المنبر الحر

رواندا التي ابهرتني و لم ازرها بعد -الجزء الاول

د. الحسن اشباني

كنت في لقاء موسع لهيئة حزبية تناقش فيها برمجة ما تبقى من ميزانية الهيئة لتنفيذها قبل اخر السنة.. وطلبت التدخل. قلت للجميع: بدل ان يصرف هذا المبلغ “500.000 درهما اي 50.000 دولارا” بالشكل التقليدي الفاشل من تنظيم تكوينات مختلفة تهم الشباب والنساء والرجال وامور شبيهة لمثل هذه الانشطة، اقترحت عليهم ونحن تقريبا 50 فردا ان نختار من بيننا 10 افراد من كلا الجنسين و بتخصصات مختلفة ويرسلون الى دولة رواندا الفتية التي يتحدث الاعلام الافريقي و الغربي كنموذج يمكن ان يحتذى به من اجل اقلاع حقيقي لامتنا التي بقيت واستقرت في خانة “النامية” “استعملت خجلا بدل -المتخلفة-“. وبعد عودتهم ندرس ونستثمر تقاريرهم المختلفة ونطالب الهيئة العليا لتبنيها و القيام بالدفاع عنها من اجل ان تتبنى في منظومة المسار التنموي لبلادنا.. واذا تم رفض ذلك، فلا حاجة لنا صدقا في الاستمرار في حزب هكذا حاله… يحب فقط السير على النمط التقليدي في الرؤى و الاشتغال.
استمع الجميع لمداخلتي وابتسموا او ربما لم تكن ابتسامة رضى و قبول، وصوت الجميع لفائدة اهدار المال. وكنت برمجت لزيارة البلد الا ان برامج اخرى حالت دون ذلك. وفي انتظار، حررت هذا المقال حول هذه الدولة التي قرات وشاهدت فيديوهات عنها ولم ازرها.. أقرت اللغة الانجليزية في التعليم و حاربت الرشوة و المحسوبية و آخت بين الاعراق و جعلت من العدالة اساس الحكم لذلك أصبجت دولة الان كاملة الاركان او تكاد بفضل رئيس ينعت بباني نهضة رواندا، الذي قاد رواندا الى مصاف دول القارة على الصعيدين الاقتصادي والتنموي، انه ” بول كاغامي” (الصورة). . قراءة ممتعة.

بول كاغامي “Paul Kagame“رئيس رواند منذ 2000

ملخص المقال

يقول الخبير الاقتصادي الرواندي كليت نييكزا كلاما بليغا لخص فيه السبل الذي انتهجته رواندا من اجل النهوض بالشعب من حرب مدمرة و فقر و اقتصاد منهار الى دولة يحتدى بها الان دوليا : “ان استطعت أن تجعل المطار خاليا من الفساد والرشوة، وخدمة الإنترنت في البلاد سريعة، وإجراءات الاستثمار بسيطة، والشباب يتحدثون الإنجليزية، فإنك ستحصل على دولة فعالة، وسوف تجذب الشركات والمستثمرين من كل العالم“. هكذا فعلت روانذا… وربما في اعتقادي واعتقاد الكثيرين، الانجليزية لعبت و تلعب دورا محوريا فيما وصلت اليه.

Map based on a UN map. Source: UN Cartographic Section

فقد حققت تقدمًا ملحوظًا على المستوى الأفريقي والدولي و على مدى عقدين من الزمان في عدة مجالات، نلخصه فيما يلي بشكل عام :

  1. النمو الاقتصادي:
  • معدل النمو الاقتصادي السنوي في رواندا كان مستدامًا، حيث بلغ متوسطه حوالي 7٪ خلال العقد الماضي.
  • تصدر رواندا مؤشر القيمة المضافة المحلية في الاقتصاد في أفريقيا لعام 2020.
  1. التنمية البشرية:
  • معدل الفقر في رواندا تراجع بشكل كبير، حيث وفق الإحصاءات الدولية المتاحة، قلّصت رواندا معدلات الفقر من 77% عام 2001 إلى 55% عام 2017 إلى 39٪ في عام 2019. وقفزت توقعات عمر المواطن من 29 سنة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى 69 سنة عام 2019.
  • تحسنت مؤشرات التعليم في رواندا، حيث ارتفع معدل القراءة والكتابة إلى حوالي 77٪ في عام 2020.
  1. التقدم في مؤشرات البنية التحتية:
  • رواندا تعد من بين الدول الرائدة في أفريقيا في مؤشر البنية التحتية، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2021.
  • تم تطوير شبكة الاتصالات والطرق والمرافق العامة بشكل كبير، مما ساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة.
  1. الترتيب الدولي:
  • في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2021، احتلت رواندا المرتبة الـ55 عالميًا من بين 144 دولة.
  • في مؤشر التسهيلات التجارية للبنك الدولي لعام 2021، جاءت رواندا في المرتبة الـ38 عالميًا من بين 190 دولة.

