استخدام التعديل الوراثي لإنتاج بشر بخصائص جديدة؟ الجزء الاول


ساحاول في الجزء الاول من هذا المقال التذكير ببعض المفاهيم التقنية المستعملة في هذا المجال الحساس من العلوم التطبيقية الدقيقة والتي تخص اساسا الكائن البشري قبل غيره. لذا سيحرر مقالي وفق المحاور التالية :
- ما هو التعديل الوراثي؟
- ما هي الطرق المستخدمة لإجراء التعديل الوراثي؟
- ما هي الخصائص التي يمكن تعديلها في الجينوم البشري؟ و الاستخدامات المحتملة
- ما هي المخاطر الأخلاقية والقانونية المحتملة لاستخدام التعديل الوراثي على البشر؟
- ما هي التحديات التي يمكن أن يواجهها العلماء في مجال تطبيق التعديل الوراثي على البشر؟ و امثلة من حماقة و طيش بعضهم في مجال التعديلي
1- ما هو التعديل الوراثي؟
التعديل الوراثي هو تغيير في الجينات الوراثية للكائن الحي، بحيث يتم إدخال تغييرات معينة في الدنا DNA الخلية. يتم هذا التغيير بعدة طرق (المحور 2). لمزيد في هذا المحور بكل تفاصيله، طالع مقالا لنا “الكائنات المعدلة وراثيًا لا مفر منها من اجل الامن الغدائي العالمي؟“في الرابط التالي:
الكائنات المعدلة وراثيًا لا مفر منها من اجل الامن الغدائي العالمي؟ (dr-achbani.com)
2- ما هي الطرق المستخدمة لإجراء التعديل الوراثي؟
توجد عدة طرق لتحرير الجينات، منها CRISPR / Cas9 و TALENs و ZFNs. يمكن استخدام هذه التقنيات لتعديل DNA بطريقة محددة، مما يمكن أن يؤدي إلى تحسين الخصائص الوراثية.
3- ما هي الخصائص التي يمكن تعديلها في الجينوم البشري و الاستخدامات المحتملة؟
يتكون الجينوم البشري من ما يقرب من 3 مليارات حرف (قاعدة نيتروجينية) مرتبة في تسلسل معين وموزعة على الكروموسومات الموجودة في نواة الخلية البشرية. ومن هذه الأحرف النيتروجينية، توجد أكثر من 200 كلمة يمكن تعديلها في الجينوم البشري. وتتضمن هذه التعديلات الوراثية النقصية والزيادية والنقلية والتنازلية والغير ناشطة وغيرها.


وإليك بعض الخصائص المهمة لبعض هذه التعديلات الجينية:
- التعديلات النقصية (Suppressions) هي عملية تعديل جيني يتم فيها إيقاف عمل جين معين في الجي نوم البشري، وذلك عن طريق إيقاف ترجمة الجين أو تعطيل البروتين الناتج عنه أوتستخدم التعديلات النقصية في الأبحاث العلمية والتطبيقات الطبية المختلفة، بما في ذلك علاج بعض الأمراض الوراثية الناتجة عن عيوب جينية محددة، كما يمكن استخدامها في الدراسات الوظيفية للجينات وتحديد دورها في العمليات الحيوية المختلفة. كما يمكن استخدام التعديلات النقصية لتحقيق أهداف صناعية وزراعية، مثل إنتاج محاصيل نباتية أو حيوانية ذات صفات محسنة.ومع ذلك، فإن هناك بعض المخاطر المحتملة للتعديلات النقصية، مثل احتمالية حدوث تأثيرات جانبية غير متوقعة أو تأثيرات على البيئة. لذلك، فإنه يتطلب دراسات دقيقة للتأثيرات البيولوجية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية للتعديلات النقصية، وضمان تطبيقها بطريقة آمنة ومسؤولة.
- التعديلات الزيادية (Duplications) هي عملية تعديل جيني يتم فيها إضافة نسخة إضافية من جزء من الجينوم البشري، مما يؤدي إلى زيادة عدد النسخ من الجين المعني في الخلايا. تعد التعديلات الزيادية من أنواع التغيرات الجينية الشائعة في الجينوم البشري، وقد يؤدي حدوثها إلى تغييرات في الصفات الوراثية للفرد، سواء كانت إيجابية أو سلبية. يمكن أن يساهم الزيادة في عدد النسخ في حدوث بعض الأمراض الوراثية مثل متلازمة داون (Down Syndrome) وبعض أنواع سرطان الدم، ويمكن أن يؤدي إلى تغيرات في الصفات المورثة مثل لون العين ولون الشعر. ومع ذلك، فإنه يجب أن يتم دراسة التعديلات الزيادية بعناية، حيث أنها يمكن أن تسبب أيضاً تغييرات في الوظيفة الجينية وتعطيل الجين أو البروتين الناتج عنه، كما يمكن أن تؤدي إلى زيادة الحساسية لبعض العوامل البيئية والتعرض للمرض. لذلك، يجب إجراء دراسات دقيقة للتأثيرات البيولوجية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية للتعديلات الزيادية وضمان تطبيقها بطريقة آمنة ومسؤولة.
