من امريكا مع الاستاذ سليمان شاهي الدين : آفاق القراءة إلى أين ؟

آفاق القراءة إلى أين ؟
تعتبر القراءة غذاء للفكر و سبيل للمتعة و مرتع للفوائد و لكنها في نفس الوقت تمثل مجالا تحفه الكثير من المخاطر التي من شأنها في غياب حس نقدي أن تجرف القارئ إلى نهايات لا تحمد عقباها. و لذلك وجب على كل قارئ أن يكون في غاية الحذر و في تمام الوعي اليقظ المشبع مسبقا بمنظومة القيم الأخلاقية الراقية و المبادئ الراسخة القائمة على قناعة قوامها الحكمة و الفضيلة و اليقين، بأن الإنسان إما أن يكون من أهل الحق أو من أهل الباطل، و هنا بالذات يكمن الفارق و تكتمل الرؤية و يبرز المعتقد الصحيح من الزائف، و يتجلى بوضوح إتجاه المسير و الغاية و المعنى الذي نصبغه على الحياة. و هو الأمر الذي يقوم على إدراك – الحياة في الزمان و المكان – مجرى حالها في الراهن و خبرها في الماضي.

إن القراءة تسمح بالإطلاع على شطآن الفكر المتنوعة و حدود أقاصي بحارها في بناء الميراث المعرفي الذي راكمته الإنسانية كإرث حضاري سواء فيما يخص معرفة تنوع الثقافات الإنسانية و التجارب الحضارية أو ما يرتبط بها من الأمجاد و الهزائم التاريخية التي حظيت بها شعوب و أمم أو منيت بها
. إن القراءة تسمح بالإطلاع على شطآن الفكر المتنوعة و حدود أقاصي بحارها في بناء الميراث المعرفي الذي راكمته الإنسانية كإرث حضاري سواء فيما يخص معرفة تنوع الثقافات الإنسانية و التجارب الحضارية أو ما يرتبط بها من الأمجاد و الهزائم التاريخية التي حظيت بها شعوب و أمم أو منيت بها. و عند هذا الحد أو الحال و المآل نرسم عن وعي و يقين إتجاه البوصلة ؛ بيد أن الخروج عن الفاعلية التاريخية قيد أنملة يجعلنا نحن البشر أياً كان أصلنا و فصلنا ننجرف في متاهات و نحشر مع التيار الجارف الذي ينتهي بنا إلى بحرٍ لجيٍ قوامه كما صوره البعض بالفوضى ” الخلاقة “.

لكن الأمر في الحقيقة يسير في إتجاه مأساة إنسانية لا تبقي و لا تدر، و شهد شاهد من أهلها طيلة عدة عقود بأن الحرب لم تضع أوزارها و بقي السلم و السلام أمر لا يمكن تحقيقه على المستوى العالمي دون الدخول في معركة فاصلة مع أعداء الإنسانية. و هكذا تكون كل قراءة و كتابة و تأويل أو تنظير أو حتى رصد لظواهر اجتماعية و تفسير أحداث تاريخية لا تخرج البتة عن الخوض في المعترك الحضاري بين بناة الحضارة الحقيقيين و بين الأشرار الذين يؤسسون للعبودية في أشكال جديدة هي أشد وطأة على الإنسان و على مصيره في معركة البقاء.
ماذا نقرأ و لمن نقرأ و ما نريد أن نحققه بفعل القراءة، هل نسعى لفهم أحداث التجربة الإنسانية و موقعنا منها أم أننا نريد أن نكتفي فقط بمتعة القراءة و الإكتفاء بالترف الفكري ؟ هل لنا أن ندون فقط التاريخ و أحداثه و نعد الأنساب و شجرتها و كلنا نرجع في آخر المطاف إلى نفس الأب و الأم، و ما عساك أيها المعتد بشجرة الأنساب أن تسدي للإنسان المقهور و المهدور ؟.
ماذا نقرأ و لمن نقرأ و ما نريد أن نحققه بفعل القراءة، هل نسعى لفهم أحداث التجربة الإنسانية و موقعنا منها أم أننا نريد أن نكتفي فقط بمتعة القراءة و الإكتفاء بالترف الفكري ؟ هل لنا أن ندون فقط التاريخ و أحداثه و نعد الأنساب و شجرتها و كلنا نرجع في آخر المطاف إلى نفس الأب و الأم، و ما عساك أيها المعتد بشجرة الأنساب أن تسدي للإنسان المقهور و المهدور ؟. هل سنقرأ ذلك الفخر و الخيلاء الذي يغمرك و أنت تتلو علينا مجدك، فما بال تلك الهزائم و كيف سقطت الأندلس و كانت خبرا بعد عين ؟. ماذا نقول بشأن كل الإبادة الجماعية التي تعرض لها الكثير من الشعوب و الأمم فأين الهنود الحمر و أين كل الذين سحقوا في الحروب في الماضي القريب و في الوقت الراهن في بؤر كثيرة من العالم ؟. ماذا تفيد هذه القراءة و إن خرجت كل الناس في كل العواصم تعلن ايقاف الحرب، فهل يسمع الحكام لصوت الشعوب أم أن دوي طبول الحرب هو التجارة الرابحة ؟ فأين المجتمعات من حكم الشعوب لذاتها عندما لا تنتفض و تكف الحكام من غصب السلطة و استعباد البشر باسم التحايل على القانون ؟.
إن الجواب على هذه التساؤلات لا تتوقف على تقديم إجابات سواء مرتجلة أو مدروسة، بل إن الجواب لايكون مقنعاً حتى يتنزّل في خوض التجربة الإنسانية و إقتحام العقبة من باب الدخول في معترك التباري الحضاري، و هي المعركة الفاصلة حيث يتحقق الشرف، طالما يتم الثبات على العهد و السير قدما في إعادة بناء الحضارة الإنسانية الواعدة و الراقية، و ذلك بالتوازي مع قراءة نقدية تعيد كتابة التاريخ و رسم الحدود الفاصلة بين الفاعلية التاريخية و فقدان المبادرة و الإنقياد.
ذ. سليمان شاهي الدين كاتب و مفكر



