من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : فلسطين بؤرة صراع فيتنام جديدة


تعد الحروب مجالًا لفض النزاعات المرتبطة بالسيطرة السياسية و الإقتصادية على مساحات جغرافية معينة من باب التوسع الاستعماري أو تحرير و استرداد أرض مغتصبة. و يأتي الإحتكام للقوة العسكرية كحل حاسم يتجاوز الخيارات الديبلوماسية، غير أن الإنتصار و إن كان للمتغلب على حساب صاحب الحق، فإنه يشكل انتصرا مؤقتا مهما طال الزمن. و بالرغم من غطرسة المتغلب المستعمر فإنه سيدخل في مواجهات و فر و كر مع المقاومة المحلية و هو ما يعني أن الإستسلام في المعارك الأولى تتم ظرفيا بناء على الفارق في موازين القوى بين الأهالي أو الشعب و القوة الإستعمارية الغاشمة.
إن المعركة الدائرة في الأرض المقدسة فلسطين تشكل أحد الإستراتيجيات الأساسية التي يلتف حولها الغرب قاطبة بالدعم المادي و اللوجستي و الإعلامي الإيديولوجي منذ بداية صناعة الكيان الصهيوني الدخيل في جسم الأمة الإسلامية. إن استمرار الكيان الإسرائيلي كقوة عسكرية لا يدوم في الوجود إلا من حيث كونها الأكثر قوة بدون منازع و ذات عتاد عسكري متطور . و هذا ما ساعد على هزيمة الجيوش العربية في القرن الماضي و للإبقاء على فكرة كون اسرائيل القوة التي لا تهزم عسكريا ؛ و كان لابد على المستوى الديبلوماسي بلورة صيغة معينة للسلام في المنطقة – بغية تمطيط الزمان و المكان – و لو كان الأمر مجرد مسرحية معلنة. و هو ما دشن فعليا في معاهدة كامب ديفد و أوسلو و كل المحاولات الممكنة اللاحقة لا تصاغ إلا في سياق إعطاء فرصة جديدة لتمديد فترة الإحتلال الصهيوني في المنطقة و إعطائه فرصة جديدة لتجديد قواه مرة أخرى في أفق بنائه كقوة للإستقواء لا تقهر و بالتالي الحيلولة دون قيام دولة شاملة و مانعة في المنطقة.

ان المقاومة الفلسطينية في محطة حرب الطوفان تشكل بداية نوعية كشفت الستار عن ضعف الخصم الصهيوني، و أنه أصبح بالإمكان جره إلى حرب استنزاف و حرب نفسية خطيرة ستكون من مآلاتها بداية موسم الهجرة المعاكسة لليهود إلى دول الشتات التي جاءت منها هجرات الاستيطان السابقة.
ذ سليمان شاهي الدين
إن هذه المعادلة انكشفت أوراقها المعلنة و المستترة عند القارئ الواعي للتاريخ، غير أن مسار المعركة الوجودية في بؤرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأ يتخذ منحاً جديدا. و لقد سجل ذلك مند إنتفاضة أطفال الحجارة، و هذه هي نقطة البداية الفعلية لتغيير وتيرة الصراع بين الأبارتايد الصهيوني الإسرائيلي و المقاومة الفلسطينية التي أدركت أن المعركة غير متكافئة و أن النصر لن يتحقق إلا ببناء جيل محنك يجمع بين التدريب العسكري الإستراتيجي و صناعة العدة و العتاد بإمكانيات محلية. و هذا العمل استغرق أكثر من أربعة عقود لتحقيقة و توسيع إمكانياته و هذا هو ما أهل المقاومة الفلسطينية بجميع أطيافها أن تلعب أدواراً خطيرة تمثلت في عمليات عسكرية نوعية و قوية؛ ضربت الكيان الصهيوني في مقتل، و هذا بالضبط هو ما حدث في السابع من أكتوبر في سنة 2023. إننا إزاء نقطة بداية العد العكسي للوجود الصهيوني في المنطقة، ذلك أن موازين القوى أصبحت مخلخلة عند الكيان الغاشم و خاصة أنه لا يستطيع القيام باكتساح أرضي لغزة و غيرها من معاقل المقاومة الفلسطينية مهما جاءت بوارج أمريكا و من ورائها الإتحاد الأوربي. (اليوم العشرون من بدئ طوفان الاقصى)

