوت عملاق”، يُنسّق بين عدد كبير من الروبوتات الصغيرة بداخله. في قطاعنا نحن مثلًا — وهو صناعة الشرائح الإلكترونية — القدرة على تصنيع رقائق السيليكون وحتى الحواسيب الخارقة داخل الولايات المتحدة، تمثل فرصة استراتيجية هائلة. ولهذا، أنا سعيد للغاية بالدعم الحكومي الكبير لتشجيع إعادة توطين الصناعة على أرض الوطن. إنها وظائف راقية تتطلب تكنولوجيا متقدمة — وهي فرصة لا ينبغي تفويتها. لدينا شركاء عالميون يساندوننا، ونحن ملتزمون بعمق بهذه الرؤية.

إذا لم نُتقن فنون التصنيع الآن، فسوف نفقد صناعة عملاقة. من ذا الذي لا يريد الانخراط في هذه الصناعة الجديدة المسماة “الذكاء الاصطناعي”؟ لماذا لا نُنتج نحن هذا الذكاء؟ لماذا نُفوّت فرصة الانضمام إلى أحد أكثر أشكال التصنيع تطورًا على وجه الأرض؟ الذكاء الاصطناعي يُنتج شيئًا غير مرئي — رموز رقمية — تمامًا كما كانت الكهرباء في الثورة السابقة: تيار لا يُرى ولا يُلمس. في السابق، كان اسمها “دينامو” واليوم نُسميها “الحواسيب الخارقة للذكاء الاصطناعي من NVIDIA”. لكن المبدأ نفسه: أجهزة تُنتج طاقة جديدة — أرقام بدلاً من إلكترونات. ولهذا، نحن بحاجة إلى تصنيع رقمي متطور. ما يعني أننا يجب أن نُصمّم أولًا نسخة رقمية توأم للمصنع نفسه — أي “توأم رقمي” — باستخدام الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي.
خذ شركتنا مثالًا: نحن نُصمم أنظمة شديدة التعقيد. كل جيل من رقائقنا يكلف حوالي 20 مليار دولار في البحث والتطوير، وربما أكثر. ومع ذلك، نُصممها أولًا بالكامل كـ”توأم رقمي”، ونجري عليها محاكاة دقيقة قبل أن نُنتجها فعليًا. عندما نُنتجها، نكون على يقين بأنها ستعمل كما ينبغي — لأننا اختبرناها افتراضيًا بدقة. وهذا ما يجب أن نفعله مع المصانع كذلك:
يجب أن يكون لكل مصنع نسخة رقمية توأم، نستخدم الذكاء الاصطناعي لتصميمها وتشغيلها وتحسينها، ثم نستخدمها لتخطيط الإنتاج — كل ذلك رقميًا. وفي المستقبل، أتوقع أن يكون لكل إنسان توأم رقمي، ولكل سيارة، وكل مبنى، وكل مدينة…
ا يعقوب هيلبرغ:
سؤالي الأخير، جنسن: متى تعتقد أننا سنعيش في عالم تُصبح فيه الروبوتات جزءًا من الحياة اليومية؟
جنسن هوانغ :
أولًا، السيارة ذاتية القيادة هي نوع من الروبوت. وقد استغرق تطويرها حوالي 10 سنوات. والآن، نرى سيارات “Waymo” تعمل بكفاءة في شوارع سان فرانسيسكو وغيرها من المدن.

أما الروبوتات المخصصة للاستخدامات العامة، فأعتقد أنها ستستغرق وقتًا أقل — لأننا نستطيع تقييد البيئات التي تعمل فيها. على عكس السيارة، التي يجب أن تعمل في كل شارع وكل ظرف، يمكننا تصميم الروبوت للعمل في مساحة محددة. بمجرد أن يصبح الروبوت قابلًا للاستخدام الفعلي، فإن التحول نحو الإنتاج على نطاق واسع قد يستغرق حوالي خمس سنوات فقط. نحن نمتلك بالفعل روبوتات فعالة اليوم، لذا خلال خمس سنوات تقريبًا، سنبدأ برؤية هذه الروبوتات تخرج من المصانع إلى الحياة اليومية. وكل مصنع سيارات اليوم سيُصبح قادرًا على إنتاج روبوتات، شرط أن يُتقنوا الجانب البرمجي والذكاء الاصطناعي — وهذه تكنولوجيا متوفرة بالفعل.
ا يعقوب هيلبرغ:
جنسن، نشكرك جزيل الشكر على حضورك معنا.
جنسن هوانغ :
شكرًا لكم جميعًا. كان من دواعي سروري.
للتذكير : شركة NVIDIA هي شركة أمريكية رائدة في مجال التكنولوجيا، تأسست عام 1993، وتتخصص في تصميم المعالجات الرسومية (GPU) والأنظمة الذكية. تُعرف بكونها مطوّرة سلسلة بطاقات الرسومات GeForce، وقد ساهمت بشكل كبير في تطوّر ألعاب الفيديو، والتصميم ثلاثي الأبعاد، والحوسبة الفائقة. في السنوات الأخيرة، أصبحت NVIDIA لاعبًا محوريًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث طورت منصات متقدمة تُستخدم في مجالات مثل القيادة الذاتية، والروبوتات، ومعالجة البيانات الضخمة.
مقالات ذات الصلة :
https://dr-achbani.com/ثورة-الذكاء-الاصطناعي-في-الفصول-الدرا
https://dr-achbani.com/ثورة-في-إنتاج-الكهرباء-من-باطن-الأرض-عل