- التعديلات النقلية (Mutations): هي تغييرات طبيعية أو اصطناعية في ترتيب النيوكليوتيدات (المكونات الأساسية للحمض النووي) في الجينوم البشري. يمكن أن تحدث التعديلات النقلية بسبب أخطاء في عملية الاستنساخ الخلوي، أو نتيجة التعرض للأشعة فوق البنفسجية أو المواد الكيميائية الضارة، أو بسبب العوامل الوراثية. تختلف التعديلات النقلية في تأثيرها على الجينوم البشري، فبعضها لا يؤثر على الصفات الوراثية للفرد، بينما يمكن أن تؤدي أخرى إلى تغييرات جذرية في الجينوم وتسبب أمراضًا وراثية خطيرة. وتشمل التعديلات النقلية الشائعة في الجينوم البشري:
- 1- التحويل (Substitution): حيث يتم استبدال نوكليوتيد واحد بآخر في سلسلة الحمض النووي. يمكن أن يكون هذا التعديل بلا تأثير على الجين أو أن يؤدي إلى تغيير في الصفات الوراثية.
- 2- الحذف (Deletion): حيث يتم حذف نوكليوتيد واحد أو أكثر من سلسلة الحمض النووي، مما يؤدي إلى تغيير في النظام الوراثي.
- 3- الإدراج (Insertion): حيث يتم إضافة نوكليوتيد واحد أو أكثر إلى سلسلة الحمض النووي، مما يؤدي إلى تغيير في النظام الوراثي.
- 4- التبديل (Translocation): حيث يتم تحويل جزء من الكروموسوم من موقع إلى آخر، مما يؤدي إلى تغيير في الترتيب الوراثي. يمكن أن تحدث التعديلات النقلية بشكل عشوائي، ولكنها يمكن أن تحدث أيضًا عندما تتراكم هذه التعديلات مع مرور الوقت وتؤدي إلى تراكم الأخطاء الوراثية. يمكن أن يؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى تشوهات خلقية وأمراض وراثية خطيرة، مثل متلازمة داون، وهي حالة تنتج عن وجود تحويل (Substitution) إضافي في كروموسوم 21.

ومع ذلك، يمكن أيضًا استخدام التعديلات النقلية بشكل متعمد في العلاج الوراثي والتطوير الوراثي للنباتات والحيوانات والميكروبات. على سبيل المثال، يمكن استخدام التعديلات النقلية في تطوير المحاصيل المعدلة وراثيًا التي تتحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة والحرارة العالية. كما يمكن استخدامها في العلاج الوراثي لبعض الأمراض الوراثية، على سبيل المثال، يمكن استخدام تعديل الحذف (Deletion) للقضاء على جين يسبب مرضًا معينًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام التعديلات النقلية في البحث العلمي لفهم أفضل للجينوم البشري وكيفية عمله. فقد أدى تطور تقنيات تحرير الجينوم مثل CRISPR-Cas9 إلى تحسين القدرة على التعديل الدقيق للجينوم، مما يفتح الأبواب للعديد من التطبيقات في مجالات مثل العلاج الجيني والزراعة والتصنيع الصناعي. بشكل عام، فإن فهم التعديلات النقلية وكيفية تأثيرها على الجينوم البشري هو أساسي لفهم التطور الوراثي والأمراض الوراثية، ويمكن أن يساعد في تطوير العديد من التطبيقات

- التعديلات الجديدة أو Novel Mutations هي تعديلات جينية غير موجودة سابقاً في الجينوم البشري. وتحدث هذه التعديلات عندما يتعرض الجينوم لتغييرات جينية عشوائية أو عندما تحدث تعديلات وراثية في نطاقات معينة من الجينوم. وتعتبر هذه التعديلات أحد الأسباب الرئيسية للتباين الجيني بين الأفراد، وتساهم في تحديد خصائص الفرد وسماته الوراثية. تحدث التعديلات الجديدة بشكل طبيعي في الطبيعة، ويمكن أن تحدث عند الانقسام الخلوي والتكاثر الجنسي. كما يمكن أيضًا أن تحدث بسبب التعرض لعوامل خارجية مثل المواد الكيميائية الضارة والإشعاعات. تعتبر التعديلات الجديدة مهمة لأنها تساهم في تحديث الجينوم وتحسين قدرة الكائنات الحية على التكيف مع بيئتها. وتمثل هذه التعديلات أيضًا فرصة لفهم أفضل للتطور الجيني وتحديد الآليات المسؤولة عن التغييرات الجينية في الجينوم البشري. ومع ذلك، فإن التعديلات الجديدة يمكن أن تسبب مشاكل صحية في بعض الأحيان. وقد تؤدي هذه التعديلات إلى ظهور مرض وراثي جديد، وهذا يتطلب دراسة الجينوم بشكل دقيق وفهم تأثير التعديلات الجديدة على الصحة العامة وعلى تطوير علاجات جديدة للأمراض الوراثية. بشكل عام، فإن فهم التعديلات الجديدة في الجينوم البشري هو أساسي لفهم التطور الوراثي والأمراض الوراثية، ويمكن أن يساعد في تطوير العديد من التطبيقات الجديدة في مجال الجينوميات والطب الجيني. ومن أمثلة التطبيقات التي يمكن تحقيقها باستخدام فهم التعديلات الجديدة في الجينوم البشري:
- تطوير علاجات جديدة للأمراض الوراثية والسرطان والأمراض المزمنة الأخرى.