على الرغم من هذا التقدم الملحوظ، يجب ملاحظة أن الترتيبات والمؤشرات قد تختلف بين المصادر المختلفة، وقد تكون الأرقام المحددة متغيرة على مر الزمن. ومن المهم أيضًا الاعتراف بأن التقدم لا يقاس فقط بالأرقام والترتيبات، بل يتعلق أيضًا بتحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة للشعب الرواندي. رواندا تعتبر نموذجًا للدولة الناشئة التي تحقق تقدمًا في مختلف المجالات وتسعى لتحقيق رؤيتها الشاملة للتنمية والازدهار. من هي اذن هذه الدولة الصغيرة مساحة و افرادا وبموارد محدودة التي انتقلت من الأزمات إلى البحبوحة معتمدة فقط شكل رئيسي على التنيمة البشرية الى جانب الزراعة والسياحة والخدمات كمصادر رئيسية للدخل والتنمية الاقتصادية؟

رواندا و تاريخها القصير

تعد رواندا دولة صغيرة تقع في شرق القارة الإفريقية. وهي واحدة من أصغر الدول في القارة من حيث المساحة، حيث تمتد على مساحة تقدر بحوالي 26,338 كيلومتر مربع (1.1 بالمائة مساحة الجزائر “2,382 مليون كلم مربع” و 1,5 بالمائةمساحة ليبيا “1,76مليون مربع” و 2,56 بالمائة مساحة موريتانيا “1,030 مليون مربع”، و 3.7 بالمائة مساحة المغرب “710 850 كلم مريع” و 16,1 بالمائة مساحة تونس “163 610 كيلومتر مربع” ). تتميز بموقعها الجغرافي في قلب الأفريقية الشرقية ومحاطة ب4 دول، حيث تحدها بوروندي من الجنوب، وتنزانيا من الشرق، وأوغندا من الشمال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية والبحيرة الكيفو من الغرب.

تشتهر رواندا بتاريخها الغني والمعقد، وقد شهدت تحولات هامة على مر العصور. يعود تاريخها الحديث إلى القرن الـ15، حيث كانت تتألف من ممالك مستقلة تحت حكم الهيما، الذين كانوا يشكلون الأغلبية السكانية ويتمتعون بنظام ثقافي واجتماعي متميز.

في القرن الـ19، تعرضت رواندا لتأثيرات الاستعمار الأوروبي. حيث سيطرت ألمانيا أولاً على البلاد في عام 1897، وبعدها تولت بلجيكا الحكم عام 1916، التي في عهدها تم تعزيز الانقسامات العرقية بين الهوتو والتوتسي، وهو ما ساهم في نشوب الصراع بين التوتسي والهوتو، وصل ذروته في سنة 1994التي شهدت فيه رواندا إبادة جماعية رهيبة أودت بحياة ما يقرب من مليون شخص، في أحداث أصبحت معروفة باسم “الإبادة الجماعية في رواندا”، تعرضت القبائل الهوتو والتوتسي لأعمال عنف مروعة.

وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة فعدد القتلى وصل إلى ما بين 800,000 إلى مليون شخص، والغالبية العظمى منهم كانوا من القبيلة التوتسي. ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة الرواندية بجهود كبيرة للتعافي والمصالحة الوطنية ومحاكمة المتهمين وإعادة الاندماج المجتمعي و بناء السلام الحقيقي.

تعداد السكان والتنوع الثقافي:

يبلغ تعداد سكان رواندا حوالي 12 مليون نسمة وفقًا للتقديرات الأخيرة. وتتميز البلاد بتنوع ثقافي متنوع وغني، حيث يعيش فيها عدة مجموعات عرقية وقوميات. تشكل الهوتو والتوتس أهم المجموعات العرقية في البلاد، بينما يشكل التواجد الباقي للمجموعات العرقية الأخرى مثل التوا، والباتوا، نسبة صغيرة من التعداد السكاني.

تشتهر بتراث ثقافي فريد يتمثل في الموسيقى التقليدية والرقص والملابس التقليدية والحرف اليدوية. تعتبر الثقافة الرواندية جزءًا هامًا من هوية الشعب الرواندي، وتعكس قيم الوحدة والتعايش السلمي بين المجموعات المختلفة.

ومن الجدير بالذكر أن رواندا قد حققت تقدمًا كبيرًا في مجال المساواة بين الجنسين، حيث تمكنت المرأة الرواندية من الانخراط بشكل كبير في مختلف المجالات بما في ذلك السياسة والاقتصاد والتعليم (الجزء 2).

التقدم الاقتصادي:

بعد الإبادة الجماعية في عام 1994، شهدت الحكومة الرواندية تحولاً هائلاً في السياسات الاقتصادية والتنموية، مما ساهم في تحقيق نمو اقتصادي قوي ومتسارع.