نحن اليوم نعيش أطوار حرب جديدة مشابهة تماما لحرب الفيتنام و هي الحرب التي أتت على أسطورة الجيش الأمريكي الذي لا يقهر. و لقد كبدت المقاومة الفيتنامية خسائر مهولة في الأرواح و العتاد و خيم كابوس الرعب على الجنود الأمريكيين الناجين حتى بعد رحيلهم عن الفيتنام بالنظر للآثار النفسية و الندوب العميقة التي أحدثتها حرب العصابات الفيتنامية الخاطفة التي تعتمد على شبكة أنفاق معقدة و محاولة الدخول لها من قبل العدو مميتة لكونها ذات منافذ كلها شراك قاتلة. و لذلك منيت أمريكا المتغطرسة بهزيمة نكراء أمام أنظار العالم و هي تجر ذيول الخيبة و الشنار و لم تتعافى من هذا الكابوس حتى اليوم و لكن مع ذلك لم تستوعب الدرس التاريخي القاتل. إن التاريخ يعيد نفسه و لم تجدي عملية استعمار أمريكا الفيتنام شيء ذو أهمية تذكر في سجلها الإستعماري و لم تتراجع عن غطرستها و استكبارها على هذا الشعب أو ذاك كما حدث في العراق و أفغانستان و يحدث الآن بوصفها الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني في الأراضي المقدسة.
إن المقاومة الفلسطينية في محطة حرب الطوفان تشكل بداية نوعية كشفت الستار عن ضعف الخصم الصهيوني، و أنه أصبح بالإمكان جره إلى حرب استنزاف و حرب نفسية خطيرة ستكون من مآلاتها بداية موسم الهجرة المعاكسة لليهود إلى دول الشتات التي جاءت منها هجرات الاستيطان السابقة. إننا حقا أمام ملحمة مشابهة لحرب فيتنام جديدة في الأرض المقدسة ستسجل نهاية مأساوية للأبارتايد العنصري الإسرائيلي و جميع القوى الغربية المتغطرسة التي تتبجح بحقوق الإنسان و هي أعتى عدو للإنسانية، و هو الأمر الذي انكشف بعد حركات التحرر الوطنية التي عرفها القرن الماضي.


لا شك أن الدمقرطة السياسية و بناء الشعوب الحرة التي تعتمد على مقوماتها الذاتية في صناعة مستقبل حضاري واعد لا يروق البتة للقوى الإمبريالية العالمية و على رأسها أمريكا، غير أن ثمة توازن يرتسم في الأفق بعد ميلاد منتظم البريكس BRICS الذي يريد أن يسير خارج نظام البترودولار، و هذا يعد بداية لرسم خريطة جديدة للعالم يتشكل ضمن مسارها تحقيق حرية الشعوب و حق تقرير مصيرها بوصفه حجر الزاوية الذي سيقصم ظهر الطغاة و لو اقتضى الحال مرة أخرى أن يعاد ترتيب الأوراق من جديد جراء نشوب حرب عالمية ثالثة و هي الخيار الرهيب الذي تتجه إليه أمريكا و حلفائها. لكن مع ذلك فإن خيبات الأمل في استمرار هيمنة نظام الميگاأمبريالية و أدواته من قبيل القاتل الإقتصادي و تنظيم انقلابات على شرعية الشعوب في تقرير مصيرها سيكون لا محالة معول هدم لهذا النظام العالمي الغاشم و لن تنفع معه لا الآلة الإعلامية التي تشتغل على تحريف الحقيقة و تقديم الظالم على أنه صاحب الحق، و هذا العمل يشبه تماما نفس سياسة الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا و الذي لم يصمد أمام مكافحة النظام العنصري و أساليبه الإجرامية في التسلط على الحكم و

لقد كان نلسون مانديلا أحد أعمدة هلاك هذا النظام الديكتاتوري العنصري في المنطقة و لا شك ان المقاومة الفلسطينية التي استمرت أكثر من سبعين عاما ستتوصل إلى نفس الغاية المنشودة و هو تحرير فلسطين من الإستبداد السياسي الصهيوني و هذه حتمية تاريخية لن يقف وراءها أي كيان لأن الحق مطلب استمرار وجود يهون الموت دونه و هذا مسار المقاومة الفلسطينية التي تعمل عن كثب لإستعادة حقها و لو بعد حين.
ذ. سليمان شاهي الدين كاتب و مفكر
ملحق : بالتزامن مع الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر “تشرين”، نفذت كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) صباح سابع اكتوبر 2023، عملية “طوفان الاقصى” العسكرية، التي وصفت بأنها “نوعية واستراتيجية غير مسبوقة” في تاريخ عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الكيان الصهيوني، شملت إطلاق آلاف الصواريخ وتسلل مسلحي الحركة إلى داخل المناطق الجنوبية للكيان الصهيوني، وأسفرت عن مقتل 40 مستوطناً وجندياً واصابة نحو 700 شخص، بحسب وسائل إعلام تابعة للاحتلال الصهيوني. وكانت “حماس” شنت حربا غير مسبوقة على الكيان الصهيوني بدأتها بهجوم مزدوج، نجح معه مقاتلو الحركة بالتسلل إلى معسكرات للجيش الصهيوني في محيط القطاع، ثم إلى مستوطنات في غلاف غزة وسيطروا عليها لساعات، وقتلوا خلالها إسرائيليين واختطفوا آخرين إلى قطاع غزة في مشهد غير مسبوق، فيما دكت آلاف الصواريخ مناطق مختلفة في إالاراضي المحتلة التي كانت تغط في عطلتها الرسمية. اما الرد الصهيوني كان و مازال وحشيا ادى الى قتل الاطفال و النساء و تدمير المستشفيات و قطع الكهرباء و الماء و البنزين و المواد الغدائية على القطاع الخ..اضافة الى تدمير نازي ممنهج للبنية التحتية لغزة العزة.
مقالات للكاتب ذ سليمان شاهي الدين
https://dr-achbani.com/أبجديات-حول-دولة-المغرب-الكبير/