- الكشف عن العوامل الوراثية التي تساهم في خطر الإصابة بأمراض معينة، وهذا يمكن أن يساعد على الكشف المبكر والعلاج الفعال.
- تحديد خطر انتقال الأمراض الوراثية إلى الأجيال اللاحقة وتحديد الخطط للوقاية من الإصابة بهذه الأمراض.
- فهم تطور الإنسان والعمليات الوراثية التي أدت إلى التغييرات في الجينوم البشري على مدى السنوات الماضية.
- تحسين التشخيص الجيني والكشف عن الأمراض الوراثية في المجتمع.
- تحسين فهمنا لكيفية عمل الجينات والآليات الجينية المسؤولة عن الصحة والمرض.
- تحسين التوقعات الصحية للفرد وتحديد العوامل الوراثية التي قد تؤثر على نمط حياته.
- تحسين النظم الغذائية والطرق العلاجية والوقائية للأمراض.
- تطوير المزيد من الأدوات والتقنيات لتحليل الجينوم البشري وفهمه بشكل أفضل.
بشكل عام، فإن فهم التعديلات الجديدة في الجينوم البشري يمكن أن يساعد في تحسين فهمنا لكيفية عمل الجينات وتأثيرها على الصحة والمرض، ويمكن أن يساعد في تطوير العديد من التطبيقات الجديدة في مجال الجينوميات والطب الجيني.
- التعديلات الوراثية التنازلية (-“Recessive genetic mutations” Mutations génétiques récessives) هي تعديلات جينية تحدث في جينات معينة وتنتقل من الوالدين إلى الأبناء عن طريق الوراثة. وبشكل عام، فإن التعديلات الوراثية التنازلية تكون متنحية ولا تظهر إلا في حالة وجود نسختين متحورتين من الجين المسؤول عنها.
وتحدث التعديلات الوراثية التنازلية بسبب التغييرات التي تحدث في تركيب الحمض النووي (DNA) الموجود في الجينات، والتي يمكن أن تحدث بسبب العديد من العوامل مثل التعرض للإشعاع أو المواد الكيميائية الضارة.
وتشمل أمثلة على التعديلات الوراثية التنازلية الأمراض الوراثية مثل النقص الفوليكولي الوراثي، ومرض الفينيل كيتونوريا، ومرض الكيستات الكلوية المتعددة، والصلب المتعدد الوراثي، والكتلة العضلية المتعددة، ومتلازمة داون، والتهاب المفاصل الرثوي.
ويمكن تشخيص التعديلات الوراثية التنازلية باستخدام الاختبارات الجينية التي تقوم بتحلبل الحمض النووي، وتحديد وجود التعديل الجيني في الشخص المشتبه به. ومن الممكن أن يتم الكشف عن التعديلات الجينية خلال فحص الحمل، حيث يمكن للأطباء تحديد ما إذا كان الجنين يحمل التعديل الوراثي التنازلي المسؤول عن الحالة المرضية أم لا. ومن الأساليب الشائعة للتحكم في التعديلات الوراثية التنازلية هي العلاج النظامي، حيث يتم استخدام الأدوية لتخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة للمرضى.
كما يمكن استخدام العلاج الجيني لبعض التعديلات الوراثية التنازلية، والذي يتضمن تحرير الجينات وإدخال تعديلات جينية جديدة لتصحيح الجين المتحور وعلاج المرض.