انضمام الرئيس بول كاغامي في احدى ايام الأحد إلى آلاف الروانديين في شوارع كيغالي للاحتفال بيوم خال من السيارات، وهو حدث نصف شهري يهدف إلى تشجيع الناس على ممارسة الرياضة والاستفادة من الطاقة الخضراء. المصدر : https://africa.cgtn.com/

كان الاقتصاد الرواندي قبل الإبادة الجماعية يعتمد بشكل أساسي على الزراعة التقليدية وتربية الماشية. و كانت القطاعات الاقتصادية الرئيسية تشمل زراعة المحاصيل مثل القهوة والشاي والذرة، بالإضافة إلى تربية الماشية وصناعة الملابس التقليدية.

و كان ضروريًا لإعادة بناء البلاد وتحقيق التنمية الشاملة بعد الإبادة الجماعية ان تقوم الحكومة بتنفيذ إصلاحات هيكلية وتحريرية واستثمار في البنية التحتية وتعزيز المشاريع الاقتصادية الحديثة.

القطاعات الاقتصادية الرئيسية في رواندا تشمل:

  1. الزراعة: تعتبر الزراعة قطاعًا حيويًا في اقتصاد رواندا، حيث يشغل ما يقرب من 70٪ من القوى العاملة في البلاد. تشمل المحاصيل الرئيسية القهوة، والشاي، والأرز، والذرة. و تتبنى الحكومة سياسات لتعزيز الإنتاجية الزراعية وتحسين البنية التحتية الريفية.
  2. السياحة: تعد السياحة قطاعًا مهمًا لتنمية الاقتصاد الرواندي. فرواندا مشهورة بحدائقها الوطنية الجميلة التي توفر حياة برية فريدة ومناظر طبيعية خلابة. فيما يلي بعض من أفضل الحدائق الوطنية في رواندا:
    • حديقة البراكين الوطنية Volcanoes National Park: تقع في جبال فيرونغا، وتشتهر بوجود مجموعة من الغوريلات الجبلية المهددة بالانقراض. تتيح فرصة لمغامرات التسلق ورؤية هذه المخلوقات الرائعة في موطنها الطبيعي.
    • حديقة أكاغيرا الوطنية Akagera National Park: تقع في شرق رواندا، وتشتهر حديقة أكاغيرا الوطنية بتنوع الحياة البرية فيها، بما في ذلك الأسود، والفيلة، والزرافات، والحمير الوحشية، وأنواع مختلفة من الطيور. تقدم رحلات في الحديقة بالسيارة وسفاري بالقوارب والمشي المرشد لمشاهدة الحياة البرية.
    • حديقة غابة نيونجو الوطنية Nyungwe Forest National Park : تعد هذه الغابة المطيرة القديمة ملاذًا للتنوع البيولوجي، حيث توجد أكثر من 13 نوعًا من القردة، بما في ذلك الشمبانزي والقرود الكولوبوس. تحتضن غابة نيونجو أيضًا مسارات مشي ساحرة وشلالات خلابة وجسر مشاة مذهل.
    • حديقة غيشواتي-موكورا الوطنية Gishwati-Mukura National Park: تأسست هذه الحديقة حديثًا كمنطقة محمية تهدف إلى الحفاظ واستعادة نظام الغابات المطيرة في المناطق الجبلية برواندا. تقدم الحديقة فرصًا للمشي الطبيعي المرشد ومشاهدة الطيور وتعقب القردة.
    • مستنقعات نهر نيابارونجو Nyabarongo River Wetlands: على الرغم من أنها ليست حديقة وطنية، إلا أن مستنقعات نهر نيابارونجو تستحق الذكر. إنها موطن حيوي لعدد كبير من أنواع الطيور والحياة البرية الأخرى في المستنقعات الرطبة. يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة الطيور وركوب القوارب والمشي في هذه المنطقة الجميلة. توفر هذه الحدائق الوطنية فرصًا مذهلة لعشاق الحياة البرية ومحبي الطبيعة والباحثين عن المغامرات لاستكشاف عجائب رواندا الطبيعية والمساهمة في جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي الغني فيها. تقدم السياحة كمصدر رئيسي للإيرادات وتعزيز القطاع السياحي من خلال تطوير البنية التحتية السياحية وتعزيز الخدمات السياحية.
  1. الصناعة: تهدف الحكومة الرواندية إلى تعزيز قطاع الصناعة كجزء من استراتيجية التنمية الاقتصادية. يتضمن القطاع الصناعي تصنيع الملابس والمجوهرات والمنتجات الغذائية والمشتقات الزراعية. تتمثل التحديات في تعزيز الابتكار وتحسين جودة المنتجات وتعزيز التصدير.

يتبع

د. الحسن اشباني، مدير البحث سابقا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالمغرب و صحفي مهني علمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Radio
WP Radio
OFFLINE LIVE