مع الاستاذ ابراهيم أعبيدي : حول طبيعة الإصلاح -13- و -14-

مرآة لإصلاح الحال.(82).
أكادير في 18 دجنبر 2022

– 13 –
وإن فكرة الإصلاح من خلال الثورة، باعتبار أن الإصلاح لا يتم إلا من خلال طفرة، يقطع بها مع كل ما كان قبله، مِن اوضاع بالمرة، ويحقق كل طموح الناس دفعة واحدة، وباستعجال، رغم أنها تحاول لبس لبوس الشرعية، بناء على الاستجابة لإرادة الجماهير، كدعوى، إنما هي فكرة وافدة، كرسها، ببلداننا، سلوكُ انقلابيي العسكر وثوار اليسار، وتأثر بها منا جيلان، كطريق إلى إصلاح الشأن، والتي راينا ما أدت إليه من سوء مآلٍ، (وسنعود لبعض تفصيل عنها في ما يأتي من كلام). وقد تحول، في لاشعورنا، هذا المفهوم للإصلاح، إلى رفض الاعتراف بأي انجاز مهما كان، إذا لم يبلغ غايته في الاكتمال.
لذلك نلاحظ، في هذا الزمان، أن شبابنا يفضل أن يعيش عيشة الكسول القاعد البَطّال، أو أن يستسلم لتجار عصابات الهجرية السرية، فيما يوحون له من الإيهام بجنا ما وراء البحار، فيندفع نحو مكامن الانتحار، غرقا بقوارب الموت في عرض البحار؛ على أن يتسلح بالاصطبار، ويكابد القيام بأي شغل يُعرَض عليه مرحليا في انتظار التحسين التدريجي لحياته المهنية، في المسار. فقد رسخ عندنا في الأذهان، أنّ المراحل التي تسبق مرحلة اكتمال “المائة بالمائة”، هي كلها في قِيَمها مجرد أصفار.

ومن الملاحظ، في أي ميدان يتعلق بإصلاح الحال، أنه كلما تجاوز طموح الإنسان سقف ما في المتناول والاستطاعةوالإمكان، ولم يحاول، باستمرار، النظرَ إلى ماخلَّفه وراءه، في الطريق إلى ذلك السقف، مِن جميل إنجازات وما حصَّله مِن عظيم آثار تستحق منه الفرح والحمدلة والاهتمام؛ فإنه يُوشِك أن يَشُلَّه الإحباط وتطمس فيه مشاعرُ الهزيمة والاستسلام، نبْعَ الصمود والاستمرار. وتجهض في نفسه أجنة الآمال.
لذلك فإن أصحاب هذه النفسية أو العقلية، كما شهدناهم في تعاملهم مع ملتقى بطولة “المونديال” لكرة القدم هذه الأيام، قد عميت منهم الأبصار، عن إبصار ما يحدث، في ذلك الملتقى الرياضي كمثال، حتى قبل بلوغ النهاية التي يُتوَّج فيها الأبطال، مِن مدافعةٍ ظاهرة ضد هجمة قيم اللوبي الغربي الهدام، وما تحقق، في تلك المشاركة، مِن نصرة وانتصار للقيم التي تُوحِّد الأمةَ، وتلهم الأقوام المستضعفين في كل مكان،

مرآة لإصلاح الحال.(83).
أكادير في 19 دجنبر 2022
– 14 –
وأنّى لأولئك الذين يحملون في الأذهان مفهوما أعمى للإصلاح مبرمجا على إظهار المعارضة في كل الأحوال، والإصرار على أن الغراب يظل معزى ولو حلق في الأجواء وطار؛ أن يبصروا، بذاك الملتقى العالمي أو المونديال، ما تحقَّقَ مِن رفعةٍ، في قلوب جمهور الأمة، من شرق أندونيسيا إلى غرب الموريتان ونيجيريا والسينيغال، لرايةِ الدولة التي تسعى إلى النهوض والقيام، قصد استعادة حال السؤدد والفخار، الذي ظلت عليه امبراطورية المغاربة الشريفة EMPIRE CHERIFIEN، منذ أن اعتنقوا الاسلام. حيث كنا، ونحن صبيان، نتهجى تلك العبارة على مسكوكات المال، كالتي من فئة الخمسة فرنكات أو الريال، والخمسين فرنكا أوالعشرة ريال. والتي أبت أن ينمحي اسمها حتى تحت نير الاستعمار.

فكيف بهم إذا علِموا أن ما جرى الآن، إنما كان في إطار مشروع شامل عام، لدولة إمارة المؤمنين، قصد تحقيق حال النمو والازدهار، وإفساح المجال للنبوغ المغربي، وضمان توحد وتفوُّق المغاربة، للمساهمة في قيادة العالم إلى مرفإ الأمن والسلام. بقوة ناعمة تتمدد باستمرار، وتسري كسريان الماء تحت عشبٍ عطشان، لا يكاد يحس بها الملمسُ أو تبصرها العينان، وهي تنتصر لتجدد قيم الأصالة والإسلام، كنموذج للإصلاح وكمثال؟!
ولو ترى في أحسن الأحوال، أولئك “الفهايمية”، من كل فهيم متفيهق في الكلام، متطفل على الفهامة في كل ميدان إلى حد الهديان، متعالٍ متكبر ثرثار، كيف يَنسِلون من وسائل التواصل الاجتماعي كتسربات ماء التطهير أو “الوادي الحار”، وهم يظنون انهم اكتشفوا، بالصدفة، فريقا رياضيا يصلح في بلادنا لإزاحة الحكام، والقيام مقامهم في إصلاح كل ما للسياسة من شأن، وقد عثروا فيه على المهدي المنتظر بعد طول انتظار، والمفتاح لكل ما انغلق في البلاد من أقفال.
ولو ترى في أحسن الأحوال، أولئك “الفهايمية”، من كل فهيم متفيهق في الكلام، متطفل على الفهامة في كل ميدان إلى حد الهديان، متعالٍ متكبر ثرثار، كيف يَنسِلون من وسائل التواصل الاجتماعي كتسربات ماء التطهير أو “الوادي الحار”، وهم يظنون انهم اكتشفوا، بالصدفة، فريقا رياضيا يصلح في بلادنا لإزاحة الحكام، والقيام مقامهم في إصلاح كل ما للسياسة من شأن، وقد عثروا فيه على المهدي المنتظر بعد طول انتظار، والمفتاح لكل ما انغلق في البلاد من أقفال.
فما هم بمدركين أن ما ظهر من خلال ذاك التجمع الدولي الرياضي أو المونديال، ليس إلا جانبا من إصلاح شامل، لا انفصال فيه لميدان عن ميدان، حيث تتكامل الرياضة مع الديبلوماسية والاقتصاد واللوجيستيك والأمن الوطني والعدالة والدفاع، والتأطير الديني والإعلام. إنه إصلاح دولة تنبعث بجهود مسددة بحكمة السلطان، يلتقي فيها حفظ أصالة التاريخ والحضور بالانجاز الصامت في الحاضر، لاستباق ما يأتي به الزمان، ليجدها، عند الميعاد، جاهزة في الاستقبال.
ذ. ابراهيم أعبيدي، كاتب و مفكر وبرلماني سابق (يتبع).
مقالات الكاتب السابقة :