ومن الأساليب الوقائية للحد من حدوث التعديلات الوراثية التنازلية هي الاستشارة الوراثية قبل الزواج والإنجاب، حيث يتم تقييم خطر حدوث التعديلات الوراثية والنصح بالتصرف المناسب لتفادي الإصابة بها. كما يمكن الاستشارة الوراثية في حالة وجود أحد الوالدين مصاباً بالتعديل الوراثي التنازلي، حيث يتم تقييم خطر نقله للأبناء وتحديد الإجراءات الوقائية والعلاجية المناسبة.
بشكل عام، فإن التعديلات الوراثية التنازلية تمثل تحدٍ كبيراً للعلماء والأطباء والباحثين، ولكن التقدم الهائل في مجال الجينوم والعلاج الجيني يفتح آفاقاً واسعة لعلاج هذه الحالات في المستقبل.

- التعديلات الوراثية الغير ناشطة (Non-coding genetic variations) هي التعديلات التي تحدث في الجينات ولكنها لا تؤثر على الى ترجمة الجينات إلى بروتينات، وبالتالي فإنها لا تسبب أي تغيير في خصائص الكائن الحي المتحور. وتشمل هذه التعديلات مجموعة واسعة من النماذج، والتي تشمل على سبيل المثال:
- التعديلات الوراثية في المناطق التنظيمية للجينات: هذه التعديلات تحدث في المناطق غير المشفرة من الجينات، والتي تشمل مناطق المحفات تشمل مناطق المحفات (Enhancers) والمثبطات (Suppresseurs) ومواقع الربط بالبروتينات (Linking sites)، والتي تؤثر على تنظيم عملية التعبير الجيني دون التأثير على الترجمة إلى بروتين.
- التعديلات الوراثية في المناطق الداخلية للجينات: تحدث هذه التعديلات في المناطق الداخلية للجينات، والتي تشمل الإنترونات (introns) والمناطق الداخلية لمناطق الرموز (coding regions)، والتي لا تؤثر على عملية الترجمة إلى بروتين، ولكنها قد تؤثر على نسخة الرنا المنتجة أو الانتقال الجيني.
- التعديلات الوراثية في المناطق الواقعة خارج الجينات: تحدث هذه التعديلات في المناطق الغير مشفرة من الحمض النووي الوراثي، والتي تشمل المناطق الواقعة بين الجينات (intergenic regions) والتي لا تؤثر على التعبير الجيني، ولكنها قد تؤثر على تنظيم الجينات المجاورة أو تنظيم الهيكل الثلاثي الأبعاد للحمض النووي.
ويجدر بالذكر أن هذه التعديلات الوراثية الغير الناشطة تمثل جزءًا كبيرًا من التعديلات الوراثية الكلية التي تحدث في الكائنات الحية، وتعد مصدرًا هامًا للتنوع الوراثي وتحديد الصفات الوراثية للأفراد. كما أن فهم هذه التعديلات الغير الناشطة يمكن أن يساعد في فهم عملية التعبير الجيني وتنظيمها، ويساعد في تحديد العوامل التي تؤثر على الصفات الوراثية للكائنات الحية، ويمكن أن يفتح المجال لتطوير العديد من التطبيقات الحيوية المختلفة.
ومن بين الأمثلة على التطبيقات الحيوية لفهم التعديلات الوراثية الغير الناشطة، يمكن الإشارة إلى البحوث المتعلقة بالأمراض الوراثية، حيث يمكن أن تساعد هذه الدراسات في فهم الآليات التي تؤدي إلى حدوث تلك الأمراض، وتطوير العلاجات المستهدفة لها.
كما يمكن استخدامها في تحسين الأداء الزراعي وتطوير النباتات والحيوانات الجديدة، وتطوير المواد الحيوية الصناعية، والمساهمة في حل المشكلات البيئية وتطوير الطاقة النظيفة والمستدامة.
وبالتالي، يعتبر فهم التعديلات الوراثية الغير ناشطة من أهم المجالات البحثية الحيوية، وتحمل العديد من الفرص المستقبلية في التطبيقات الحيوية المختلفة، وتطوير حلول جديدة للمشكلات الحيوية والبيئية.

في المقال المقبل، سنتطرق الى المخاطر الأخلاقية والقانونية المحتملة لاستخدام التعديل الوراثي على البشر؟ و المحاولات الطائشة التي يقوم يها بعض العلماء في هذا المجال بعيدا عن القوانين الجارية والتي يجري تحيينها لضبط هذه التعديلات
–يتبع